عبد السلام انويكًة
حدث وطني بوقْعٍ رمزي رفيع يحتفي به المغرب في ثامن عشر يونيو من كل سنة، ذلك هو “اليوم الوطني للمقاومة” والذي من خلاله يحتفي المغاربة بملحمة كفاح وزمن فداء ككل من أجل الاستقلال. ما هو بموقع خاص كذاكرة بلاد وعباد حظيت بالتفات معبر خلال العقدين الأخيرين، عبر ما حصل حولها من بحث ودراسة وجمع وتجميع وتوثيق وتنوير وصيانة وتراكم نصوص وجدل بين باحثين ومؤرخين ومهتمين.
وعيا بقيمة الحدث الوطني وبما ينبغي من إنصات لذاكرة وطنية غنية برجالات ووقائع وملاحم ونبل أهداف، وعرفانا بتضحيات وطنيين وشهادة أعلام وإجلالاً لأبطال ملحمة استقلال مليئة بالعِبر، ومن أجل تلاقح أكثر وأهم بين أجيال وقيم مجتمع ولجعل تاريخ البلاد الوطني بدور تأطيري وفعل تعبئة خدمة لمواطنة ووطنية مجتمع، وتحسيساً بواجب ومسؤولية الجميع كل من موقعه تجاه حماية إرث رمزي جمعي وكيان وشواهد وهوية وأمجاد، وعملاً بقول الله تعالى في سورة الذاريات “وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ”.
من أجل هذا وذاك ارتأينا ورقة بهذه المناسبة “يوم المقاومة” الوطني، الذي يصادف ثامن عشر يونيو من كل سنة ويؤرخ لاستشهاد أحد أبطال ملحمة كفاح مسلح من أجل الاستقلال “محمد الزرقطوني” رحمه الله سنة 1954. ويؤرخ أيضاً لوقفة تاريخية على قبره من قِبل السلطان محمد بن يوسف بعد عودته من المنفى رضوان الله عليه في نفس هذا اليوم من سنة 1956 ، وكانت وقفة رمزية بأبعاد وطنية ودلالات قائلاً : “لقد كنا في منفانا يشهد الله نتلهف شوقاً الى أخبار مقاومة أبطالنا، فكانت هي أنيسنا في نهارنا وسمرنا في ليلنا وكان يقيننا راسخاً في تلك المقاومة، وكنا أول من حمل مشعلها لتستفحل يوماً بعد يوم حتى تستأصل جذور الباطل، وها نحن اليوم نستظل بدوحة الحرية التي غرسناها وسقاها فدائيون بزكي دمائهم.”
ولا شك أن كفاح المغاربة المسلح سنوات خمسينات القرن الماضي الأولى، شملت كل جهات البلاد عبر ما حصل من اتصال وتواصل تنظيمي كان يديره وطنيون بسبل وأساليب دقيقة ومحكمة. ما أفرز علاقات وأفكار بين أفراد خلايا هنا وهناك بين مدن وبوادي من أجل هدف واحد أوحد “الاستقلال”، ولعل ما كان عليه هذا الهدف من وضوح بين وطنيين وفدائيين هو ما جعل هذه المرحلة من زمن مغرب المقاومة وهذه الملحمة بتميز وتنظيم واشعاع وأثر.
وغني عن الاشارة ما طبع العلاقات المغربية الفرنسية زمن الحماية من توترات، اشتدت إثر عريضة مطالبة المغاربة بالاستقلال في 11 يناير 1944 وتأزمت أكثر مع خطاب طنجة بعد ثلاث سنوات، وهي التطورات التي انتهت الى عزل سلطان البلاد ونفيه في غشت 1953. ومن ثمة ما حصل من ردود فعل وكفاح وفداء استهدف المستعمِر ومصالحه ورموزه، عبر توزيع مناشير ودعوات مقاطعة وتصفية متعاونين وتفجير قنابل هنا وهناك لزعزعة الادارة الاستعمارية وادخال الرعب في جاليتها، فضلاً عما كان من أثر بليغ لعملية تفجير قطار “الدار البيضاء الجزائر عبر وجدة” بعد خروجه من نفق محطة الرباط باتجاه سلا، ولعملية قنبلة سوق مركزي بالدار البيضاء في دجنبر من السنة نفسها، وهو ما كان بخسائر بشرية كبرى أربكت سلطات الحماية. ناهيك عن محاولتي اغتيال تعرض لهما ابن عرفة (سلطان معين)، الأولى قام بها الشهيد علال بن عبد الله الجرسيفي في شتنبر من نفس السنة بالرباط، أما الثانية فتلك التي لم يكتمل هدفها بمراكش في آخر لحظة وهي التي هيئتها خلية فداء من الدار البيضاء خلال مارس من السنة الموالية. وكان ضمنها الشهيد محمد الزرقطوني.
