عبد السلام انويكًة
كل تدبير دون أسس مرجعية ومبادئ، ليس سوى نزعات اعتباطية تصيب مرة وتخطئ مرات. بل ما يسجل من فشل نشاط وورش وبادرة قد يكون نتاج جهل تدبير ومدبر بذلك وكذا بما انتهت إليه دراسات ذات صلة، وعليه ما يجعل تحقيق كل نتيجة وأثر أمر رهين بتطوير فعل التدبير. الذي بقدر ما هو نشاط يقوم على إتمام أعمال عبر آخرين بقدر ما يتأسس على عمل تخطيط يتم فيه تحديد أهداف مع إقرار إجراء ووضع برامج وتنظيم وتصميم..، فضلا عما ينبغي من توجيه بما يقتضيه من تحفيز، دون نسيان افتحاص مؤكد لتناسب كل تنفيذ بمنشود، من خلال قياسات ومعرفة انحرافات وتحديد أسباب وكذا تصحيح وضعيات لكي يكون هادفاً مقنعاً.
هكذا في زمن رقمي وتدفق معارف وحديث عن تجويد وجودة..، بات من الاستراتيجي العمل من أجل نتائج ملموسة رافعة مساهمة في حل مشكلات عبر وضعيات. ولعل النتائج هي ما هو تغيير قابل لقياس ووصف، باعتباره نتاج تنزيل أنشطة ما وفق مراحل ما. ولا شك أن التدبير بالنتائج أو المتمحور حول النتائج، سبيل إداري يروم ما يجب من فاعلية وكفاية أداء من خلال تحديد متوقع منها، بناء على أهداف واقعية قابلة للتحقق في حدود إمكان متوفر، ومن خلال مدخلات وأنشطة ومخرجات، ناهيك عما هو بيئة محيطة بمثابة مكون إضافي مؤثر يصعب القفز عليه. والتدبير بالنتائج هو ايضا أسلوب عمل أبان عن نجاعته في مجالات عدة منذ عقود بدول الشمال. بقدر ما هو عليه من تقاطع مع نماذج مجاورة وقد أحيطت باهتمام معبر في الوسط التربوي بالمغرب منذ حوالي العقدين من الزمن، بقدر ما يبقى بنوع من التميز لفاعليته ودقته وحصيلته وما يعتمده من مساطر ذات صدقية عبر عمل تتبع وانجاز مهام وقراءة نتائج بناء على معايير ومؤشرات. وكان من دوافع اعتماد التدبير بالنتائج، ما سجل من قِبل باحثين وفاعلين ومسؤولين من هشاشة ذات طبيعة انتاجية وضعف مداخيل وغيرها. فضلاً عما بات من حاجة متزايدة لخدمات أساسية تجمع بين نجاعة صحة وتعليم وسكن وبنيات تحتية وغيرها، إضافة لِما حصل من اتساع رأي ونقد وتتبع لجميع ما هو عام في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة وتقديم الحساب. وإلى جانب ما طبع فعل التدبير العمومي من تحولات وصعاب كانت بأثر في تعقيد الأمور، عمق ترابط المؤسسات ومن خلالها العلاقات بين الدول من سؤال النتائج، ناهيك عما سجل من غنى قانوني وسعة وعي مجتمع وتحولات سياسية وثقافية واقتصادية، وكذا ما أفرزته عولمة سوق وانتاج وموارد.. دفعت بمزيد من التركيز على ما هو فعل وممارسة وإنجاز.
