تسجيل 24 ألف حالة «طلاق اتفاقي» في المغرب ..أهو دلالة على «رقي المرأة والرجل في حل مشاكلهما الثنائية»؟

admin
متابعات
admin18 نوفمبر 2024آخر تحديث : منذ 4 أيام
تسجيل 24 ألف حالة «طلاق اتفاقي» في المغرب ..أهو دلالة على «رقي المرأة والرجل في حل مشاكلهما الثنائية»؟

رسبريس – «القدس العربي»

الرباط ـ بين مجتمع الستينيات من القرن الماضي ومجتمع الألفية في القرن الجديد جسر جرت تحته مياه كثيرة ومتغيرات أعادت تشكيل ملامح المجتمع المغربي، حتى بات الجد لا علاقة له بالحفيد، من حيث الفكر والاقتناعات المعيشية وأولويات الحياة. كما هو الحال بالنسبة للجدة والحفيدة، الأولى كان محيطها المجتمعي يعتبر الطلاق وصمة تلاحق المرأة، والثانية تعيش في محيط لا يهتم بتفاصيل حياتها ولا يعتبر الطلاق سوى مرحلة من عدم التفاهم أو نوع من الاستقلالية أو جزء من أساسيات المعيش خارج دائرة الاضطرار.

«حليمة» التي بلغت عقدها الثامن، تؤكد أن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله، وأبغض الحلول عند الناس، وتقول: «الحمد لله لم أعش التجربة في عائلتي، كل نسائنا حافظن على بيوتهن وأزواجهن ولم نسمع منهن أي شكوى طيلة عشرتهن مع أزواجهن» وتستطرد: «هذا لا يعني أنه لم تكن هناك مشاكل، لكن كانت العشرة الطيبة والرضى بما قسم الله والصبر هي المفاتيح التي جعلت كل شيء يمر بسلام».
في الجهة المقابلة حفيدتها «عالية» في عقدها الثالث، استشاطت غضبا وهي تسمع كلمة «الصبر» فعلقت بعصبية: «كانت النساء خانعات وغير مستقلات ولا صوت لهن، لذلك كانت المشاكل تنتهي، لأن الزوجة هي التي كانت تتنازل دائما، أما الزوج فله الحق كل الحق في أن يكون هو صاحب الكلمة الفصل وأن يحظى بجبر الخاطر إن كسر وبالتهدئة إن غضب».
نموذج «حليمة» و«علية» الجدة والحفيدة، دليل على حجم المياه التي جرت تحت جسر المجتمع المغربي، لكن بينهما الأم «فاطمة الزهراء» وهي في عقدها الخامس تقف في الوسط، ورغم ذلك تتبنى فكرة ابنتها في كون الطلاق لم يعد يخيف المرأة أبدا، لكنه يشعرها بالتخلي، وتؤكد أن «طلاق المرأة هو بالفعل حدث مؤلم، لكنه ليس نهاية الحياة» وتحمد الله بدورها على عدم خوضها التجربة لأنها تزوجت من رجل لديه ما يكفي من الوعي لمعاملتها باحترام، على غير عادة جيله الذي تربى على اعتبار الزوجة ملكية وليست شريكة حياة. اليوم، في المغرب جيل آخر، جيل «عالية» و«أيمن» جيل الألفية الذي ينظر إلى الزواج كشراكة حياة أولا ومحبة ثانية، وقبل كل شيء تفاهم واقتناع بضرورة «ربط حياتك بشخص آخر» وذلك ما أكده الشاب صاحب العقد الثاني، وهو يقول: «الزواج اختيار، وعدم وجود أي دافع لذلك يجعله مستبعدا بالنسبة لي، خاصة أنني ما زلت أبحث عن نفسي وعن مستقبلي» ويضيف: «الوضع مختلف لسنا مثل آبائنا الذين تحملوا كامل المسؤولية في بيت الزوجية، اليوم الزواج يجب أن يكون متوازنا بين الرجل والمرأة، لذلك أرفض فكرة الزواج وأنا غير قادر على أن أكون المسؤول الأول والأخير عن البيت من حيث الانفاق وتدبير المعيش».
فكرة «أيمن» هي فكرة شباب كثر في المجتمع المغربي استرجعوا شخصيات الأجداد والآباء أيضا، ويرفضون فكرة الزواج من موظفة مثلا، كما يرفضون أن تكون النفقة على البيت متقاسمة، يريدون كل المسؤولية دون نقصان، وهو اقتناع فئة قد تكون قليلة لكنها تمكنت من خلق الجدل، وهي تطلق «هاشتاغ» في منصات التواصل الاجتماعي يؤكد اقتناعاتهم تلك.