وبتأملنا في خريطة وقائع وتطورات وتنظيم كفاح المغاربة المسلح من أجل الاستقلال، يمكن القول أن محمد الزرقطوني شكل بحق عنوان مسار خاص ومرحلة قائمة الذات تخص ملحمة وطن قبل أزيد من ستة عقود، وكانت وطنية وحماس شهيد الاستقلال هذا قد استمدت روحها من طبيعة نشأة وتنشئة فضلاً عما انفتح عليه خلال فترة طفولة من أحداث وطنية جعلته بوعي مبكر وطاقة انخراط وتعبير عبر سبل عدة ومبادرات استهدف بها توسيع قاعدة حس وطني وتعبئة شباب، في أفق ما يجب من ردود فعل ومقاومة للمستعمر. وفي علاقة بملحمة كفاح المغاربة المسلح هذا من أجل استقلال البلاد، يبقى السؤال مطروحاً ومفتوحاً معاً حول كيف بدأ العمل من أجل الفداء بالدماء ومن الذي أوحى به بهذا الأسلوب، وما الجهة التي انطلق منها وكيف تسرب بدافع الحماس الى جهات أخرى من البلاد وهل كان التنظيم من وحي تخطيط شخص أو أشخاص أم جماعة وهل ظروف البلاد الأمنية كانت تسمح بما حصل، كلها أسئلة وغيرها لا تزال بحاجة لمزيد من تأمل وبحث ودراسة وتوثيق وتدقيق من أجل حقيقة تاريخية وطنية تنويرية أهم وأفيد.
ولاشك أن الدار البيضاء كانت ببيئة مشجعة على كفاح وطني مسلح، لِما كان بها من خلايا عمل فدائي وفدائيين، كذا لِما كان بها من نشاط وتنشيط وطني قوي بين العمال منذ عدة سنوات عندما تم تأسيس حزب الاستقلال، بواسطة دروس محو الأمية بين هؤلاء وفي الأوساط الشعبية. علماً أنه وفق ما جاء في مذكرات معاصرين لوقائع وطنية وتفاعلات في ظرفية حرجة، كان عبد الرحمن اليوسفي رحمة الله أول من بدأ هذا الورش التعبوي الاجتماعي بعدما طرد من ثانوية مولاي يوسف بالرباط عام 1944 بسبب نشاطه الوطني. فضلاً عما أسهم به محمد الزرقطوني أيضاً في هذا المجال بحيث كان بفضل في تقاسم هذه المهمة بالمدينة القديمة بالدار البيضاء.
وبحسب ما هناك من بحث وتوثيق وما ترتب من وثيقة شفوية فإن ما حصل من عمل فداء خلال هذه الفترة الدقيقة والحرجة من زمن المغرب الراهن، ارتبط بالسلاح والتنظيم معاً كخيار وسياق وتطورات أقلقت المستعمر، انما بعيداً عما هو حزبي بل ومن غير أن يعرف بذلك رجالات الحزب خاصة بعد 20 غشت 1953. علماً أن ما حصل من فداء وتدبير كفاح قام على أساس جماعتين بدأ عملهما بشكل مبكر، فهل كانت هناك مساحة تنسيق بين الجماعتين أم لا؟ ليس هناك ما يثبت اللهم ما كان يجمع من صدفة وتربية ووطن ووطنية استمدت قوتها وروحها من نشأة وتنشئة وأسرة، فضلاً عن ظروف معاناة في زمن حماية كانت عامل ربط بين هاتين الجماعتين اللتين ظهرتا في ميدان الكفاح المسلح، لعلهما جماعة مراكش من جهة ومنظمة اليد السوداء بالدار البيضاء من جهة ثانية.