والتدبير بالنتائج كمسار وخيار ورهان وورش، يمكن الحديث فيه عن فترات باهتمامات متباينة طبعته منذ سبعينات القرن الماضي، بحيث الى غاية ثمانينات هذا الأخير كان هناك تدبير بالأهداف في علاقته بترشيد اختيارات ميزناتية مالية، قبل الانتقال خلال التسعينات للحديث عن تجويد وجودة وعن تدبير بنتائج بات مقاربة متبناة من قبل التعاون الدولي. مع أهمية الاشارة هنا لِما ارتبط بهذا الأسلوب في التدبير مع بداية الألفية الثالثة، من حدث عرف بقمة الألفية التي حضرتها حوالي مائتي دولة عضو بمنظمة الأمم المتحدة، اتفقت على إنعاش نماء أكثر فاعلية واستدامة. إضافة لِما تم تداوله في مؤتمر منتيري بالمكسيك وما طرح في مائدة واشنطن المستديرة 2002، فضلاً عما عقد هنا وهناك من لقاءات استهدفت النتائج في مجال التنمية، ومنها لقاء مراكش وما تضمنه من ثقافة التزام بإنعاش تشارك دولي في أفق توسيع وعاء التدبير بالنتائج. هذا قبل ما سيعرف في الأوساط المعنية بالتعاون من أجل التنمية بإعلان باريس، الذي تقاسمته جملة مبادئ تم تبنيها وقد جمعت بين تعميم عمل تنزيل ثقافة التدبير بالنتائج، وبين تحمل مشترك للمسؤولية حولها. فضلا عما خلص إليه حول ربط أداء المساعدات الدولية بدرجة الانتقال لتدبير بالنتائج أو المتمحور حول النتائج، ما بات رهيناً بتقوية القدرات الذي أقرته مائدة مستديرة عقدت في هانوي 2007.
وفي علاقة بهذا الإطار الدولي والرؤية تجاه عمل التدبير بالنتائج، جدير بالإشارة الى أن المغرب شارك في جميع اللقاءات الدولية حول قضايا التنمية ذات الصلة. بل التزم بتوطين هذا الأسلوب في التدبير منذ بداية الألفية الثالثة وفق دورية للوزير الأول آنذاك خلال دجنبر 2001، فضلاً عن إقدامه على إرساء قواعد معنوية ومادية لمجتمع برهان حداثة ودمقرطة ذات طبيعة استشرافية. مع انتقاله لإجراءات استهدفت تحقيق اندماج من أجل بيئة منسجمة رافعة لهذا التحول، منها ما حصل من مقاربة ميزانياتية (مالية) مبنية على مساءلة مدبرين ودرجة التزاماتهم بما هو نتائج، عبر برمجة لعدة سنوات مع شمولية اعتمادات وتعاقد مثلما جاء في قانون مالية 2007. وكان المغرب خلال السنوات الأخيرة على إيقاع رهان تحديث إداري جاء في سياق إصلاحات دستورية وما فرضته مستجدات سياسية واقتصادية واجتماعية، لخلق تدبير مؤسس على حكامة وتقاسم لأدوار ومسؤوليات ومهام بين فاعلين عموميين، في أفق القطيعة مع كل مقاربة تقليدية تخص تدبير الشأن العام والتي تفتقده ما ينبغي من رؤية واضحة. وعليه، بادر لتأسيس حكامة جيدة في مجال التدبير باعتماد مقاربة بالنتائج، مع وضع إدارة هادفة في مقدمة ما يجب أن تسعى لتحقيقه سياسات إدارية من غايات، لإحلال روابط ثقة بين الادارة والمواطن ولإرساء علاقات جديدة مع قطاع خاص في أفق شروط مناسبة لمقاولة مغربية وأجنبية أكثر إسهاما في التنمية.
