نص كلمة الزميل الصحفي عبد الصمد بن شريف مدير القناة الثقافية بمناسبة الذكرى 15 لإطلاق القناة ..
اسمحوا لي في بداية هذه الكلمة، أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من لبى دعوتنا، وحرص على حضور هذا الحفل.
كما أخص بالشكر السيد الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، السيد فيصل العرايشي، الذي رحب بفكرة تخليد الذكرى الخامسة عشر، لإطلاق القناة الثقافية وساندها منذ البداية.
والشكر موصول إلى السيد المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وإلى كل المديريات والمصالح، التي اشتغلنا إلى جانبها لتنظيم هذا الحفل وإنجاحه.
كما أتقدم بأصدق عبارات الشكر والامتنان، إلى كل العاملات والعاملين في القناة الثقافية، اللواتي والذين انخرطوا بكل حماس والتزام، في هذا الحدث، و لم يدخروا جهدا لتوفير شروط نجاحه.
إن الاحتفال بمرور 15 سنة، على إطلاق القناة الرابعة – الثقافية، لا يمكن حصره واختزاله فقط، في مشاعر الارتياح والفرح، التي قد تغمر مختلف العاملات والعاملين في القناة، احتفاء بحدث يحمل دلالات كثيرة لها علاقة متينة ومباشرة بوجودهم ومساراتهم المهنية، وطموحاتهم الفردية والجماعية، وتعبيرا عن طمأنينة مؤسساتية، يمكن أن نركن إليها مكتفين بما تحقق.
علما أن ترجمة هذه القناة إلى حقيقة ملموسة، تتطلب على مدى عدة سنوات بذل تضحيات جسيمة، وجهود كبيرة، من طرف جيل المؤسسين، والتسلح بإرادة قوية بالنسبة لرئاسة وإدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وكل المصالح التابعة لها.
بل قد يكون الاحتفال أيضا، مناسبة لمساءلة الذات وتطويقها بمجموعة من الأسئلة المستفزة بالمعنى الإيجابي، والمرتبطة بالرهانات المنشودة، وبالتحديات التي يمكن أن تواجهنا في بناء وترسيخ أي مشروع، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بقناة تلفزية مطالبة بتقديم عرض مقنع ومبدع ومتنوع.
قناة تلفزيونية قادر على إثارة اهتمام شرائح أساسية من المجتمع المغربي، وفي طليعتها النخبة الثقافية؛ الدينامو المحرك للمجموعة الوطنية، والقاطرة التي تقف تاريخيا وراء التحولات العميقة على عدة مستويات، والانتقالات الجوهرية في مختلف المجالات، والقطائع المؤسسة للفكر العقلاني، والقيم الايجابية والعلاقات التعاقدية.
ووفاء للدور الذي تضطلع به، وللرسالة الموكولة إليها، في إطار تقديم خدمة عمومية ذات قيمة ومصداقية، وفي تناغم وتكامل مع باقي مكونات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، ترسم القناة الثقافية كهدف لها؛ التوجه إلى فضول المشاهدين، وقدرتهم على التفاعل و الحلم، مع ما يتطلبه ذلك من احترام لذكائهم.
وتنطلق الثقافية من هدف مركزي، يكمن في الإجابة عن انتظاراتهم، وتلبية حاجياتهم الثقافية، وتوفير مساحات للتعبير عن مشاعرهم.
وتأسيسا على ذلك، فأنشطة وجهود وإبداعات وأعمال القناة الثقافية، تنتظم حول هذا الرهان، باعتبار القناة رافعة للإعلام الثقافي، بمعناه الواسع، وأداة للتواصل مع حقول ثقافية وفكرية وفنية وتربوية، تتحاور فيها الذاكرات وتتعايش عبرها الهويات؛ وحيث يشع التاريخ، وينتشر عبق الحضارة.
وهكذا تسعى القناة الثقافية إلى الاستثمار الأمثل، للغنى الثقافي الذي يميز بلدا مثل المغرب، الذي تمتد جذروه عميقا، في تربة التاريخ والحضارة.
وتسعى القناة الثقافية إلى أن تكون منخرطة في الشأن الثقافي، لأنها جزء منه، و من هذا المنطلق تضع إمكانياتها رهن إشارة مستخدميها، قصد الابتكار و الإبداع في مسيرتهم المهنية، وتحقيق الإشباع في عملهم اليومي.