عن الشهيد محمد الزرقطوني رحمه الله وعن وقعه في بدأ ملحمة الفداء هذه، ورد أنه قال يوماً لعبد الكريم الخطيب في آخر سنة 1953، أن بإمكانه تجنيد فرق من مغاربة عاملين في صفوف الجيش الفرنسي والقيام بعمل عسكري للسيطرة على أطراف من مدينة الدار البيضاء. ونظرا لِما لطبيعة الفكرة من مغامرة في علاقتها بما هو أمني وتكافؤ قوة مع المستعمر، تم نصحه بالمقاومة في الجبال وهو ما دعا من أجله للقاء في منزل محمد منصور حضره محمد اوجار (بونعيلات) وعبد الله الصنهاجي. الذي أورد في مذكراته أن الزرقطوني كان بفكر تحرري، وأن أول لقاء معه كان في مقهى بدرب القريعة خلال أبريل1951. مضيفاً أن من جملة ما تم الاتفاق عليه تنظيم خلايا كفاح ومقاومة مسلحة في الدار البيضاء خاصة والمغرب عامة، انما دون اعتماد على متحزبين سياسيين يعتقدون أن الكلام كاف للتفاهم مع المستعمر.
وعن درجة حضور الحزب في تنظيمات هذه الفترة الفدائية بالمغرب، من المهم الاشارة الى أنه لما انحصر العمل السياسي الحزبي كان هناك فريقان، واحد منهما انسحب معتبراً أن الأحزاب باتت منتهية عاجزة عن مواجهة المستعمر وأن المقاومة المسلحة بديل حقيقي، وكان معظم هؤلاء من أطر متوسطة منهم البصري وابن سعيد والزرقطوني.
وبالدار البيضاء كانت هناك منظمتان فدائيتان الأولى عرفت بمنظمة “اليد السوداء”، ورد أن مدبر أمرها وتسييرها كان هو “الطاهر المحمدي السكوري”، وكان يعمل كهربائيا في شركة السكة الحديدية بالمدينة، أما الثانية فكانت بالمدينة العتيقة منها وكان يؤطرها وينظمها المدعو”اليوبي”. وأنهما معاً تكونتا بعدما تم حل حزب الاستقلال إثر أحداث دجنبر 1952، علماً أن منظمة اليد السوداء كان يطبعها ويحكمها ويؤطرها قانون ملزم لأعضائها منذ مارس 1953. وفضلاً عما كان لأسماء هؤلاء الأعضاء من رموز مشفرة من باب حيطة وحذر، فإن من جملة قانون وقناعة هذا التنظيم ضرورة الابتعاد عما هو حزبي والبحث عن السلاح استعداداً لكل طارئ. بل أعضاء هذا التنظيم الجدد كانوا يؤدون القسم واليمين على المصحف، لتنفيذ أوامر دون بوح بأي سر تنظيمي وأن كل اخلال يؤدي الى الاعدام، وكان الذي يلقي اليمين ملتحفاً من رأسه الى قدميه بثوب كي لا يتعرف عليه هؤلاء.
وورد أن تنظيم اليد السوداء بالدار البيضاء كان بحوالي ستين عضواً بعد نفي السلطان محمد بن يوسف رحمه الله، حيث تم الدخول في مرحلة تنظيم خلايا كان عددها أربعة على كل واحدة منها رئيساً هم بوجمعة العياشي وأحمد الراشدي وابراهيم بن محمد ثم عبد الحفيظ بن محمد. علما أن تنظيم اليد السوداء كان بخلايا له في كل من فاس والرباط وسلا، وقد قام بجملة عمليات فدائية قبل أن يكتشف أمره ويحال أعضاءه بعد اعتقالهم على المحكمة، وهو ما تم في يونيو 1954 من خلال أحكام تباينت بين إعدام ونفي وسجن مع أعمال شاقة.
