أ ف ب:
أعاد الارتفاع الكبير لأسعار الوقود في المغرب الجدل بشأن جني شركات المحروقات أرباحا توصف «بالجشعة»، وتساؤلات عن «تضارب للمصالح» يمنع رئيس الحكومة من تحديد سقف للأسعار، كونه مالك إحدى أكبر تلك الشركات.
وخلال استجوابه في مجلس النواب حول الموضوع الأسبوع الماضي جدد برلمانيون من المعارضة وحتى من الأغلبية، مطالبة رئيس الحكومة عزيز أخنوش بالتدخل لتحديد سقف للأسعار. لكن الأخير اعتبر أن ما يقال عن الأرباح «الفاحشة» مجرد «أكاذيب».
ويملك أخنوش، الذي يوصف بالمقرب من القصر وتولى وزارة الزراعة بين 2007 و2021، شركة «افريقيا غاز» التي تعد أهم الفاعلين في سوق المحروقات بالمغرب إلى جانب شركتي «توتال» الفرنسية و»شل» الهولندية البريطانية.
ويواجه ضغوطا في الأشهر الأخيرة بسبب غلاء عدة مواد أساسية، جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا. لامتصاص هذا الغضب أعلنت الحكومة تخصيص دعم بحوالي 200 مليون دولار لموظفي قطاع النقل البري، بعدما نظّموا إضرابات.
لكن التوقعات تشير إلى استمرار ارتفاع الأسعار عموما هذا العام «في معدلات تفوق المتوسط المسجل خلال العقد الأخير»، حسب «المندوبية السامية للتخطيط» وهي هيئة الإحصاءات الرسمية في المغرب.
ونتيجة هذا الوضع، تراجعت معنويات الأسر خلال الفصل الأول من العام الجاري إلى «أدنى مستوى لها» منذ العام 2008، وفق المصدر نفسه.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي يواجه فيها المغرب، الذي يعتمد على الخارج لتوفير حاجياته من المحروقات، أزمة مماثلة. لكن أثرها لم يكن ينعكس على المستهلكين بفضل دعم الدولة أسعار البيع في محطات البنزين، على أساس هوامش ربح محددة.
بعدما ظل هذا الدعم لعقود ضمانة «للسلم الاجتماعي»، تقرر وقفه في العام 2015 نظراً لكلفته الباهظة على ميزانية الدولة، لكن على أساس أن يتم تعويضه بتحويلات مالية شهرية للأسر الفقيرة. إلا أن ذلك لم يتحقق.
في المقابل، واجهت شركات المحروقات اتهامات «بمراكمة أرباح تفوق 45 مليار درهم (4.5 مليار دولار) منذ التحرير وحتى نهاية 2021»، وفق ما يؤكد حسين اليماني من «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل».
ورغم أن القطاع بات خاضعا لقانون السوق الحرة، إلا أن المنتقدين يصفون هذه الأرباح «بالفاحشة» بالمقارنة مع الهوامش التي كانت محددة قبل التحرير.
وأكدت الحكومة السابقة عام 2018 أن «هذا الفارق يتعدى درهمين للتر»، في مراسلة لمجلس المنافسة الرسمي لطلب رأيه حول الموضوع. جاء ذلك في خضم جدل واسع محتدم أججته حملة مقاطعة لمنتجات شركة «فريقيا غاز».
مع تجدد هذا الجدل أكد أخنوش أمام البرلمان يوم الإثنين الماضي «هذه الأسطوانة التي تتردد منذ سبعة أعوام تستند على أكاذيب أو خطأ ما»، مشدداً على أن «هوامش الربح هي تقريبا نفسها منذ العام 1997».
من جهته يرى الخبير في القطاع مصطفى لبراق أن «شركات المحروقات جنت بالفعل أرباحاً بعد التحرير (…) لكنها أمس تتكبد خسائر، هذا واضح إذا قارنا الأسعار هنا بثمن البرميل في الخارج».
ويضيف «الزبون يصدم بأسعار غير مسبوقة وشركات المحروقات في وضع صعب، ربما يكمن الحل في خفض الضرائب»، التي تستخلصها الدولة عن كل لتر يباع.
وكان يُنتظر أن يحسم مجلس المنافسة هذا الجدل إثر تحقيق أسفر عن فرض غرامة مالية تعادل 9 في المئة من رقم المعاملات السنوي للشركات الثلاث المسيطرة على السوق، حسب ما أعلن بيان للديوان الملكي في تموز/يوليو 2020.
لكن هذا البيان أعلن أيضا إعفاء رئيس المجلس، بعد شكوى من أعضاء آخرين حول «غموض إجراءات التحقيق واختلالات مسطرية».
ولم يُعرف منذ ذلك الحين مصير هذا التحقيق. ومع تجدد الجدل أعلن المجلس منتصف نيسان/أبريل أنه سيحقق في ارتفاع أسعار 13 مادة، بينها الوقود، وفق وسائل إعلام محلية.
ويواجه رئيس الحكومة أيضا تساؤلات حول «تضارب المصالح». ووضعت مجلة «تيل كيل» على غلافها لهذا الأسبوع صورة مركبة تظهره في وضعين متناقضين معنونة «رئيس حكومة مستسلم، رجل أعمال سعيد».
ونقلت عن الخبير الاقتصادي محمد بنموسى قوله «تضارب المصالح واضح وسط الحكومة، إنه خطيئتها الأصلية».
وتستند هذه الانتقادات كذلك إلى «عجز الحكومة» عن إعادة تشغيل مصفاة تكرير النفط الوحيدة في البلاد، وفق تقديرات اليماني وهو عضو في ائتلاف «الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول».
ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى خفض الأسعار بأكثر من درهم للتر، على اعتبار أن سعر استيراد النفط الخام أقل، وأن قدرات التخزين لدى المصفاة أكبر من قدرات شركات المحروقات، حسب اليماني.
وتطالب الجبهة الوطنية الحكومة بتأميم الشركة المفلسة منذ عام 2015 أو تسهيل بيعها لمستثمرين من القطاع الخاص، بعدما أكدت المحكمة العليا حكما نهائيا بتصفيتها القضائية في أيلول/سبتمبر 2018.
لكن الحكومة لا تبدي أي استعداد للاستجابة، حيث اكتفى رئيسها بالقول أمام البرلمانيين «ليتنا نجد من يشتريها».