رسبريس – وكالات
رغبتها في تحدي شبح البطالة، وتحصيل مورد دخل قار بعد فقدان الأسرة لمعيلها، دفعا لمياء علوسي، الشابة ذات الخمسة وعشرين ربيعا، إلى اقتحام مجال عمل ظل حكرا على الرجال، بل والابتكار فيه، بعدما اختارت إحداث ورشة متنقلة لغسل السيارات بمدينة المحمدية.
الطريق لم تكن في البداية مفروشة بالورود بل تخللتها صعوبات وتحديات جمة، وعلى رأسها ضرورة توفير الإمكانات المادية، والعمل على الظهور بمظهر لائق حتى يتقبلها المجتمع.
فاقتحام مهنة غسيل السيارات ليس بالشيء الهين كما يعتقد البعض، إذ أنها تستدعي من الجنسين، على حد سواء، التحلي بقوة العزيمة والإرادة والتحمل لضمان الاستمرارية.
وهو رهان صعب في مهنة مثل غسل السيارات عن طريق ورشات متنقلة، والتي تعكس التحولات التي بات يشهدها النسيج السوسيو_ اقتصادي الوطني، وهي التحولات التي جعلت العديد من المهن الصاعدة، التي لم تكن معروفة من قبل، تطفو إلى السطح.
ومع تنامي أعداد مثل هذه الورشات المتنقلة إلى جانب المحلات القارة لغسل السيارات، عرف هذا القطاع تطورا كبيرا بفضل انخراط المهنيين في اعتماد تقنيات مستحدثة غايتها تجديد وسائل العمل وتجنب الاستعمال الوفير للمياه، خاصة وأن تنظيف السيارة الواحد قد يكلف – حسب تقديرات المهنيين – ما بين 100 و150 لترا من هذه المادة الحيوية.
ومن بين هذه التقنيات، الغسل بالبخار أو ببعض مواد التنظيف المختارة، بشكل يعيد للسيارة نظارتها ورونقها ويكسبها مظهرا جذابا، دون حاجة لاستخدام مياه كثيرة.
ومن اللافت اليوم، أن لمياء، ليست الوحيدة في الميدان، فقد أصبحت هذه المهنة الجديدة تستقطب فتيات من أعمار مختلفة، في تحد كبير منهن، بعدما اخترن مهنة تتطلب الكثير من الصبر والجهد البدني، والمواكبة المتواصلة لموجة التحولات التي يعيشها القطاع.
وللنجاح في هذا التحدي كان على لمياء، التي تعكس بتجربتها حالة العديد من الشباب الذين آثروا اليوم الانخراط في مشاريع صغرى مدرة للدخل للخلاص من قبضة البطالة، أن تصقل خبراتها عبر الاحتكاك الميداني بعدد من الممارسين بين مدينتي الدار البيضاء والمحمدية، ومن خلال الاطلاع المكثف على آخر المستجدات والتجارب التي تتداولها الشبكة العنكبوتية عبر صفحاتها المهتمة بالموضوع.
وعن تجربتها الشخصية في هذا المشوار المهني التي تقارب السنة، أوضحت هذه الشابة، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنها اعتمدت في تحقيق حلمها على دعم محيطها العائلي الذي مكنها من توفير حاجيات مشروعها (دراجة نارية ثلاثية العجلات، صهريج ماء بسعة 300 لتر، عمود بأنبوب لرش المياه، شفاطة للغبار والأتربة، مولد كهربائي)، وأدوات ومواد أخرى للعناية بالمظهرين الداخلي والخارجي للسيارة.
وبالرغم من قلة فترة التحاقها بهذا الميدان، ترى أنها استطاعت في ظرف وجيز تأكيد حضورها على مستوى مدينة المحمدية والضواحي، معتمدة في ذلك على حسن التعامل مع الزبناء، والتفاني في تأدية مهمتها بكل إتقان، وبأثمنة تراها جد مناسبة، فضلا عن احترامها للآجال، متحدية الضغط الكبير التي قد تشهده طرق مدينة الزهور خاصة في أوقات الذروة.
ودون كلل أو تعب، تجوب لمياء يوميا شوارع المدينة وطرقاتها، ممتطية دراجتها ثلاثية العجلات، مستعينة بهاتفها النقال، لتلبية طلبات من هم في حاجة لخدماتها المتنوعة، التي انتقلت من غسل السيارات في البداية، لتتوسع فيما بعد إلى العناية بالسجادات والزرابي والأغطية، بل وحتى الواجهات الزجاجية للمحلات التجارية وأسطح شمسياتها.
ولتنويع زبنائها وتطوير مشروعها، لجأت إلى مجموعة من أدوات التواصل، من بينها اللوحات الإشهارية الملصقة بجنبات دراجتها النارية، وتوزيع بطاقات الزيارة في تواصل مباشر مع العاملين بالوحدات الإنتاجية والخدماتية ومواقف ومرائب السيارات، ومع الحراس والمشرفين على الإقامات السكنية.
وقد تمكنت هذه الشابة الطموحة، حسب شهادات لعدد من زبنائها، بسرعة من كسب ثقة المتعاملين معها، خاصة من النساء، ومن تغيير نظرة المجتمع اليها، رغم كونها دخلت مجالا يعد بعيدا عن اهتمام بنات جلدها.
فحسن تعاملها وعدم ادخارها لأدنى جهد في الاستجابة لرغبات الزبائن في تحد لضعف بنيتها ونحافة جسمها، وانكبابها على أدق التفاصيل من أجل الخروج بنتائج جيدة في مهمتها التي تؤديها بحب وشغف، كلها عوامل ساهمت في إنجاح تجربتها وكسبها مودة وتعاطف الجميع.
والجميل في مثل هذه المهن الصاعدة التي بدأت تستقطب الكثير من الشباب، بما في ذلك الورشات المتنقلة لإعداد القهوة أو تحضير الفطائر والوجبات السريعة، أنها استطاعت أن تجذب إليها شبابا من اللاجئين الأفارقة الذين نزحوا للمغرب، هروبا إما من ويلات الحروب الأهلية أو ضيق الحيلة جراء الأزمة الاقتصادية التي تضرب العديد من الدول الفقيرة.