وكانت القواعد والثكنات العسكرية مصدر سلاح الفدائيين، فحوالي ثلاثمائة علبة متفجرة بحمولة كبرى مثلاً ورد أنها اختفت من قاعدة النواصر الأمريكية بالدار البيضاء يناير 1954، علما أنها كانت في مكان بحراسة شديدة وجنود مسلحين وكلاب مدربة كذا داخل صناديق حديدية مقفلة ومن حجم كبير، نفس الشيء ما كان يحصل بمواقع عسكرية فرنسية بخصوص اختفاء قنابل، وفي اطار سبل توفير سلاح الفدائيين ورد أيضاً أن فدائيا بالدار البيضاء تسلل الى متجر سلاح واستولى على عدد منه، هكذا تعددت أساليب توفير ذخيرة الفدائيين الذين كانوا يعمدون لتخزينها في أماكن آمنة.
وكان الزرقطوني رحمه الله الذي اشتغل لفترة بائعاً للثوب ثم في النجارة، قد انضم لأول خلية فداء في أبريل 1951، تلك التي جمعت كلاً من الحسين برادة ولحسن المختار العرائشي وسليمان رضا العرائشي والتهامي نعمان. بحيث عمل كل واحد من هؤلاء الخمسة على تكوين تنظيمات تابعة لهم، مع أهمية الاشارة الى أن الزرقطوني كان أول أفراد هذه الخلية الأصل، والذي توفرت لديه ثلاث مسدسات حصل عليها من مرسى المدينة. وقد تكلف الزرقطوني بمجموعة ضمت كلاً من البشير شعاجدين وسعيد ولد الحاج وامبارك الورداني وبوشعيب رغيب وسعيد المانوزي والحاج المرضي الهبطي، المجموعة التي كانت بدور هام في ضرب مصالح ومواقع عدة للمستعمر.
وحول علاقة الزرقطوني بالعمل الحزبي ورد أنه انفتح على ما هو وطني وتعرف على ما كان قائما من تطورات سياسية عبر خلايا حزب الاستقلال، بل انتدب لمراقبة تنظيمات سرية بالدار البيضاء حتى لا تزيغ عن تعليمات الحزب، وأنه من أجل هذه المهمة زار عدداً من المدن المغربية. وبعد ما حصل من فتك بحوالي ألفي مواطن مغربي في أحداث أبريل 1947 من طرف كتيبة سينغالية أمام أعين القوات الفرنسية، قرر انشاء خلايا مسلحة. وفي شهادة مقاومين كانوا بعلاقة ورد أنه كان عضوا نشيطاً في حزب الاستقلال ومنشطا لجماعة تابعة بالمدينة القديمة بالدار البيضاء. فضلاً عما كان له من دور تأطيري من خلال لجنة تزيين خاصة بالاحتفالات الوطنية والدينية، تلك التي أسست الكشفية الحسنية من أجل استقطاب أكثر ونشر للوعي الوطني. وهي التي كان فيها الزرقطوني قياديا منذ 1947. علما أن حزب الاستقلال كان بانقسام حول مسألة العمل الفدائي، وهي نتيجة حزب بقاعدة واسعة وفكر انتقائي وقيادة غير منسجمة، وكان أمراً طبيعياً حدوث هذا اضطراب كهذا في ظرفية صعبة عاشتها البلاد في الفترة ما بين 1950- 1955.