الطلاق كقرار مشترك

التضارب في المواقف والقناعات لدى الشباب المغاربة، يقابله اضطراب العلاقات بين فئة المتزوجين الذين كثرت لديهم حالات الطلاق لأسباب مختلفة، لكن الطلاق لم يعد يخيف لا الزوج ولا الزوجة، بل صار مجرد فكرة أخرى تناقش، ويتم الوصول إلى قرار مشترك بخصوصها، وهو ما يفيد الرقم الذي أدلى به وزير العدل عبد اللطيف وهبي في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي) عندما كشف عن تسجيل 24 ألف حالة «طلاق اتفاقي» في محاكم المغرب هذه السنة، واعتبر هذا النوع من الطلاق تعبيرا عن رقي المرأة والرجل في حل مشاكلهم الثنائية.
وأبزر الوزير وهبي أن هذا الرقم لا يخيف، لأن عقود الزواج المسجلة في الفترة نفسها تبلغ أكثر من 249 ألفا، مشددا على رفضه تضخيم أرقام الطلاق في المغرب، لأن هذه الحالات لا تتجاوز نسبة 30 في المئة، علما أنها تصل في بعض الدول إلى 90 في المئة.
و»الطلاق الاتفاقي» كما يحيل عليه اسمه، نوع من الطلاق يحصل باتفاق الطرفين، الزوج والزوجة، على إنهاء الزواج بطريقة «سلمية» وبشروط يتفقان عليها مسبقًا. وفي هذا النوع من الطلاق، يتعاون الزوجان على اتخاذ قرار الانفصال، ويقومان بوضع ترتيبات حول مسائل هامة من قبيل: حضانة الأطفال وتربيتهم، النفقة والمصاريف المعيشية، تقسيم الممتلكات والأموال المشتركة، تحديد كيفية التواصل والزيارة مع الأطفال (في حال وجودهم). وتكون إجراءات الطلاق الاتفاقي عادةً أقل تعقيدًا وأقل تكلفة، مقارنة بأنواع الطلاق الأخرى، لأنه يقلل من النزاعات والمشاكل القانونية، كما يتيح للطرفين المزيد من المرونة في وضع ترتيبات تناسبهما بشكل أكبر.
وفي خضم حديثه، خاض وزير العدل المغربي بشكل مبطن في الجدل الذي يرافق التعديلات المرتقبة في مدونة الأسرة (قانون الأسرة) وأشار إلى من يحاولون تضخيم أرقام الطلاق في المغرب، مؤكدا أنه ليس هناك أي تصاعد لهذه الحالات، بل كل ما يحدث هو تهويل وتدليس في الأرقام التي تُوزَّع يمينا وشمالا، علما أن وزارة العدل هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن إصدار الأرقام، وزاد موضحا، أن التخويف من ارتفاع الطلاق والترويج لأرقام مغلوطة الغرض الأساسي منه هو استهداف مشروع مدونة الأسرة.
تصريحات وزير العدل في الغرفة الثانية من البرلمان المغربي كانت موضوع تثمين من قبل العديد من المتتبعين ولم يعترض عليها أحد، سوى الفئة الرافضة لأفكاره واقتناعاته بخصوص موضوع التعديلات على مدونة الأسرة، أما كون «الطلاق الاتفاقي» يعبّر عن رقي المرأة والرجل في حل مشاكلهما الثنائية، فقد كان موضوع ترحيب من طرف عدد من المتتبعين، لأنه ـ في نظرهم ـ يعبّر عن نضج المجتمع المغربي وتغير بنيته الفكرية أيضا.
