– بقلم محمد رضا برايم –
لا أحد يجادل في الطابع الكوني وغير القابل للتجزئة لحقوق الإنسان، غير أن بعض الممارسات النابعة من بلدان تدعي أنها ديمقراطية، غالبا ما تخون هذه “الحقيقة الكونية”، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع القضايا المتعلقة بالهجرة غير الشرعية.
وتعد إسبانيا مثالا بارزا في هذا الصدد، ذلك أن هذه الدولة الإيبيرية، التي تحب وضع نفسها في موقع من يعطي الدروس في مجال حقوق الإنسان، لا تتردد في إساءة معاملة المهاجرين، بغض النظر عن ظروفهم ووضعهم سواء تعلق الأمر بالنساء أو المرضى بل وبالأطفال أيضا.
وفي هذا الإطار، تبرز الصور ومقاطع الفيديو التي التقطها المواطن الصحفي خلال الأيام الأخيرة على الحدود مع سبتة المحتلة، صادمة بكل المقاييس، حيث لم تتوان قوات حفظ النظام في استخدام كل إمكانية بشكل غير متناسب في التعامل مع هذه القضية دون تمييز بين الشباب أو النساء أو الأطفال. إنها تطال الجميع، مغاربة وأفارقة….
وفي هذا الصدد، أوضح رجل القانون والخبير في مجال حقوق الإنسان، نوفل البعمري، أن إسبانيا بلغت في انتهاكاتها حد استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وكأنها في حالة حرب ضد مهاجرين، غير مسلحين حتى، منتقدا ما وصفه بـ”المشاهد المريعة” جراء استخدام الهراوات والعنف المادي والمعنوي الذي يمس بشكل خطير بالكرامة الإنسانية للمهاجرين.
وأبرز المحامي البعمري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الممارسات المدانة تسائل بشدة مدريد ومعها الاتحاد الأوروبي بأسره الذي يتوجب عليه مبدئيا الضغط على إسبانيا لاحترام حقوق المهاجرين، لاسيما الأطفال والقاصرين، الذين تنبغي حمايتهم وفقا لاتفاقية حقوق الطفل الدولية.
ووفقا للعديد من وسائل الإعلام، فقد استغل المهاجرون تدني مستوى الحراسة من قبل السلطات الإسبانية “لأسباب لا تزال مجهولة” في الحدود مع سبتة المحتلة، للقيام بهجرة محفوفة بالمخاطر رغم الجهود الجبارة التي تقوم بها السلطات المغربية.
واتجهت بعض وسائل الإعلام، نقلا عن مصادر مطلعة في سبتة، إلى اتهام الشرطة الإسبانية بالتواطؤ في هذه الهجرة الجماعية، موضحة أن بعض الأطراف في إسبانيا “تلعب بالنار”، وأن حرس الحدود الإسبان انسحبوا، قبل العودة ليتدخلوا بعنف ضد المهاجرين، واضعين الأطفال في ظروف لا إنسانية في مستودعات تستخدم في مجال تهريب البضائع التي تغرق السوق المغربية لصالح التجار الإسبان وتنعش الثغر المغربي المحتل.
وأدان البعمري بشدة هذه الممارسات الوحشية لإسبانيا، “الدولة التي يجب أن تحترم حقوق الإنسان وتدبر أزمة الهجرة في احترام تام للاتفاقيات الدولية المتعلقة بقضية الهجرة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالقاصرين”.
ولتبرير ما لا يمكن تبريره، والحصول على موافقة الرأي العام في إسبانيا وأوروبا والعالم، وفي إطار عملية الضغط على المغرب، لجأت السلطات الإيبيرية إلى سلاحها المفضل المتمثل في التضليل ونشر معلومات وهمية.
كما أن العديد من الصور ومقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي قديمة ولا علاقة لها بالواقع، بل هي محاولة من طرف إسبانيا لتشويه الواقع، سواء من خلال الصور أو من خلال أو تحليلات لخبراء تنشر صحف تابعة في معظمها لحزب “فوكس” اليميني المتطرف، الذي لا يفوت أي فرصة للتعبير عن عدائه للجار الجنوبي.