وبتأكيدها على شعار “الالتزام والاشعاع الثقافي المستمر”، بمناسبة تخليد الذكرى 15 لإطلاقها، وجعل هذا الشعار بؤرة شبكة برامجها ورهاناتها الاستراتيجية، فإن القناة الثقافية تتطلع بكل تواضع إلى تقديم برامج منسجمة و متكاملة، تجمع بين الوثائقي والحواري، لتساهم من خلال برامجها، كما نص على ذلك دفتر التحملات، في فتح وتوسيع فضاءات للتعبير والنقاش، حول القضايا الثقافية، الفنية والفكرية، المحلية، الجهوية والعالمية وتثمين القيم والثقافة المغربية الإنسانية.
وتعمل القناة الثقافية دائما، استنادا إلى مقتضيات دفتر التحملات”، على تتبع الأنشطة الثقافية والفنية المغربية والتعريف بها وتغطيتها، وكذا على نشر الإبداع الثقافي الفني والمعرفي بوجه عام، بما يساهم في تمكين المشاهدين من الولوج إلى عالم الاكتشاف واكتساب المعرفة وإغنائها، ودعم المدارك المعرفية والتفتح الفكري.
ولتحقيق هذه الأهداف والنجاح في ترجمتها على أرض الواقع، في شكل عرض تلفزي، كان لابد أن تتسلح القناة بجرعة معتبرة من الثقة والحماس والإصرار والعزم، وهي في اشتغالها وأداء رسالتها، تتطلع إلى أن تكون قناة مبدعة ومجددة ومتفاعلة مع محيطها، تحركها في إنجاز مهمتها دوافع الإبداع و المبادرة و الجودة.
لأن القناة الثقافية يتعين عليها إنتاج وتقديم برامج تحترم الشروط المهنية، و تؤكد على المضمون الجيد، والصياغة الواضحة والدقيقة ، وجودة الصوت والصورة والإخراج، مع احترام المواعيد و الاستشراف، والبحث و التطوير.
هذه عناصر لا يمكن القفز عليها، لأنها ضرورية في كل المهن، خاصة وأننا نعيش في ظرفية عالمية، تعرف انقلابا جذريا في مفاهيم وتصورات وطرائق ووسائل الاتصال؛ حيث أصبحت شبكات الإعلام الإلكتروني، ومنصات التواصل الاجتماعي تمارس تأثيرا متزايدا، وهذا ما يضاعف من أهمية وجود تلفزة ثقافية عمومية، قوية وفعالة، في منظومة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، لاسيما في سياق يتسم بمنافسة شرسة في المجال الإعلامي، في ظل تبسيط المضامين، وسيادة خطابات بدون هوية، وتوجه فئات لايستهان بها إلى البحث، عما هو آني وسريع الاندثار.
فمن المؤكد، أن الشأن الثقافي لا يشكل هما فرديا معزولا عن المجتمع، ولا يمكن للمثقف الفرد، مهما كان شأنه، أن يعالج اختلالات هذا الحقل، بمعزل عن باقي المثقفين، والأطراف المتدخلة في القطاع، ومن بينها القناة الثقافية.
لذلك تتطلب عملية إعادة الاعتبار للشأن الثقافي، وتثمين دور المثقف المغربي، عملا جماعيا ومؤسساتيا، تشارك فيه مختلف مكونات الحقل الثقافي الوطني، بدون استثناء.
إن التحولات العميقة، والتطورات السريعة، التي يشهدها المجتمع المغربي، في كافة المجالات، وكذا المتغيرات المتتالية التي تجري في المحيط الاقليمي والعربي والدولي، تفرض علينا مجموعة من الانتقالات، بما في ذلك الانتقال الثقافي.
والمقصود بهذه الانتقالات، إحداث قطيعة مع الممارسات والسلوكات والمنهجيات، التي لم لم تعد ملائمة للظرفية التي نعيشها، وغير ناجعة واقعيا وبراغماتيا، وهذه القطيعة من شأنها أن تدفع وتوجه المجتمع بكامله إلى المستقبل.
فهي قطيعة قادرة على الوقوف في وجه خيار تحييد وتغييب المثقفين وتهميش الثقافة، وما دامت الثقافة تشكل القوة الناعمة للأمة، والقلب النابض لها، والقلعة الأمامية الحامية والحاضنة لهويتها وخصوصيتها، فإنه يتعين على كل المتدخلين أن يتعاملوا مع هذا الحقل، من هذه الزاوية، علما أن المغرب أنجب أصواتا وأسماء، اكتسحت العالمين العربي والإسلامي، بأفكارها ومؤلفاتها، استنادا إلى جودة وأهمية ومصداقية ما أنجزته، من أعمال فكرية وثقافية، في شتى أصناف المعرفة.