مارية الشرقاوي، الكاتبة والباحثة في قضايا النوع، تطرقت إلى الأسباب التي تدفع الأزواج إلى سلوك مسطرة الطلاق الاتفاقي، وقالت في حديثها لـ «القدس العربي» إن «الطلاق الاتفاقي يعتبر نوعا من أنواع إنهاء العلاقة الزوجية» وأضافت أنه «إذا كان التطليق للشقاق مسموحا لكلا الزوجين سلوكه، إلا أن آثاره القانونية تختلف حسب من قام بتقديم الطلب، فإن كان الزوج فهو من سيتحمل تبعات تلك الآثار القانونية، وبالتالي يكون ملزما بأداء مستحقات التطليق تحت طائلة حفظ الدعوى، وإن كانت الزوجة من تقدمت بالطلب فلن تستفيد من مستحقات المتعة الخاصة بها» لذلك، توضح الباحثة «يبقى الطلاق الاتفاقي هو اتفاق بين طرفي الدعوى بحل عقد الزواج بتراض بينهما، وبتأكيد اتفاقهما أمام المحكمة التي لا محالة ستصادق على طلبهما، مع مراعاة ما إذا كان لطرفي الدعوى أبناء حيث ستكون المحكمة مضطرة إلى تجديد مستحقات الأبناء» إلا أن «الطلاق الاتفاقي يلزم طرفي الدعوى تتبع جميع إجراءات المحاكمة إلى غاية التوقيع لدى العدلين عكس أنواع التطليق الأخرى».
وعن أسباب اختيار «الطلاق الاتفاقي» من الجانب القانوني، تضيف المتحدثة أن هذا النوع من الطلاق «يلجأ له الأزواج الذين يتوفرون على اتفاق مسبق بينهما في مجمل إجراءاته بحضور أطراف العائلة أو بينهما فقط، ويتم تحرير عقد بالموضوع والتوقيع عليه ويصبح ملزما لهما وفق مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، وبالتالي لن تسلك هذه المسطرة الا شريحة اجتماعية معينة تتوفر على وعي ونضج فكري، أو أزواج لهم سمعة ووزن شخصي أو انتماء عائلي، بمعنى وضعية اجتماعية معينة يريدون الحفاظ عليها».
وحسب الباحثة مارية الشرقاوي، هناك سبب آخر يدفع الأزواج الذين يرغبون في إنهاء علاقتهم الزوجية إلى سلوك مسطرة «الطلاق الاتفاقي» يتمثل في كون هذه المسطرة «تستغرق إجراءاتها مدة زمنية قصيرة مقارنة بباقي أنواع الطلاق، بحيث تصدر المحكمة الحكم بالطلاق في الجلسة الأولى أو الثانية حسب برنامج جلسات كل محكمة، اللهم إلا إن كان هناك أبناء، ففي هاته الحالة المحكمة ملزمة بإعطاء فرصة للصلح أقصاها شهر».
وتوضح المتحدثة أن «تسجيل 24 ألف حالة طلاق اتفاقي لدى محاكم قضاء الأسرة، يعبّر عن ارتفاع نسبة الوعي لدى المغاربة وإدراكهم بأن حل عقد الزوجية يجب تدبيره بشكل راقٍ وبمسؤولية كبيرة تحفظ كرامة الأزواج وحقوقهم، بشكل فيه الكثير من التراضي، لتبقى العلاقات طيبة، سيما في حالة وجود أبناء».
من جهته، يقول الباحث والحقوقي، سامر أبو القاسم، إنه «ينبغي قراءة واقع الطلاق داخل مجتمعنا من زاوية تجنب التسطيح بالتشكيك في الأرقام والإحصائيات أو الاستخفاف بأهميتها، وتجاوز منطق التشبث المصلحي الضيق بالمواقف التي لا هي عقدية ولا هي مبدئية، وذلك في إدراك تام لضرورة تجسير تلك الحدود الفاصلة بين الثقافات والمرجعيات، وتفاديا لأي ردود فعل قد تكون غير مُدرِكة للأبعاد العميقة لمعضلة الطلاق، وتجنبا لأية مواجهات قد تكون مغلوطة حول الحرية الدينية والديمقراطية وحقوق الإنسان بسبب الانتشار المريع لأساليب التسلية السياسية والترفيه التواصلي».

