البيني العلائقي المغربي الصيني من خلال النص الأكاديمي..

admin
2021-10-31T19:47:26+01:00
متابعات
admin31 أكتوبر 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
البيني العلائقي المغربي الصيني من خلال النص الأكاديمي..

عبد السلام انويكًة

يكاد يكون البحث في البيني العلائقي المغربي الصيني ومن ثمة في تاريخ الصين بالمغرب ترفاً ومجازفة، لِما هناك من اعتبارات ذاتية وموضوعية معاً تجعل التفات الباحثين المغاربة صوب زمن هذا البلد غائباً. ولعل بقدر ما قد تكون طبيعة نظام الصين على عهد “ماو” وما هو شيوعي وراء صرف اهتمامات المغرب البحثية. بقدر ما قد يكون للسياسة من أثر في هذا الشأن لِما طبع علاقات اليسار في المغرب بالسلطة من توتر لفترة. لتتوجه الأبحاث الأكاديمية فيه لقضاياه الوطنية ولتظل الصين خارج اهتمامات عمل البحث والدراسات، رغم ما طبع علاقات البلدين دوماً من أجواء احترام وتعاون متبادل. ويسجل أن عزوف الباحثين المغاربة عن البيني المغربي الصيني، يجد تفسيره فضلاً عما هناك من بعد جغرافي وحاجز ثقافة ولغة، في غياب أرشيف وطني بكيفية خاصة من شأنه توفير مادة علمية شافية لبناء عمل علمي يخص العلاقات المغربية الصينية. مع أهمية الاشارة هنا الى أن الخوص في حقل الصينولوجيا الذي يجعل من الصين مادته الأساس كمجال حضاري وتاريخي وبشري واجتماعي وسياسي واقتصادي واستراتيجي، بقدر ما هو مساحة لتوسيع الانتماء لهذا الحقل، بقدر ما هو تفاعل مع انجذاب باتت عليه الصين كظاهرة تاريخية أثبتت قدرتها على فرض وجودها كفاعل جديد في المنتظم الدولي، وبالتالي ما تفتضيه من اهتمام ودراسة.

بهذه الاشارات الدقيقة وغيرها استهل الأستاذ ميمون مدهون أحد المتخصصين المغاربة في الصينولوجيا Sinologie والباحث بكلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، تقديماً عميقا لمؤلف موسوم ب :”الصين في العلاقات الدولية دراسة في البرغماتية الصينية”، صدر له حديثاً عن منشورات الرباط نت ضمن طبعة أولى بدعم من وزارة الثقافة في أزيد من أربعمائة صفحة. مضيفاً أن مكانة الصين في المعادلات الاستراتيجية الدولية سواء إبان فترة إقصائها وعزلتها أثناء العهد الماوي، أو خلال مرحلة خيارها الواقعي البراغماتي المنفتح، تجعل من النبش في الموضوع ومن خلاله في العلاقات المغربية الصينية بقدر عالٍ من الأهمية.  

 إن الصين التي تجمع بين قوة عظمى بحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وقدُراتها النووية، وبين دولة شيوعية في رأي قادتها مع اقتصاد يتحرك على إيقاع اقتصاد السوق “الاشتراكي”، وبين انتماء للعالم الثالث لِما هناك من تخلف مع معدل نمو اقتصاد يصل إلى تسعة بالمائة سنويا يجعلها عالميا تحتل مرتبة ثانية. إن الصين بهذه الخصوصية تعد حالة شاذة وبلداً وحيداً يجمع بين مفارقات ثلاثة :”قوة عظمى ودولة اشتراكية” وانتماء للعالم الثالث”، بقدر ما تثيره من سؤال بقدر ما تدعو ايلاء هذا البلد ما ينبغي من اهتمام خاص- يقول المؤلف-، لمِا لقادته من سعي حثيث قصد تمكينه من استعادة مكانته كقوة لها وزنها في معادلات العلاقات الدولية.

