- رسبريس – العرب
يواجه مجال الصحة النفسية والعقلية في المغرب تحديات متعددة، أبرزها النقص الكبير في البنى التحتية والخدمات الصحية المتخصصة وقلة الموارد البشرية المؤهلة مقارنة بحجم الطلب المتزايد على خدمات الطب النفسي، وفق ما كشفه وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي.
وأكد التهراوي أن نصف السكان تقريبا يعانون أو سبق لهم أن عانوا من اضطرابات نفسية، مما يجعلهم مصدر تهديد لسلامة وأمن الأشخاص والممتلكات.
وشدد التهراوي على أن النهوض بالصحة العقلية يقتضي تبني إصلاح شامل يواكب التحديات المطروحة ويستجيب لمتطلبات العصر، وهو ما تعمل عليه الوزارة من خلال إصلاح الإطار القانوني والتنظيمي، عبر إعادة النظر في الجانب المتعلق بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها، لملاءمته مع التطورات العلمية الحديثة والتشريعات الدولية في المجال. كما أكد على ضرورة إرساء إطار تنظيمي يتضمن حقوق المرضى النفسيين، ويعزز حماية الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية.
وفي وقت قال فيه برلمانيون وخبراء في الطب النفسي إن النقص الحاد الذي تعرفه مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية، يشكل معاناة لأسر المرضى حيث يتم اللجوء في حالات معينة إلى أساليب الشعوذة والدجل لمعالجة مرضاهم، يضطر فيه البعض الآخر إلى العيش في وضعية تشرد.
ويستدعي هذا الواقع تدخلات عميقة لإرساء منظومة فعالة تلبي حاجيات المواطنين في هذا المجال، وفق ما أكده الوزير خلال جوابه بمجلس النواب على الملاحظات المثارة من المجلس الأعلى للحسابات، قائلا إن رغم الإكراهات، شهد المغرب تطورا ملحوظا في العرض الصحي المتعلق بالصحة العقلية، مفيدا بأن المملكة تتوفر على مستشفى للأمراض النفسية بطاقة استيعابية ومصالح للطب العقلي داخل المستشفيات العمومية إلى جانب مصالح استشفائية لطب الإدمان ومراكز لمعالجة الإدمان، بالإضافة إلى إدماج العيادات النفسية بمؤسسات للرعاية الصحية الأولية بهدف تقريب الخدمات من المواطنين.
وكشف المجلس الأعلى للحسابات عن غياب خطة عمل وقائية خاصة بالتكفل بالصدمات النفسية والوقاية من الانتحار، مسجلا أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية لا تتوفر على خطة عمل وقائية خاصة بالتكفل بالصدمات النفسية إبان الأزمات أو الطوارئ أو الكوارث، ولاسيما بالنسبة لبعض الفئات كالأطفال والشباب وكبار السن.
كما سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان سيادة تمثلات لدى فئات واسعة من المجتمع المغربي تصنف المرض العقلي في خانة الطابوهات، حيث يتم اللجوء في حالات كثيرة إلى أساليب الشعوذة والدجل لمعالجة بعض المرضى، في الوقت الذي يضطر فيه البعض الآخر إلى العيش في وضعية تشرد، مما يجعلهم مصدر تهديد لسلامة وأمن الأشخاص والممتلكات.
وأشار علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، إلى أن الوصم الاجتماعي والنظرة السلبية للأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية والعقلية مستمران في المغرب، مع طغيان الثقافة التقليدية المبنية على الجن والشعوذة وزيارة الأضرحة في عدة جهات من المملكة، حيث يتم اللجوء إلى تقنيات العلاج النفسي التقليدي حسب ما هو متداول في الأوساط الشعبية من طرق وأساليب، كاستهلاك خليط من الأعشاب أو الغسل أو حمل معادن أو الطقوس العلاجية الأخرى كإيقاعات موسيقية والرقص أو تقديم الهدايا والذبح.