معيقات الاستقرار الأسري

وأضاف أن «الأسرة اليوم مُعرَّضة باستمرار للوقوع في وضعيات مأساوية، ويتطلب الأمر صرف جهد من أجل إبراز أدوار الدولة ومختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والثقافيين، وكذا المواطنات والمواطنين داخل أسرهم، في الارتقاء بالقيم والاتجاهات الإيجابية لدى الأجيال الناشئة، عبر ضمان وإعمال الحقوق والحريات في واقع معيشهم اليومي، وتفعيل القانون ومساطره في حالات الخرق والانتهاك المؤديين إلى وقوع مآس مادية ونفسية واجتماعية مضرّة بأحوال الأسرة، ومرخية بظلال انعكاساتها السلبية على المجتمع والدولة بصفة عامة».
وفي سياق حديثه لـ «القدس العربي» عن مختلف زوايا الطلاق وقبله الزواج في المغرب، أفاد سامر أبو القاسم، بأن «أهمية التقييم والمساءلة تكمن في الوقوف على معيقات الاستقرار الأسري، ومحاولة تحديد القضايا والمشاكل التي ينبغي التغلب عليها، لتفادي الوقوع في وضعيات التنافي مع حقوق وحريات الأفراد بسبب كمون تلك المشاكل في قلب وثنايا العلاقات، ولاختصار تلك المسافات التي تفصلنا عن تيسير سبل العيش المشترك وعن إدراك حجم المسؤوليات التي تنتظرنا تجاه الأسرة لإيجاد مخارج إيجابية لمشاكلها، بدون تيه في مطبّ التراشق بالشعارات».
وأضاف الباحث والحقوقي المغربي أن «الوضع الراهن للأسرة يتطلب إعادة نظر في كيفية التعاطي مع مشاكلها، بالشكل الذي يسهل مأمورية تحديد معالم أفق ينعم بتحسين شروط عيش المواطنات والمواطنين داخل أسرهم في أمن وطمأنينة واستقرار وسلام، وتيسير شروط وظروف وتدبير ناجع للعلاقات داخل الدولة والمجتمع».
واسترسل المتحدث موضحا أن «الوضع الاجتماعي الحالي لمؤسسة الزواج ليس على ما يرام، والعلاقات الناتجة عن الزواج اليوم تتسم بالهشاشة، وحيثيات الوضع العام اليوم تفرض تعليم الأطفال، وولوج المرأة الحياة العملية والمهنية إلى جانب الرجل، والمشاركة الفاعلة في الفضاء المجتمعي والمؤسساتي العام، وتقوية قدرات النساء على حسن الاختيار وتقرير المصير، وهي كلها عوامل مُؤهِّلة للتخلص من هواجس وتخوفات الخروج عن نطاق احترام الأسرة وأخلاقيات بنائها وإقامة العداوة والكره والبغضاء بين الأزواج والزوجات».
«كما أن المرأة ما عادت اليوم مستعدة لتقبّل التحكم في مصيرها» يبرز أبو القاسم، مضيفا أنها «لم تعد تقبل بأدنى مما يحفظ لها حرية الاختيار والتصرف دون إكراه أو جبر أو انتزاع للأهلية. وما عاد الوضع يتسع سوى لرفع الحرج والحيف والقضاء على التمييز ضد المرأة في العقد، كمدخل لإقامة العلاقة الزوجية على أساس المساواة والمعاشرة بالمعروف، خاصة وأن واقع الزيجات أفضى ويفضي إلى فوضى أسرية، ويُقوِّض كل ما أحيط بالأسرة من أنواع الرعاية والعناية، ويؤدي بالتالي إلى إفساد كل ما يمكن إصلاحه من اختلالات في العلاقات الزوجية».
ويرى الباحث نفسه أن «هشاشة البنية الأسرية، وظروف العيش الصعبة لعائلات النساء المطلقات، وانحياز القانون للرجل.. كل ذلك كان وما يزال يعزز مطلب جعل الطلاق بيد القضاء وأحقية تولي المطلقة الحاضنة المسكن العائلي وحصولها بالتساوي مع المطلق على الممتلكات الزوجية، وتُرسِّخ قناعة وجوب المواكبة الجماعية لنمو الأولاد وتنشئتهم دون تملص أي طرف من هذه المسؤولية المشتركة إلى غاية وصولهم إلى بر الأمان، وتؤكد على أهمية دور مؤسسات الدولة في توفير الحماية الاجتماعية لضحايا الطلاق الذي ما فتئت نسبه تعرف تزايدا مطردا».

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.