ولا شك أن مؤلف «الصين في العلاقات الدولية” باستحضاره لمكانة وتفاعلات المغرب في خريطتها، ملأ بياضاً حقيقياً على مستوى خزانة البلاد العلمية كنص علمي بسبق ودور رافع للبحث والباحثين. بقدر ما تقاسمته تساؤلات حول طبيعة علاقات الصين بقوتين كبيرتين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وما حصل من تحالف وتحالف مضاد ومواجهة وتعايش وحرب باردة وتوازنات ودبلوماسية مع قطبية أحادية لاحقاً، بقدر ما استحضر من أبعاد وتماسات قارية كما بالنسبة لأفريقيا والعالم العربي ومن ثمة المغرب. وعليه، توزع الكتاب منهجياً على أبواب أربعة بفصلين لكل واحد منها. الأول منها توجه بعنايته لسياسة الصين الخارجية ولمكانتها بين الكبار”، وخصص الثاني لِما نسجته الصين من علاقات مع القارة الإفريقية على خلفية مبادئ تعايش سلمي إثر مؤتمر باندونج، كذا مشترك رمزي طبع علاقاتها بالقارة السمراء جمع بين تجربة استعمار وتخلف ورغبة مقاومة للإمبريالية وغيرها.

thumbnail العلاقات المغربية الصينية رسبريس - رسبريس - Respress

واذا كان ما هو علائقي حضاري مع البلاد العربية هو ما تمحور حوله الباب الثالث، فإن الرابع من مؤلف “الصين في العلاقات الدولية” استهدف طبيعة علاقات الصين الخارجية مع المغرب في بعدها الثنائي، من خلال ما تم تناوله من مشترك تاريخي وذاكرة جماعية بين الشعبين المغربي والصيني، من رمزية لرحلة ابن بطوطة وصدمة استعمارية مر بها البلدان كذا من تخلف وانتماء لعالم ثالث. وبسجل الأستاذ ميمون مدهون أن من المفارقات التي جعلت علاقات البلدين بطابع خاص، كون حساسية المملكة المغربية تجاه الإيديولوجيا الشيوعية وطموحاتها الثورية، لم تمنع من إقامة علاقات مبكرة مع الصين الشعبية، تلك التي بدأت ملامحها بمناهضة الصين للوجود الاستعماري في المغرب ولكل ما يمس بوحدته وسيادته، وبالتزام المغرب المبدئي بالدفاع عن حق الصين الشيوعية كممثل شرعي وحيد للصين رغم انتمائه للمعسكر الغربي. مسجلاً عدم نجاح هذا التفاعل الايجابي في الانتقال بالعلاقات الثنائية لما هو أبعد، بسبب اقتصاره على جوانب اقتصادية وبعض أشكال تعاون محدودة ضمن سياسة مساعدات نهجتها الصين لتنافس الاتحاد السوفييتي في إفريقيا. مشيراً لمِا عرفته علاقات البلدين من انتعاش بعد الانتقال من العهد الماوي. بحيث في الوقت الذي وقف فيه النشاط الدبلوماسي بينهما عند حدود زيارة رئيس الوزراء الصيني “شوان لأي” للمغرب، شهدت مرحلة ما بعد «ماو” نشاطا دبلوماسيا مكثفا بلغ مستوى الرئاسة والوزارة الأولى بزيارة عدد من رؤساء الصين للمغرب وتسجيل أول زيارة لملك المغرب إلى الصين. فضلاً عن توقيع البلدين على أول وثيقة سياسية في تاريخ علاقاتها، ما يُعَد مؤشرا بالغ الأهمية على درجة تنسيق وتشاور باتت تطبع علاقات البلدين في العديد من القضايا رغم ما يعتريها من محدودية وما تفتقده من شروط تكافؤ .

وحول العلاقات المغربية الصينية في المؤلف، ورد ضمن مقاربة حوار هادئ وروح برغماتية بين البلدين أن ما حصل من تضامن بينهما كان نتاج وعي لهما، وعليه، احتضنت الصين استقلال المغرب قبل انعقاد مؤتمر باندونج عام ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين، من خلال خطاب شديد اللهجة ألقاه الوزير الأول الصيني “شوان لأي” منتقدا سياسة فرنسا الاستعمارية ومشيدا بنضال شعوب المنطقة مدعما لاستقلالها. ولعل زعماء الحركة الوطنية المغربية كانوا مدركين لأهمية كتلة أسيا ومنها الصين في معركة استقلال البلاد، ذاك أنهم اعتبروا مؤتمر باندونج بأثر كبير على اقرار السلام كحدث عظيم، علماً أن الوفد الصيني- يضيف الأستاذ ميمون مدهون- قَدِم للمؤتمر وهو على اطلاع بالملف المغربي على أساس ما كان للرعيل الأول من الثوريين الصينيين من علاقة بالحركة الشيوعية في المنطقة المغاربية. ويسجل للصين ما كان لها من موقف داعم للمغرب بُعيد استقلاله على مستوى استرجاع سيادته كاملة على أراضيه، ومن تنديد بما كان على ترابه من قواعد عسكرية أمريكية انسجم مع موقف الدولة المغربية الفتية الرسمي.