وفي ظل غياب إستراتيجية وطنية شاملة للوقاية وعلاج الأمراض النفسية والعقلية، أكد لطفي في تصريح لـ”العرب” أن هناك أسرا تقوم بحجز وسجن دائم لمريضها خوفا من “وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي”، فيصبح المريض منعزلا عن المجتمع وتزداد حالته خطورة، وتتراجع النتائج المتوقعة من العلاج إن كان يتابعه في مستشفى، هذا في الوقت الذي يضطر فيه البعض الآخر من المرضى إلى العيش في وضعية تشرد دائم في شوارع المدن وأسواق القرى، مما يجعلهم مصدر تهديد لسلامة وأمن الأشخاص والممتلكات، كما يشكلون تهديدا دائما لأنفسهم.
وحسب معطيات رسمية فإن القطاع يتوفر على 655 طبيبا نفسيا في القطاعين العام والخاص، و1700 ممرض متخصص في الصحة النفسية، وخلال سنتي 2023 و2024، تمكنت المنظومة الصحية من التكفل بـ250 ألفا و624 مريضا، وتقديم خدمات الصحة النفسية من خلال مقاربة طبية نفسية واجتماعية، وبتخصيص 108 مناصب للأطباء والكوادر المختصة بالصحة العقلية، ليصل إجمالي الموارد البشرية العاملة في المجال إلى 1081 كادرا، بينهم 381 طبيبا مختصا في الأمراض العقلية و700 ممرض متخصص.
وأشار وزير الصحة إلى تعزيز البنية التحتية النفسية وتوسيع التغطية الصحية النفسية بإحداث 26 مركزا متنقلا في الأقاليم التي لا تتوفر على خدمات متخصصة، وإنشاء 6 مستشفيات جهوية متخصصة في الطب النفسي، مع استكمال بناء المراكز والمستشفيات المتبقية بحلول 2030، بالإضافة إلى الرفع من القدرة الاستيعابية لأقسام التكفل بالصحة النفسية للأطفال واليافعين من خلال تعزيز وحدات الطب النفسي داخل المستشفيات الجامعية والجهوية.
وأكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية في المغرب تعرف نقصا حادا في بنيات الاستقبال من مراكز صحية وقائية أو أجنحة خاصة بالمستشفيات العمومية، كما أن التجهيزات المتوفرة متقادمة أو معطلة أو غير ملائمة، إضافة إلى النقص الحاد في الموارد البشرية المتخصصة بعيدا عن الاستجابة للمعايير العالمية في هذا المجال.
وفي تعليقه على هذه الوضعية قال لطفي إن الأسر غالبا ما تضطر إلى العودة من حيث أتت بسبب غياب سرير، والمواعيد طويلة الأمد، مما يدفعها إلى التوجه للطب الشعبي وزيارة الأولياء الصالحين، فمن الصعب جدا استكمال رحلة العلاج في ظل وضع يتسم بالخصاص في كل جوانب العملية الصحية من تشخيص وعلاج ومتابعة، نتيجة ضعف استثمار الدولة في منظومة الرعاية النفسية، حيث لا تتجاوز الميزانية المخصصة للصحة العقلية في المغرب 2 في المئة من ميزانية قطاع الصحة.
كما يواجه المرضى ارتفاع أسعار الأدوية الخاصة بعلاج الأمراض النفسية، وصعوبة الحصول عليها بسبب الشروط الموضوعة لتفادي التلاعب والاتجار بها كمخدرات عقلية، إضافة إلى النقص الشديد في الأدوية الأساسية للعلاج حتى داخل الصيدليات المغربية، علما أن استيرادها عن طريق الإنترنت مخالف للقانون، الذي يحظر بالمطلق بيع الأدوية خارج الصيدليات، ويفرض في المقابل توفير مخزون ستة أشهر من الأدوية. وأوصى المجلس في تقريره بضرورة الاهتمام بالصحة النفسية بمعناها الواسع، كالاهتمام بمحددات الصحة النفسية من خلال الاشتغال على مختلف أشكال تفاعل الأفراد مع المحيط الذي يعيشون فيه، والنهوض بالبحث العلمي في مختلف المجالات التي تتحكم بشكل كبير في الصحة النفسية للإنسان، وجعل مطلب النهوض بالصحة العقلية والنفسية عنصرا مركزيا ضمن مشروع إعادة هيكلة البنيات الاستشفائية على المستوى الوطني والجهوي، والاهتمام بأبعاد الصحة النفسية المرتبطة بتحولات ظروف العمل ونمط العيش، وبمظاهر الإقصاء الاجتماعي، وبتداعيات التمييز ضد النساء وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان على الصحة النفسية للمواطنين والمواطنات