. رسبريس
يسلط كتاب “تدبير المجال الحدودي المغربي في ظل الاحتلال الفرنسي 1907-1912” الضوء على تناقضات السياسة الاستعمارية الفرنسية بالمغرب عامة وبالمناطق الحدودية بوجه الخصوص، فبعد احتلال شرق البلاد سنة 1907، بادرت فرنسا إلى وضع خطط من شأنها تثبيت أقدامها في المناطق المحتلة على طول الحدود مع الجزائر، وفي الوقت ذاته وضعت شروطا تعجيزية للجلاء، وبعد أن عجز السلطان عن الاستجابة لمطالبها أطلقت يدها في تدبير الشؤون المحلية.
فتدفّق على شرق المغرب سيْلٌ من المُعمّرين والمغامرين الفرنسيين، حيث كان من السهل استقدام أطر إدارية وموظفين من غرب الجزائر، وذلك بهدف إدخال الإصلاحات التي كانت فرنسا تراها ضرورية لخدمة مصالحها.
وفد ادّعت فرنسا في بادئ الأمر أنها تعمل على تطبيق اتفاقيات الحدود الموقعة مع المغرب، وحاولت إقناع السلطان عبد العزيز وخلفه السلطان عبد الحفيظ بنهج سياسة تعتمد التنسيق المنصوص عليه في الاتفاقيات المذكورة.
وفي هذا الإطار يرصد الكتاب مدى تطبيق التنسيق المزعوم، خاصة فيما يتعلق بتدبير الشأن المحلي، وبالذات التدبير المالي والسهر على تسيير المستفادات وديوانة وجدة والسعيدية، وتدبير الأحباس وأملاك الدولة، وتفويت العقارات للأجانب، واستحداث نظام خاص بالضرائب الفلاحية، وكذا التنسيق من أجل استحداث قوات أمن مشتركة خاصةٍ بالمجال الحدودي. كما رصد البحث جوانب عديدة من الفساد في التسيير الملاحظ لدى رجال المخزن، ولدى رجال السلطة الفرنسية، خاصة ما يتعلق بتفويت العقارات للأجانب وبالتدبير المالي. وقد أدرك آنذاك بعض المغاربة المتبصِّرين أن ما كانت تدّعيه فرنسا من نشر الحضارة وترقية الشعوب ما هو إلا سراب وافتراء.
ويكشف الكتاب مستوى التنسيق بين سلطة مغربية مُتوارِية وأخرى فرنسية مدعومة بالقوة في مسألة تدبير الشأن المحلي، إضافة إلى رصْد حدود نجاح السلطان عبد الحفيظ في حفظ ماء الوجه، والظهور بأنه صاحب السيادة على جزء من البلاد، صار بحكم الواقع يرزح تحت سلطة الاحتلال، خاصة بعد أن صارت مناطق الحدود خاضعة للسلطات الفرنسية.
وقد سلط المؤلف الضوء على جوانب كثيرة ما زالت مجهولة عن تاريخ المجال الحدودي المحتل خلال فترة قصيرة لم تتجاوز خمس سنوات، لكنها كانت حبْلى بمحاولات شتى لتلمُّس أنجع الطرق لتدبير الشأن المحلي في ظل الاحتلال، وذلك تمهيداً لفرض نظام الحماية على المغرب يوم 30 مارس 1912.
وبهذا العمل يتعزّز التراكم المعرفي الخاص بالمجال الحدودي المغربي، وذلك بتسليط الضوء على مرحلة مفصَلِية من تاريخ المغرب عامة، وعلى مجاله الحدودي بشكل خاص، وهي بداية الانتقال من مغرب تقليدي إلى مغرب حديث، وقد كان شرق المغرب رائدا في هذا التحوّل، وذلك بحكم خضوعه لمنظّر السياسة الاستعمارية الفرنسية في المغرب، ونعني به الجنرال ليوطي، الذي صار لاحقا أول مقيم عام فرنسي في فترة الحماية. كما أن هذا العمل لا يخلو من فائدة لعموم القراء، وقد يجد فيه الباحث مادة مصدرية، قد توظَّف في أبحاث مكمّلة أكثر وثوقاً وذات مصداقية، وكل هذا من شأنه إغناء الخزانة المغربية في حقل التاريخ المحلي والوطني.
بكاويمنذ سنتين
كتاب يعرّي السياسة الاستعمارية بشرق المغرب في فترة حرجة من تاريخ المغرب المعاصر، كتاب جدير بالقراءة