وقد بادر المغرب في ربيع سنة 1957 بارسال وفد برئاسة المهدي بن بركة الى بكين، حيث استقبله “ماو تسيتونغ” الرئيس الصيني معرباً رغبة بلاده في تعزيز التعاون واقامة علاقات دبلوماسية مع المغرب. وكان تفاعل البلدين الاقتصادي على تواضعه آنذاك بدور في تقوية التواصل بينهما، بحيث دعم المغرب قضايا الصين الوطنية وكان قرار اعترافه بجمهورية الصين الشعبية في خريف 1958 بقدر عالٍ من الجرأة، ولكونه اتخذ في زمن حرب باردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، فقد أثار قراءات عدة هنا وهناك بالولايات المتحدة الأمريكية ولدى مهتمين بالعلاقات الصينية الافريقية وغيرهم.

ومما ورد حول العلاقات المغربية الصينية للأستاذ ميمون مدهون، ارتكاز موقف المغرب إزاء الصين على قناعتين أساسيتين، عدالة القضية الصينية من جهة وضرورة فتح الهيئات الدولية لجميع الدول على السواء من جهة ثانية. ولقبول عضوية الصين الشعبية في منظمة اليونيسكو  كان المغرب من بين 25 دولة صوتت في خريف 1958 لصالح مقترح سوفياتي في هذا الشأن، كما ناشد المغرب المجتمع الدولي في كلمة له بالجمعية العامة للأمم المتحدة خريف 1960، لقبول الصين في هيئة الأمم المتحدة مشيراً لعدم واقعية بقاء 600 مليون صيني أي ثلث سكان العالم آنذاك خارج هذه المنظمة.

وحول علاقة البلدين شكلت زيارة الوزير الأول الصيني”شوان لاي” للمغرب مطلع ستينات القرن الماضي، حدثاً تاريخياً متميزاً باعتبارها أول زيارة لوفد صيني رفيع المستوى ضمن جولة له بافريقيا. بحيث جاء في كلمة الصين أن المغرب بلد بتاريخ عريق متجدر في القدم وشعبه بماضي نضالي مجيد ضد الاستعمار والامبريالية وأن استقلاله جاء بعمل بطولي ومجهودات جبارة، وأن سياسة المغرب الخارجية تقوم على السلم والحياد وتروم ايجابا بناء وحدة افريقية وتضامن افريقي اسيوي فضلاً عن دعمها وحفاظها على السلم العالمي. ومن جانبه أثار الملك الحسن الثاني في كلمته بالمناسبة، ما هو حضاري انساني مشترك بين البلدين، مؤكداً على مشاعر خير وتسامح وتفاهم يطبع الشعبان كذا على ما عانيا منه من محن لتحقيق حريتهما ووحدتهما الترابية، فضلاً عما يبذلانه من جهود لتدارك تأخرهما من أجل بناء مستقبلهما بإرادة قوية وايمان راسخ.

وكانت زيارة الوفد الصيني للمغرب بأثر ايجابي في الحفاظ على حضور صيني بالمغرب وضمان استمرارية علاقات، رغم أنها لم تستطع الانتقال بها الى مستوى أعلى لأسباب عدة ومتداخلة- يقول المؤلف- . الذي توقف بشكل معبر على بدايات التعاون التجاري الصيني المغربي منذ نهاية خمسينات القرن الماضي، كذا ما طبع هذه العلاقات من تعاون في مجال بنيات تحتية شملت جملة أوراش مغربية منذ ربيع 1975، فضلاً عن تعاون طبي ارتبط بسياسة مساعدات دأبت الصين عليها لفائدة دول افريقية منذ فترة الستينات، تعود بداياته بالنسبة للمغرب الى فترة نهاية السبعينات من خلال بروتوكول تعاون تم توقيعه بالرباط.