وجدير بالاشارة في هذا السياق الى أنه بعد استشهاد الزرقطوني في 18 يونيو 1954، ولما بلغ الخبر القاهرة كان الكل يسأل عنه بما في ذلك جماعة علال الفاسي، بحيث قيل عنه أنه جبلي ثم حياني وآخر قال أنه بيضاوي، قيل هذا في مجلس ضم علال الفاسي وأعضاء المكتب عشية إعداد النشرة التي ورد فيها خبر استشهاده، بحيث لم يتم التعرف عليه بما يكفي إلا من خلال ما أورد عنه ابراهيم الفردوس ثم محمد الدحوس. ومن هنا يتبن أن تنظيم الدار البيضاء الفدائي السري كان ابن وقته ولا علاقة له بزعامة الحزب ولجنته التنفيذية، علما أن كلاً من حزب الاستقلال وسلطان البلاد كانا ضد استعمال القوة والعنف وهو ما نشرته جريدة الأمة خلال مارس 1954. مع أهمية الاشارة أيضاً الى أن كل المقاومين انبثقوا من صفوف هذا الحزب وإن لم تكن له سلطة على أية جماعة وتنظيم، بل من شروط منظمة اليد السوداء بالدار البيضاء كان عدم الانتماء لأي عمل حزبي.
وورد أن الزرقطوني رحمه الله كان يحمل إسما مستعاراً هو”البشير”، وأنه كان يرى في العمل المسلح حلاً وحيداً لمواجهة المستعمر واتباعه، وقد تمكن من جمع شمل جماعة من الوطنيين بالدار البيضاء تحديداً بدرب القريعة. وحصل أن تم إلقاء القبض عليه في عرباوة لما كان متجها الى الشمال رفقة سليمان العرائشي، وتم نقلهما الى سجن الرباط وقد عذبا عذاباً شديداً لمدة عشرة أيام، ومع ذلك لم يتم التعرف على هويتهما علما أن الزرقطوني كان متابعاً منذ سنة 1952، حيث اطلق سراحهما وعادا الى الدار البيضاء.
وبمناسبة رأس السنة الميلادية لسنة 1954 اقترح الزرقطوني على مجموعته قبل أكثر من شهر تفجير ثلاث قنابل رداً على مستعمر مس كرامة المغاربة بنفي ملك البلاد في عيد الأضحى، وكان ذلك هو ما انفجر في السوق المركزي والثانية في مركز بريد والثالثة في مركز بريد آخر، وإذا كانت القنبلة الثانية والثالثة لم تنفجر فإن الأولى خلفت خسائر كبيرة. وعندما عزمت فرنسا تنصيب محمد بن عرفة توجه الزرقطوني رفقة عبد الله الصنهاجي والحسن العرائشي الى مراكش، حيث تم وضع متفجرات في مسجد الكتبية الذي كان سيأتي اليه ابن عرفة والكًلاوي قبل صدور أمر بإلغاء ذلك. بل من جملة ما حدث إثر هذه الرحلة بحسب مذكرات، قرار الزرقطوني قتل العرائشي لولا تدخل الصنهاجي لكونه أفشى السر في مراكش وعليه اختار العرائشي اللجوء الى الشمال.
وحول آخر لقاء بين الزرقطوني وعبد الله الصنهاجي أورد هذا الأخير في مذكراته :” في يوم السبت 14 يناير 1954..ودعت رفيقي محمد الزرقطوني وفي لحظة الفراق هذه سألني هل سنلتقي؟ إني لا أدري أنلتقي أم لا بعد هذا اليوم ؟ كان هذا آخر كلام سمعته من هذا الشهيد البطل، وكأنه كان يتوقع أن بقدم نفسه فداء لهذا الوطن ولأسرار المقاومة.”
وكان قد ألقي القبض على الشهيد محمد الزرقطوني في 18 يونيو 1954 من قِبل الأمن الفرنسي بالدار البيضاء، وخوفاً منه على أسرار تنظيم ومقاومة وتأميناً منه لمسار كفاح وفداء ابتلع قرصاً من أقراص سم حصل عليه سِراً رحمه الله. وكان قد ذكر لمجموعة فدائية تابعة له، أنه إذا ألقي عليه القبض فإن الفرنسيين لن يأخذوا معهم سوى جثة لا غير.
يبقى قول الله تعالي: “منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِر وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” صدق الله العظيم، ومن جملة ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا السياق أن المرء حي مادام يذكر إن بالخير أو بغيره، ولن يذكر محمد الزرقطوني شهيد وطن وعباد على مر أجيال بلادٍ إلا بما هو خير، ذلك الذي طبَع خلقه وميز عمله الوطني رحمه الله.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث