فريدة بن سليم
لازالت الدراما الجزائرية،وبالرغم من التخمة في العروض الدرامية الرمضانية إلا أنها تسير على نفس النهج السابق الشيء الذي يدخلها مأزقا فنيا، ويجعلها أسيرة تلك الصورة النمطية التي كرست في أذهان المشاهد الجزائري بأن الدراما مؤخرا لا تقدم سوى اللعبث. فمنذ عرض المسلسلات التي تشارك في المارثون الرمضاني على الشاشة الصغيرة الجزائرية ،والجدل قائم… حيث باتت الشاشة وجهة لكل ما طفى على السطح ، واللاهثين وراء الشهرة الفارغة دون تقديم قيمة فنية. والتمثيل لم يعد سوى غاية لمن لا موهبة له، ولا حتى دراسة على الأقل في معهد السينما والمسرح …
فمعظم الوجوه الظاهرة خريجة التيك توك و اليوتيوب والأنستغرام .وان كان ليس في الموضوع حرج إن توفرت على الموهبة الحقيقية، وقدمت إضافة للفن الجزائري. لكن الطامة الكبرى غلبة الإسفاف، والمحاباة حتى في مجال الفن .. وبات كل من يسمي نفسه سيناريست أو مخرج يستدعي معارفه بغض النظر عن المجال الذي جاؤوا منهم، والموهبة آخر مقوماتهم .. فقط امتلك صلة قرابة مع صناع العمل .
لتظهر مصممة الأزياء أو الخياطة، ويظهر مؤدي الأغاني الشعبية الهابطة ،وراقصات التيك توك ،وحتى مبتذلي الكوميديا … وباتت الشاشة لا تتسع سوى لهم، ولحاشيتهم…
ولعل هذا ما لاحظناه في سلسلة ” أحوال الناس” حيث المخرج والمنتج والممثل وحتى السيناريست كلهم يتجسدون في شخص شخصية واحدة هو الجزائري” رضا سيتي 16″ .. هذا الفنان الذي دخل من باب الراب الجزائري مرورا بالفن ذا الطابع السياسي، وانتقاد النظام مما أدخله في متاهات مع السلطة السابقة وصولا لتهمة تزوير العملة الصعبة وتبييض الأموال، وبالرغم من أن التهمة الأخيرة أسقطت عنه لكن تم زجّه في السجن سنة 2018 بجنحة الابتزاز والتشهير عبر الفايسبوك في حق رجال الأعمال . ليطلق سراحه في فبراير 2019 لاستنفاذ العقوبة الخاصة به ، وليستغل هذه المحنة ،ولتتولد لديه حسب اعتقاده موهبة الكتابة .
فقرر أن يستغل ذلك في كتابة سيناريوهات مسلسلاته، وينتجها، ويخرجها، وحتى يكون بطلها في ذات الوقت .. فهو مثال للبطل الخارق .. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، لكن باتت أعماله ليست تصويرا للواقع ،-ولعل هذا هو مفهوم الفن الدرامي- بقدر ما هي تصوير لواقع ما يجب أن يكون..فيظهر البطل في صورة شخص مثالي لدرجة يوتوبية تحاكي شخصيات العالم الفاضل الذي تحدث عنه أفلاطون… وحتى استغل قصته الشخصية، وقضية سجنه ليسردها في أول حلقات سلسلته، والتي تنتهي بالبراءة..
ويكمل مساره المثالي في مساعدة المحتاجين، وإصلاح أخطاء الكون، فهو المنقذ ، ورجل الأعمال الكريم الذي يغدق على موظفيه بالأموال دون مبرر،وإن كانت حتى رواد عالم الأعمال في المجتمعات المتشدقة بإنسانياتها،ودفاعها عن حقوق الإنسان لا يفعلونها ،ويكون المقابل نذير الجهد المبذول،والكفاءة لكن الممثل أو شخصية رجل الأعمال التي يتقمصها تفعلها لتغلب على السلسلة بعض السلوكيات وردود الأفعال التي لا تدخل في السياق الدرامي،ولا تخدمه …
ناهيك عن التمثيل الذي يفتقر لكل مقومات الممثل، فهناك أخطاء كارثية في السيناريو في معظم قصصه.. خاصة سلسلة” مكاتيب” مع الممثلة الشابة كنزة مرسلي، لتغلب عليه بعض الأخطاء والسقطات الدرامية ..
إضافة إلى سلسلة “أحوال الناس”، هناك مسلسل “يما” الذي لم يكتفي بجزء واحد عرض في رمضان الماضي، وأصيب على اثره الجمهور بالضجر أيام الحجر الشامل.لكن جاءنا صناع العمل بجزء ثاني احتفاء بنجاح الجزء الأول المزعوم، بمسلسل لا يعالج قضية، ولا يستعرض سوى مشاهد، وحياة وشخصيات تحاكي الدراما التركية بأسلوب هزيل يدفع للضحك بسبب الحشو واللغو في معالجة قصة الفيلم التي تدور في اللاشيء. فضلا عن ضعف فريق العمل من الممثلين. فلا تسمع سوى نواح، وصراخ وانفعالات غير مبررة تخلق نوع من التلوث البصري لدى المشاهد الجزائري.. الذي باتت هذه الأعمال بالنسبة له، وإن كانت درامية فهي فكاهية بامتياز، لا تخلق لديه سوى حس الفكاهة، والاستهزاء على منتوج ما عاد يقدم سوى أحاديث شارع لكن بصورة متلفزة..
فالعروض الدرامية على الرغم من كثرتها هذه السنة لحد التخمة لكن منعدمة المضمون، ومسلسلات بلا قضية ..
وهنا أليس على وزارة الثقافة الوقوف على مثل هذه الأعمال، ودعم المواهب الحقيقية، وحتى الأعمال الجادة التي ترقى لتطلعات المواطن الجزائري بعيدا عن الإسفاف، والابتذال والتحليق خارج الواقع الجزائري الذي بات يجد في الشاشات العربية ما فقده في شاشته الصغيرة.