لقد تفاعل رهان انتقال العلاقات المغربية الصينية من واقع تعاون الى واقع شراكة، ايجابيا مع قرارات الصين وما عرفته من تغيرات استراتيجية تجاه دول العالم الثالث منذ نهاية السبعينات. وعليه، ما حصل من دينامية وأبعاد تعاون جعلت البلدان بطموح لشراكة استراتيجية أكثر عمقاً، عرض لها المؤلف من خلال مؤشرات طبعت الحوار السياسي الصيني المغربي، منها ما تعلق بزيارات رفيعة المستوى منذ نهاية خمسينات القرن الماضي الى غاية نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة. ومن التي عكست حيوية العلاقات وشملت ما هو حزبي ونقابي وبرلماني كذا عسكري، توقف الأستاذ ميمون مدهون على ما اكتسته زيارة الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي للصين نهاية التسعينات من دلالات، لارتباطها بسياق متميز تعلق بتجربة تناوب توافقي سياسي دخلها المغرب، هي الثانية التي بلغ فيها الاشتراكيون أعلى مناصب القرار بعد تجربة عبد الله ابراهيم نهاية الخمسينات. زيارة ورد أنها جاءت ضمن وعي مغربي يخص اعادة قراءة مرتكزات البلاد المجالية في علاقاتها الدولية، ناهيك عما استهدفته من توسيع وعاء تعاون على عدة مستويات.

ضمن مؤشر الزيارات البينية المغربية الصينية الرفيعة المستوى، زيارة الملك محمد السادس للصين قبل حوال عقدين من الزمن، باعتبارها أول زيارة لملك مغربي لهذا البلد منذ اقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما قبل أزيد من أربعة عقود، وقد ارتبطت بجملة مستجدات منها ما عرفته الصين من تعاظم دور على المستوى السياسي والاقتصادي، كذا ما طبع الرؤية المغربية الجديدة من انفتاح خارجي من اجل الانخراط في دينامية تسمح بالانفتاح على القوى المؤثرة في العالم، فضلاً تجديد المغرب لروابط تاريخية تجمعه بدولة صديقة ذات مكانة قوية في المعادلات الدولية.

وعن الصين من الزيارات الرفيعة المستوى تلك التي قام بها الرئيس”جينتاو” للمغرب ربيع 2006، كأول زيارة لرئيس صيني في الألفية الثالثة الى بلد تجمعه بالصين علاقة صداقة وتعاون وطموح شراكة متعددة الأبعاد. تمثل فيه قضية السيادة والوحدة الترابية المغربية احدى قواسم العلاقات المغربية الصينية، ذلك أن المغرب والصين ورثا معاً عن الفترة الاستعمارية مشاكل عدة تخص وحدتهما الترابية. واذا كانت قضية  الصحراء المغربية قد تطورت من قضية تصفية استعمار الى قضية انفصالية بأبعاد دولية بعد دخول  الجزائر خاصة على الخط، ظلت قضية تايوان منذ بداياتها قضية انفصالية ونتاج حرب باردة منذ نهاية الحب العالمية الثانية. وكان موقف المغرب منذ اعترافه بجمهورية الصين واضحاً ازاء تايوان ضمن ثوابت علاقات البلدين، بل يدعم الصين تجاه قضية الثبت وسينكيانغ باعتبارهما شأناً صينيا داخلياً- يضيف المؤلف-.

يبقى بقدر ما تأسس عليه مؤلف”الصين في العلاقات الدولية” من غنى مادة مصدرية وثائقية متباينة، بقدر ما توزعت هذه الأخيرة على تقارير رسمية ووثائق منظمات وهيئات دولية ومنشورات وتقارير رسمية ومذكرات رجالات دولة وكتابات متخصصة وأخرى عامة. سجل من خلالها الأستاذ ميمون مدهون ما حظيت به علاقات الصين بالاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة من تتبع واهتمام بالغ ودراسات شاملة، ليظل منها ما يخص العلاقات الصينية الإفريقية قليلا جداً يغيب فيها الإسهام العربي باستثناء مقالات هنا وهناك. مضيفاً أنه اذا كان نفس الشيء هو ما يخص موضوع العلاقات العربية الصينية – يضيف-، فإن الأبحاث حول العلاقات المغربية الصينية- اللهم اشارات هنا وهناك- تغيب بشكل مثير للسؤال. وعليه، فما تقاسم مؤلف”الصين في العلاقات الدولية” من محاور هامة منها العلاقات المغربية الصينية، وما تأسس عليه من أرشيف وببليوغرافيا باللغة الانجليزية والفرنسية والعربية. جعله بسبق في موضوع لم يكتب عنه الا القليل القليل لدرجة لا شيء. ومن هنا تدشينه لواجهة بحثية ملأت بياضاً حقيقيا موفراً نصاً أكاديمياً رفيعاً، بقيمة مضافة عالية لفائدة خزانة البلاد العلمية التاريخية ومن ثمة للبحث والباحثين والدبلوماسية والدبلوماسيين.

عضو مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.