ووعيا منه بأهمية تحديث منظومة تدبيره العمومي وعقلنته، انخرط المغرب في تفعيل إدارة تأخذ بعين الاعتبار النتائج أساساً، سعياً منه لتطوير وترشيد أساليب تدبير اداري ومالي مع انتقال من ثقافة تدبير تقليدية تقوم على وسائل إلى ثقافة أكثر استحضاراً لنتائج وتغيرات وانجازات ملموسة، وكذا المساهمة في دعم أسس حكامة ادارية مؤسسة على تعاقد ومسؤولية وشفافية. وفي إطار مواجهته لعولمة الاقتصاد وفي أفق تحسينه لظروف حياة المواطنين واستفادته من مساعدات خارجية، أطلق المغرب منذ تسعينات القرن الماضي سلسلة اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية باعتماد أساليب تدبير حديثة، منها اصلاح نظام التربية والتكوين عبر ميثاق وطني، وكذا إرساء لامركزية/لاتمركز فضلا عن برنامج استعجالي ورؤية استراتيجية ثم اصلاح ميزانياتي. وقد اعتبر المغرب نموذجا للإصلاح في العالم العربي بحسبب تقارير دولية، لكونه اختار بنفسه تبني رزنامة إصلاحات محدداً استفادته من اعانات خارجية كهدف له، فضلاً عما ورد حول كون ما حصل من اصلاحات لم تفرض عليه من أية جهة أجنبية. ويسجل أن مجهودات المبادرة المغربية في مجال التعاون الخارجي لم تستهدف انطلاق عملية الإصلاحات في البلاد، بقدر ما استهدفت مساندة وتشجيع برنامج اصلاحي بادر اليه المغرب، ولعل من الاصلاحات التي أثارت الانتباه، نجد نظام التربية والتكوين والاصلاح الميزانياتي. وفي هذا الإطار كان تقرير اليونسكو حول مشروع التتبع المستمر للتربية للجميع على هامش مؤتمر داكار في أبريل 2000، قد أشار إلى أن المغرب هو بعجز في مجال التربية الأساسية مع ضرورة تدخل مستعجل لمحاربة الفقر والأمية وعدم تعميم التمدرس، وهو ما كان على وعي به ويستعد لمواجهته بدليل رسالة ملكية حول التربية في 2 فبراير 1999.
هكذا جاء الميثاق الوطني للتربية والتكوين بجزأين متكاملين، الأول منهما مبينا لمبادئ رئيسية تخص نظام التعليم والتكوين وغاياته الكبرى وحقوق وواجبات مختلف الشركاء والتعبئة الوطنية اللازمة لإنجاح الإصلاح، وأما الثاني فقد جمع ستة مجالات للتجديد شملت تسعة عشرة دعامة للتغيير. وجاء إرساء لا مركزية ولا تمركز من خلال القانون 00-07 في 19 مايو 2000 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، كمؤسسات ذات شخصية معنوية واستقلالية مالية خاضعة لوصاية الدولة ومراقبة ماليتها المطبقة على المؤسسات العمومية بمقتضى تشريعات جاري بها العمل. فضلاً عما ارتبط بمرسوم 376.02.2 في 17 يوليوز 2002 المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بالمؤسسات التعليمية، وبإحداث مجالس تدبير على مستوى كل مؤسسة وإناطة المسؤولية بالأساتذة والآباء. وإذا كانت الميزانية الموضوعة رهن إشارة الحكومة هي الأداة الأكثر أهمية من اجل تحقيق الأهداف والنتائج التنموية المنشودة في البلاد، وأنها تشكل ترجمة لتوجهاتها وسياستها الاقتصادية والاجتماعية وأولوياتها، وللمجهود المالي الذي يبذل لتنفيذ سياسات قطاعية كما بالنسبة الشأن التربوي التعليمي. فإن هدف الإصلاح الميزانياتي هو استجابة لجملة حاجيات، لعل منها احترام التوازنات المالية وإرساء الشفافية وترشيد النفقات العمومية، وكذا البحث عما ينبغي من فعالية ونجاعة ادارية مع ملائمة مسلسل تدبير الميزانية مع إطار لا تركيز، فضلاً عما هناك من سياق دولي ووطني ذو صلة.