ولعل الاعتراف العربي والدولي بما حققه المغاربة في مجال الفكر والثقافة والإبداع، لخير دليل على أهميتهم وضرورتهم في بناء أي مشروع ثقافي واجتماعي وسياسي.
وفي المجال الثقافي، يمتلك المغرب المادة الخام، والأساس الصلب والمتين، لاحتلال مكانة متميزة، وتحقيق إشعاع إقليمي وعربي ودولي، غير أنه يتعين على كل الفاعلين، وكل المؤسسات، أن تدعم هذا الخيار، وأن تحتضنه، خاصة وأن الدستور الجديد، يوفر الحماية القانونية للفعل الثقافي، من خلال تنصيصه في الفصل 26، على أن السلطات العمومية، تدعم بالوسائل الملائمة، تنمية الإبداع الثقافي والفني.
وأشار الدستور المغربي، في عدد من الفصول، على أهمية العنصر الثقافي في تقوية الهوية واللحمة الوطنية؛ بما في ذلك الفصل 31، الذي ينص على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة، من الحق في التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابث الوطنية الراسخة؛ وبديهي أن الآلية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف النبيل هي الثقافة.
إن ما حدث ويحدث في أكثر من منطقة، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وهوياتيا، يطرح بجدية وإلحاح، انخراط الفاعلين الثقافيين في الديناميات السياسية والمجتمعية.
وللتفاعل مع هذه التطورات والتحولات، خاصة على المستوى الثقافي والفني، ستتعزز شبكة برامج القناة الثقافية، بحوالي 14 برنامجا جديدا، شرع في إنتاجها وإعدادها منذ أكثر من سنة، تحت إشراف السيد العلمي الخلوقي، الذي تولى مهمة إدارة القناة الثقافية، بعد رحيل السيدة مارية لطيفي، تغمدها الله بواسع رحمته.
وتجمع هذه البرامج، بين الوثائقي والحواري، لتكريس هويتها كقناة مندورة، لخدمة الثقافة والفكر والإبداع والتربية والفن.
إضافة إلى اضطلاع القناة الثقافية، بدور التعريف بالحضارة المغربية، والتنوع الثقافي، الذي يطبع الهوية الوطنية الغنية بروافدها ومكوناتها.
وسنبدأ قريبا في بث هذه البرامج، ضمن شبكة متنوعة تم إدخال تعديلات جوهرية، على محتوياتها، كما أننا نعمل في اتجاه أن تبدأ مواعيد بث برامج القناة الثقافية، ابتداء من الساعة 12 ظهرا، طيلة أيام الاسبوع.
وتماشيا مع هذا التوجه، وسعيا إلى إغناء شبكة البرامج، تعتزم الثقافية إنتاج مجلة أسبوعية، لمواكبة الأنشطة الثقافية والفنية، على المستوى الوطني.
كما تفكر القناة في إنتاج برنامج حواري أساسي، لمناقشة القضايا الفكرية والثقافية الكبرى، وبرنامج خاص بالشعر، وآخر بالكتاب، وسلسلة وثائقية عن عدد من الوجوه التي بصمت المشهد الفكري والثقافي في بلادنا.
هذا إضافة الى الانفتاح على عدد من المؤسسات الوطنية، لتكون شريكا في مجموعة من الأوراش، التي تنوي القناة الثقافية الانخراط فيها.
ومن المؤكد أن تحقيق هذه الأهداف، يتطلب إمكانيات وموارد معقولة، حتى يتسنى للقناة الثقافية القيام بدورها، وفق شروط مهنية ضامنة للجودة والابتكار والعمق.
ولتعزيز مكانتها ورسالتها، في المشهد الإعلامي المغربي والمغاربي والعربي، يجري التفكير في إعداد مخطط لتسويق القناة، عبر مختلف وسائل التواصل، بهدف رد الاعتبار للمجهودات، التي يبذلها العاملون في شتى التخصصات، للرقي بالقناة الثقافية وتجويد عرضها.
كما أن مخطط التسويق الإعلامي هذا، يسعى إلى التعريف بالقناة الثقافية، على نطاق واسع، وتطبيع وجودها في المجتمع المغربي، خاصة في الأوساط الثقافية والنخب الجامعية، وفئات مهمة من نسيجنا الاجتماعي، بما في ذلك الشباب.