وانتقد الحقوقي شروع إسبانيا في حملة إعلامية معادية للمغرب في انتهاك صارخ لمبدأ استقلال وسائل الإعلام ومصداقيتها،وذلك على سبيل المثال من خلال تقديم صور تتعلق بأحداث في بلد آخر على أنها أحداث لأطفال مغاربة قبالة سبتة.
وتأتي هذه الانتهاكات الإسبانية لحقوق الأطفال والمهاجرين بشكل عام في وضح النهار وفي صمت شديد، أو أقل ما يقال عنه متواطئ، من طرف المدافعين عن حقوق الإنسان وعلى رأسهم المنظمات غير الحكومية، مثل منظمة العفو الدولية أو هيومن رايتس ووتش، التي تنتقد المغرب بشدة، رغم كون المملكة بلدا يتم تقديمه حتى الآن كنموذج رائد في مجال حقوق الإنسان وتدبير قضايا الهجرة.
كما تسائل هذه الممارسات الممنهجة من طرف السلطات الإسبانية المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، التي لم تتفاعل بعد، بالضغط على حكومة بيدرو سانشيز لضمان الحماية القانونية للمهاجرين، الأمر الذي يكشف فراغ الشعارات التي ترفعها هذه المنظمات، على حد قول البعمري.
وحسب المتحدث، فإن هذه المنظمات غير الحكومية تحولت إلى سلاح يستهدف دولا معينة من أجل إخضاعها لخدمة أجندة يمين أوروبي متطرف لا يزال عاجزا عن التخلص من أيديولوجياته الاستعمارية.
إن سياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها مدريد تستحق الشجب، كما أنها تتناقض مع سياسة المغرب الواضحة والمتكاملة بشأن تدبير الهجرة، وهي السياسة التي تعتبر مسؤولة وحكيمة.
كما أن المملكة المغربية، التي تنتهج استراتيجية تتسم بإحساس عال بالإنسانية في هذا المجال، كانت منخرطة منذ عدة سنوات في تدبير قضية الهجرة وفق مقاربة تضمن حماية حقوق المهاجرين وتحفظ كرامتهم، في رفض تام لحصر التعامل مع هذه الظاهرة الطبيعية وفق مقاربة أمنية فقط.
ونتيجة لذلك، فإن المملكة ليست في حاجة لدروس من أحد، على العكس من ذلك، فهي تقدم أفكارا في هذا الاتجاه. حيث إن المغرب، الذي يعتبر الرائد الإفريقي في مجال الهجرة، والذي يحتضن المرصد الإفريقي للهجرة، يعد شريكا رئيسيا في مجال الأمن الإقليمي، ويبذل جهودا جبارة لتعزيز الرقابة على حدوده ومكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وشبكات التهريب.
وبالنسبة للمغرب، تظل إدارة تدفقات الهجرة مسؤولية مشتركة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. كما أن لعب دور الدركي بالنسبة لأوروبا ليس في قائمة مشاريعه ولا في استراتيجيته.
من جهة أخرى، أتاحت هذه الأزمة الإسبانية المغربية فرصة لاكتشاف الوجه الحقيقي لإسبانيا، وجه بلد تحكمه طبقة ذات أهداف استعمارية، والتي ترغب في إحياء حقبة بائدة عبر تغذية حلم تعذر الوصول إليه في الماضي ضد بلد فخور وذي سيادة يتوفر على تاريخ وحضارة عريقين.
وجديمنذ 4 سنوات
انا كمواطن مغربي ابن مدينة الألفية
منذ زمان اعتبر ان النظام الجزائري والنظام الإسباني هم أكبر أعداء المغرب
يجب على الدولة المغربية ان تغير سياستها وثقتها مع جيران السوء