ومن هنا أولا سؤال مقاربة المغرب الجديدة للميزانية التي استهدفت تعويض منطق الوسائل بمنطق النتائج، علماً أن الأول هو ما كان معتمداً سابقاً بينما الثاني فهو المنشود. ثم ثانياً سؤال مضمون الإصلاح الميزانياتي الذي جاء مصمماً بطريقة مترابطة وشاملة وفق ثلاثة أبواب كما يلي، إعادة هيكلة الميزانية واعتماد تصنيفة جديدة لها على أساس برامج (شمولية اعتمادات وتحديد اهداف ونتائج ومؤشرات) جندرتها (بحسب فترات وسير عمل ونتائج..) فضلاً عن التعاقد، وضع إطار لنفقات متوسط المدى، ثم اصلاح شامل لمراقبة نفقات عمومية من خلال تخفيف المراقبة القبلية على الالتزام بها. وذلك من أجل تكييفها تبعاً لنضج مراقبة داخلية ودعم قدرات تدبير، كذا تعزيز المساعدة الاستشارية للآمرين بالصرف من قِبل وزارة المالية وانشاء مراقبة مصاحبة، وتوحيد وتسهيل إجراءات تنفيذ النفقات وإرساء تدبير مندمج لها وتنمية افتحاص الأداء. وفي علاقة بأسلوب التدبير بالنتائج وفهماً لمبادئه ومفاهيمه، من المفيد استعمال مفاهيم أساسية ومصطلحات وأدوات تخصه، وبناء سلسلة نتائج واختيار مؤشرات المردودية وتعريف المخاطر وتقييمها واتخاذ تدابير للحد منها، مع تعميق مفهوم تقديم الحساب وخلق إطار للتتبع وللمردودية. ولعل من أسس هذا التدبير هناك أولاً مسؤولية ضمان مناخ عمل يكون فيه البحث عن نتائج وعن عمل مشترك محدد بوضوح، ثانياً شفافية تقوم على تقاسم أفضل للمعلومة وتوثيق أحسن للقرارات، فضلاً عن شراكة تنبني على تعاون مع متدخلين عبر ما ينبغي من توافق. مع أهمية الإشارة من أجل تنزيل مفيد للتدبير بالنتائج، لِما هناك من أهمية للتبسيط لتسهيل عملية الأجرأة، ومن قيمة تعلم ميداني عبر الانجاز وإعادته لتصحيح المشاريع والبرامج والمخططات، ضمن سيرورية ومسار اتقان متدرج في أفق تعميم التطبيق إذا سمح الأمر بذلك.
وإذا كان فعل التدبير عمل متباين في مجالاته، فإن المتمحور منه حول النتائج والمرتبط بشأن التربية والتكوين يقوم على مرجعية تروم ابراز دور التدبير التربوي في إرساء أسس هذا الرهان وتشخيص وضعيات المؤسسات. ولعل هذا الأسلوب في التدبير هو مقاربة ضمن مقاربات وكفايات استراتيجية مطلوب توفرها لدى المدبرين لتحسين كل حكامة، وفق ما ورد في المكون الثالث من مكونات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي يهم تنمية الموارد البشرية. ونذكر من هذه الكفايات التدبير الاستراتيجي، التغيير، الجودة والابداع في حل المشكلات، التدبير بالنتائج، استغلال التكنولوجيات والتواصل، التشارك وتنمية الطاقات البشرية والشراكات. وبحسب برنامج الأمم المتحدة فالتدبير بالنتائج مقاربة تحرص مؤسسة ما عبرها على تعبئة وسائلها ومواردها لتحقيق نتائج واضحة، وهو أيضاً أسلوب تدبير يعتمد على نتيجة استراتيجية ترتبط بمجموعة نتائج وسطية وتوحد بين جميع النتائج، مع تركيز على مدى تحققها بأقل أخطاء ممكنة ضمن وقت محدد في عملية التنزيل والإنجاز. فضلاً عن كون هذا الأسلوب هو أيضاً مقاربة تروم بلوغ شفافية أوسع وأهم وتحميل المسؤولية بواسطة تقديم الحساب على المردودية. تدبير أيضا يهدف لتحقيق نتائج قابلة للقياس والوصف، انطلاقاً من تعبئة موارد لتنفيذ أنشطة ما تنفيذاً فعلياً. فضلا عن مساءلته للمنجز من الأنشطة كنمط تدبير يولي أهمية خاصة للمؤشرات على اختلافها نوعاً وكماً. وبقدر ما هناك من مبادئ أساسية تخص هذا الأسلوب، والتي تجمع بين المسؤولية والشفافية والشراكة والبساطة والتعلم الميداني والتعميم والتطبيق، بقدر ما هناك من خصائص ومفاهيم ذات صلة تبدأ بشجرة نتائج مرورا بإطار منطقي وجدول زمني، لأنشطة وفعالية ونجاعة وتدبير لمخاطر انتهاء بما هو تعاقد. وإذا كان التدبير بالنتائج هو تحمل لمسؤولية وتقديم لحساب، فهو يقوم على بعدين معلن يتوجب فيه تقديم مردودية ما وقيام بدور منوط، وآخر ضمني يجعل كل واحد مسؤول على نجاح الآخر ضمن مفهوم عمل فريق. علماً أن إسناد مسؤولية ما هو التزام بتقديم حساب، للإجابة على ممارسة مسؤولية أنيطت بشخص عليه تحمل مسؤولية أعماله، علما أن التدبير بالنتائج يرتكز على مسؤولية تخص جميع أفراد الإدارة وكل مستوياتها كشرط للنجاح.
وباعتباره تقريراً مسبقاً لِما تروم الادارة تحقيقه بعد تحديدها لكيفيته وزمنه وأطرافه وكلفته، يعد التخطيط الاستراتيجي من جملة ما يتأسس عليه التدبير بالنتائج، كعملية مهيكلة متناسقة تسمح بتشخيص وضعية ما وطبيعة عمل من شأنه تحسينها كتفكير واستبطان استباقي لتغييرات. من خلال إبراز ما هناك من تهديدات وفرص من جهة، ومن نقاط ضعف وقوة إدارة من جهة أخرى، فضلا عن تحديد أهداف ونتائج ومؤشرات قياس تسمح بارتقاء الإدارة. والتخطيط الاستراتيجي أيضاً هو صياغة استراتيجيات لانتهاز فرص ونقاط قوة وتخفيف مخاطر وتحقيق نتائج، وهو تحديد ما يجب من موارد ضرورية بشرية ومادية ومالية مع أخذ بعين الاعتبار لِما هو متوفر منها. ومن خطوات التخطيط الاستراتيجي هذا، نذكر تشخيص الوضعية وتحليل ما هو بيئة داخلية وخارجية، وتحديد محاور التدخل والاهداف والنتائج المرتقبة والمؤشرات والتقديرات لموارد بشرية مادية ومالية لازمة وكذا ما هو ميزانية. وحول ما هو مالي بعلاقة مع التدبير بالنتائج، من المفيد الإشارة للأهداف المتوخاة من وضع إطار للنفقات المتوسط المدى على امتداد ثلاث سنوات، وهو ما اعتمده المغرب منذ 2007، أهداف توزعت على جملة نقاط منها: تحديد إطار متناسق وواقعي للموارد، كلفة سياسات عمومية مقابل قدرات مالية للدولة، إعداد نظام لتوزيع موارد مطابق لأولويات استراتيجية، أهداف استراتيجية مقابل توقعات ميزانياتية ثلاثية / كل ثلاث سنوات، تحسين أداء اجرائي لمصالح عمومية، سياسات وتمويل متوقعان يمكنان الوزارات من التخطيط، استعمال أكثر فعالية للموارد، نظام مالي صارم وتتبع أداء نفقات من حيث الفعالية والنجاعة. وكان رئيس الحكومة المغربية قد أخبر عبر دورية له مصحوبة بدليل منهجي في 8 فبراير 2007، بتأسيس إطار نفقات متوسط المدى كأداة لبرمجة ميزانياتية ثلاثية، تمكن بشكل تقريبي من برمجة الميزانية ابتداء من هذه السنة. وكان مما طبع إطار النفقات الجديد هذا، إسقاط نفقات الدولة على ثلاث سنوات وبرمجة متعددة لسنوات متحركة مع نفقات سنة أولى مطابقة لنفقات مقررة في الميزانية، بخلاف نفقات سنوات موالية تكون تقريبية ومطابقة لحاجيات تمويل ولإطار ماكرو اقتصادي.
ومما ارتبط برهان التدبير بالنتائج وبالموارد المالية وأسلوب النفقات، نجد مسألة التعاقد الذي جاء مندرجاً في إطار إصلاح ميزانياتي وضمن منظور تحسين أداء ودعم استقلالية ولا تمركز ولامركزية عبر إبرام عقد بين طرفين، وضمن أيضاً مفهوم تدبير مرتكز على إرادة حصول الدولة على التزام معلن من عاملين لصالح مواطن وخدمة عمومية. ولعل التعاقد التزام بين طرفين أو أكثر يتم فيه تحديد حقوق وواجبات في عقد مكتوب، وبموجب هذا التعاقد تفوض ادارة مركزية جزءًا من صلاحيتها مع منح استقلالية أوسع لمصالح لاممركزة/ لامتمركزة تلتزم بتحقيق نتائج، مقابل التزام الادارة مركزياً بتوفير وسائل ضرورية لتحقيق أهداف متفق عليها. ومن المبادئ الأساسية للتعاقد نجد أولاً تحميل المسؤولية لفاعلين يكونون أكثر مسؤولية بإدراكهم لِما يتوجب عليهم تحقيقه ومن هامش تحرك واستقلالية، ثانياً الشفافية من خلال وضوح الرؤية للتدخل العمومي بحيث تتم مساءلة كل فاعل عن عمله وأهدافه وعلاقاته بمحيطه. وثالثاً ما هناك من شراكة بين فاعلين وتدبير تشاركي مساعد على مشاركتهم في عملية التنفيذ، بقدر ما يروم تحقيق تقدم بقدر ما يوضح ما يجب على كل طرف اتباعه وما هو متوقع تتبعه.
يبقى التدبير بالنتائج، طريقة تعتمدها منظومة أو مؤسسة ما في تسيير شأنها لتحقيق تغيرات ملموسة وأهداف ونتائج منشودة، مع إدخال مواقف وسلوكات جديدة لدى فاعلين بغاية تحسين إنجاز ورفع من مردودية الفرد والجماعة، فضلاً عن تركيز على نتائج وتوظيف أمثل لموارد بشرية ومالية ومعطيات كمية ونوعية متوفرة تخص سير مؤسسة ما. مع أهمية الاشارة إلى أن التدبير بالنتائج هو مقاربة تندرج في إطار رهان وثقافة وسياسة الحكامة الجيدة، تتأسس على مبادئ منها وضوح وسهولة التنفيذ والتعلم والتكوين عبر الإجراء، باعتباره ممارسة ميدانية ضرورة لتنمية كفاءات الفاعلين وقدراتهم التدبيرية. وكذا الشراكة من خلال جعل كافة الفاعلين معنيين بتحديد النتائج المتوخاة مع المصادقة عليها، فضلاً عن اقتسام المسؤولية بتحديد القرارات والمصادقة عليها بشكل جماعي، اضافة لِما هو شفافية تهم الموارد المرصودة وطريقة توظيفها عند التفعيل والتنزيل والعمليات، وتخص أيضاً النتائج المنتظرة ومؤشرات تتبع الانجاز والتقييم.
