يشهد التراث المعماري المعاصر الذي يعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي بمدينة وجدة ، في السنوات الأخيرة اندثارا متسارعا ،وقد مست هذه الظاهرة بشكل صارخ معظم معالمه على مرأى ومسمع من الجهات الوصية على رعايته وحمايته، وهو ما جعل ذاكرة المدينة تعيش في دوامة من ضياع ذاكراتها المعمارية والتاريخية دون إمكانية تعويضها ، وما يوحي بغياب وعي مواطن بالتراث في متخيل واهتمامات وأجندات المسؤولين والجهات الوصية عليه، وبإنكار غريب لحق المدينة وساكنتها في امتلاك رصيد من التراث الثقافي يعترف ولو نسبيا بما ضحت به على مدى فترات طويلة من الزمن ، بسبب وجودها في موقع جيوـ سياسي خاص تتنافس وتصارع على امتداده القوى السياسية على الحدود الشرقية من الوطن.
وفي هذا السياق وجهت جمعية البحث في تاريخ وتراث الشرق المغربي التي تأسست سنة 1998 والمعتمدة لدى منظمة اليونيسكو سبع (7 ) رسائل إلى الجهات الوصية أو التي تعنيها شؤون التراث الثقافي معززة بصور موثقة ، تشعرها من خلالها بما تتعرض له في الآونة الأخيرة البناية الأثرية لنادي الضباط القديمة ( (Le Messالكائنة بحي النقيب محمـد بلميلودي، التي يعود تاريخ تشييدها إلى بداية القرن الماضي ( 1908؟ )، من اعتداءات وذلك بهدف التدخل المستعجل لإيقاف تدميرها وتشويه معالمها الداخلية والخارجية، جراء عمليات النهب والتخريب التي تعرضت لها مختلف مكوناتها وبنياتها المعمارية بقصد اتخاذ الإجراءات والخطوات المستعجلة لحمايتها وتأهيلها وفق وظائف تتناسب مع قيمتها الأثرية والتاريخية.
وتنويرا للرأي العام نقدم في ما يلي نص الرسالة المذكورة .
عاجلا إلــــــى السادة :
والـي الجهـة الشرقيـة ، وزير الداخلية ، وزير الثقافة ، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان ،
مدير الوكالة الحضرية ، رئيس الجماعة الحضرية لوجدة ، مدير الشركة العقارية إسكان ( الضحى ) .
وبعـــد، يؤسف مكتب جمعيـة البحث في تاريــخ وتــراث الشـرق المغربــي بوجـدة أن يخبر سيادتكم أنه يتابع باهتمام وحسرة بالغين الوضعية المزرية والمفاجئة التي آلت إليها االبناية الأثرية والتاريخية لنادي الضباط MessLe، الكائنة بحي النقيب محمد بلميلودي ( ثكنة Jacques Roze سابقا) بوجدة، حيث أصبحت في الآونة الأخيرة مهددة وتحت رحمة الأيدي العابثة، مما نتج عنه أعمال نهب وتخريب مست هوية ومظهر البناية بكل فضاءاتها الداخلية والخارجية، من مكونات وعناصر مبنية ومواد ومحتويات وزخرفة ثمينة وفريدة … وهو الحدث المشابه الذي تعرضت له في الماضي القريب بكل أسف مكونات أخرى داخل فضاء الثكنة وخارجها ومن ضمنها نادي ضباط الصفCercle des sous – officiers وبعض النصب التذكارية واللوحات النادرة التي تؤرخ للثكنة وتطورها ووظائفها وأهميتها العسكرية السابقة بالشرق المغربي مما جعل المدينة تفقد مرة أخرى جزءا مما تبقى من تراثها المعماري المعاصر الذي لا يقدر بثمن .
وللإشارة، لا يخفى على سيادتكم ما ظل يطبع هذه البناية التي يناهز عمرها قرنا و13 سنة ( أسست في نهاية العقد الأول من القرن العشرين ) وحتى عهد قريب من مِؤهلات تاريخية وتراثية ومعمارية وفنية وترفيهية داخل حي الثكنة كفضاء بارز، وكانت قبل التطاول على حرمتها معلمة في حالة جيدة على العموم، كما لم تكن حالتها متداعية أو
تشكل خطرا على الساكنة أو على محيطها القريب، بل اعتبرت ـ نظرا لقيمتها المعمارية ـ في تصميم مشروع الحي الجديد الذي كانت تتوسطه بمثابة صرح سيتم المحافظة عليه، مما كان سيضفي طابع الأصالة على الفضاء العمراني الجديد الذي سيخلف الحي السابق لولا إهمال حراستها وحمايتها الفجائي، الشيء الذي عجل بتركها تواجه مصيرها المحزن، بسرقة وتدمير موادها ومحتوياتها وتشويه مقلق لمعالمها الداخلية والخارجية.
وإن الجمعية :
ـ من منطلق أهدافها والتزاماتها الثقافية واهتمامها بالتراث الثقافي بشقيه المادي واللامادي بالشرق المغربي، خاصة والمغربي بوجه عام والتعريف بموارده وقيمـه والتحسيس بما يتهدده من إهمال وتجاوزات وضياع ؛
ـ وباعتبار الجمعية التي تأسست سنة 1998 والمعتمدة لدى منظمة اليونيسكو قد سبق لها أن نبهت إلى ضرورة تصنيف وتثمين وحماية هذه المعلمة وغيرها في مناسبات ثقافية ومنابر إعلامية وعبر توصيات و نداءات عدة، ووضعت مشروعا أوليا لتصنيف البناية المذكورة هو قيد الإنجاز( انظر الصور المرافقة )؛
ـ ونظرا لافتقار مدينة وجدة إلى تراث غزير ومتنوع بسبب تضحياتها مع محيطها من أجل الذود عن حوزة الوطن
ووحدته لفترات طويلة، مما ترتب عنه هدم واندثار معالمها الأثرية والعمرانية القديمة مرات متتالية؛
ـ وتداركا للنزيف المستمر الذي يشهده تراث المدينة خاصة المعماري منه في السنوات القليلة الماضية والذي يتم تبخيسه ولم يعد يعطى له كبير اهتمام ومن ضمنه البناية موضوع هذا النداء ؛
ـ وباعتبار بناية نادي الضباط المذكورة تعد من وجهة نظر تاريخية ومعمارية وتراثية ذاكرة وموقعا ذا أهمية داخل نسيج المدينة المعماري العتيق أو المعاصر المتعلق بفترة الحماية الفرنسية، والذي يعد جزءا لا يتجزأ من التاريخ المحلي والجهوي لمدينة وجدة ومحيطها ؛
ـ وبالنظر إلى ما تتعرض هذه البناية من تخريب وتطاول في الآونة الأخيرة يمس كل معالمها المعمارية في غياب أي رقيب أو حسيب أو جهة تحميه ؛
فإننا نلتمس من سيادتكم التدخل العاجل من أجل إيقاف التجاوزات التي تتعرض لها المعلمة المذكورة واسترجاع ما ضاع منها من مواد ومكونات ثمينة، كخطوة أولى لإنقاذها من الدمار المتسارع الذي تتعرض له حاليا، في أفق تأهيلها وتثمينها في خطوات لاحقة؛ وإن مبادرة حميدة كهذه من جانبكم لمن شأنها رد الاعتبار للبناية كذاكرة تاريخية ومعمارية أصيلة وجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي للمدينة .
.