وبخلاف التدبيرٍ بالأهداف المرتكزٍ على مدخلات وأنشطة وعمليات ومخرجات، غالبا ما يتم فيه تتبع الأنشطة عبر مقارنتها بخطة ما مع تقييم للنتائج يكون خارجياً في النهاية غالباً. فإن التدبير بالنتائج يرتكز على تأثيرات ويتمحور حول مستفيدين مع تتبع يروم الأداء أساساً، علماً أن التتبع يوضع منذ البداية والتقييم يتم بمشاركة الفاعلين جميعهم في مشروع ما. ولعل نجاح التدبير بالنتائج رهين بقيادة ادارية على قياس الكائن في اليابان مثلاً، حيث المهمة جماعية وليست فردية، وهي محاكاة نفسية بين دور ومهمة قائد ودور ومهمة مرؤوسين عبر تعهد جماعي من أجل البذل والعمل لتحقيق أهداف ما. والقائد هنا هو بدور توحيدي ورمزية منسق يتم ارشاده بما يجب أن يقوم به من مرؤوسيه، لدرجة أن من علامات الفاعل الذكي (موظف) في اليابان، معرفته وقدرته على توجيه رئيسه وعياً بأن الأفكار بقوة المنطق تنطلق من الأسفل الى أعلى وليس العكس. إن صعوبة ضمان تحقيق النتائج من خلال تدخلات ما إن جزئياً أو كلياً، هو ما كان وراء الحاجة للسؤال والتتبع والتقييم عبر مراحل محددة، لقياس درجة التحول والانجاز المحدث باتجاه محدد مؤمل على المدى القصير والمتوسط والبعيد. مع ما يقتضيه الأمر من مقارنة بين المنجز وما هو مخطط له، وكذا تحديد الانحرافات وتفسيرها واتخاذ ما ينبغي من وقاية وتصحيح لازم لضبط الأداء. ولا شك أن كل هذا وذاك بحاجة لمنهجية عمل واضحة، تروم تحقيق نتائج وتغييرات تنموية وليس متابعة تنفيذ أنشطة وإنتاج مخرجات وتقديم خدمات فقط. ولعل هذا هو ما جعل خيار التدبير بالنتائج يحظى باهتمام كبير لدى عدد من الجهات، في علاقته طبعاً بمحدودية موارد وعدم فاعلية تدخلات تزايد حولها تركيز على السؤال والمساءلة وتقديم الحساب.
ختاما يبقى ورش التدبير بالنتائج في مجال التربية والتكوين، بتحديات متداخلة غير خافية تلك التي تحد من تنزيله وفق ما ينبغي من فعالية. ولعل من هذه التحديات ضعف ما يسجل من قدرات لدى معنيين كل من موقعه، وكذا ما هو شائع حول ارتباط كل عملية تتبع له بمحاسبة وعقاب. اضافة لِما يسجل من صعوبة جمع معطيات لازمة لكل تتبع وتقييم فضلا عن ضعف مصداقيتها وارتفاع كلفة جمعها، ناهيك عما هناك من تخطيط يقوم على عدم مشاركة كل المعنيين من الأطراف. ويزيد من صعاب هذه المقاربة، عدم مراعاة ما هو متوفر من قدرات وقصور أيضا أثناء تحليل المخاطر، إضافة لِما يوجد من ثقافة مقاومة لكل تغيير ومحدودية معرفة وخبرة وتباين مستويات، مع ما يسجل حول اقتصار ما يرفع من تقارير حول أنشطة مكتملة دون استحضار لنتائج تنموية. إلا أنه رغم كل هذا وذاك من الإكراه، يبقى التدبير بالنتائج بموقع هام لِما أبان عنه من نجاح، علماً أن الرهان رهين بدرجة تمكن الأطر المعنية من المبادئ والأساسيات التي تخص هذا المجال، والتي من شأنها بلوغ ما هو منشود كأسلوب تدبير ناجع في مجالات عدة منها تدبير مؤسسات التربية والتكوين.
عضو مختبر البحث في المعارف التربوية والعلمية ومعالم الحضارة الإنسانية/ فاس