نظم مختبر السرد و الأشكال الثقافية و التخييلية ندوة وطنية تحت عنوان “السؤال الثقافي و التحولات الاجتماعية : المثقف و الثقافة، الأدوار و الوظائف”، و ذلك في بداية هذا الأسبوع بكلية الآداب و العلوم الإنسانية، جامعة السلطان مولاي سليمان-بني ملال، و التي أطرت من قبل كل من الأستاذة نبيلة منيب و الأستاذ محمد حمزة و الأستاذ عبد الرحمان غانمي و الأستاذة فاطمة الزهراء صالح، و قد حظر هذه الندوة مجموعة من الأساتذة و الطلبة و أيضا المهتمين بالشأن الثقافي .
وقد افتتحت أشغال هذه الندوة التي ترأستها الأستاذة فاطمة الزهراء صالح، بكلمتي ترحيب و شكر لكل من عميد الكلية الأستاذ يحيى الخالقي، و مدير مختبر السرد و الأشكال الثقافية و التخييلية الأستاذ غانمي عبد الرحمان، و الذي بالإضافة إلى أنه رحب بالضيوف، فقد تحدث عن الظروف العامة التي جاءت فيها فكرة تنظيم هذه الندوة الأولى من نوعها بالجامعة المذكورة، و أيضا طرح العديد من الأسئلة التي اعتبرت أرضية للنقاش، و أهمها : لماذا المثقف ؟ و لماذا الثقافة ؟
منيب : نعيش ردة ثقافية بسبب الإسلام السياسي
قالت الأستاذة نبيلة منيب أن مجتمعاتنا اليوم تعيش ردة ثقافية، مشيرةً إلى أن هذه الردة متصلة بـ”الإسلام السياسي” أو بـ”التأويلات الخاطئة لديننا” التي اعتبرتها “جهلاً مقدساً” يُحاول من خلالها المتمسكين بالسلطة السياسية و الدينية، الذين يهيمنون على المشهد السياسي، الحفاظ على بقاء أبناء الشعب في “الفقر الفكري و الجهل”، و بالتالي يُصبحون “لقمة سائغة لهم” .
وذكرت الأستاذة الجامعية (جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء) في مداخلتها التي عُنونت بـ : “المثقف و الثقافة”، أن في تراثنا العديد من الأسماء من أمثال “رفاعة الطهطاوي” و “محمد عبده” و “فاطمة المرنيسي” و “طه حسين” و “محمد عابد الجابري” و “عبد الله العروي”… مؤكدةً أن “هؤلاء حاولوا إعادة قراءة تراثنا الحضاري و الديني بشكل تنويري، يحترم الإنسان، و عقل الإنسان، بهدف التمكن من التقدم”، و أضافت بأسف أن فعلاً هؤلاء “أسسوا لنهضة، لكنها ظلت مؤجلة” .
وأشارت الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، في نفس الندوة و التي شارك فيها أيضا الأستاذ “محمد حمزة” بمداخلة بعنوان : “الثقافة و أسئلة الراهن”، إلى أن غياب السياسي المثقف آنيا، كـ”عبد الله ابراهيم” و “المهدي بن بركة” و “عبد الرحيم بوعبيد”، الذين اعتبرتهم يشكلون تميزا في العالم العربي و المغاربي، “ساهم في الردة الثقافية التي نعيشها” وفق تعبيرها.
وزادت أن “السياسي اليوم يُشارك من منطلق أنه سياسي، و لا يبحث عن تثقيف نفسه، و لا على تطوير مشروعه المجتمعي” معتبرةً أن هذا الابتعاد عن الثقافة هو الذي جعل ” %70 من المغاربة لم يعودوا يثقون في السياسي و لا في البرامج السياسية ” .
هذا، و قد أكدت للحضور و خصوصا للطلبة، على أن “السياسة لن تتغير إلا كانت هناك مشاركة واعية و انخراط واعي، مبني على أسس ثقافية، و على الدراية بخبايا الأمور، حتى لا ندافع عن المشاريع التي ستخربنا، كأفراد و كمجتمع” في إشارة منها إلى مشاريع أصحاب الإسلام السياسي و الذين قالت أنهم “لا يستطعون الإجابة على سؤال العدالة الاجتماعية، و لا على سؤال الكرامة، و لا على سؤال الحرية” نظرا لكونهم لا يقرؤن غير الكتب الدينية ، و يرددون “الإسلام هو الحل، و هم سادين دماغهم” حسب تعبيرها .
الإنسان بالثقافة يعانق إنسانيته
ومن جهته، فقد انطلق الأستاذ محمد حمزة، من فكرة رئيسية و هي أن : “الإنسان كائن طبيعي ، إلا أن الثقافة تُبعده عن هذه الطبيعة، لكي يُعانق إنسانيته” .
هذا، قبل أن يُعرف المثقف بكونه “المشتغل في مجال الفكر أو الآداب أو العلوم أو التاريخ.. ولكن يدافع عن قضايا حقوق الإنسان” ، مؤكداً على أن “اسم المثقف” مرتبط بالدفاع عن حقوق الإنسان. و أضاف بأن المثقف أيضا هو كل مُنظر يشتغل بآليات الفكر على إبداع ايديولوجية جديدة .
وتسأل كيف يمكن للفرد أن يُصبح مثقفا ؟ و أجاب بتحقق ثلاث شروط ضرورية :
- أولا، الجرأة على استعمال العقل (كانط) أي الكشف عن الحقيقة .
- ثانيا، الشجاعة الفكرية، أي عدم الخوف .
- ثالثا، التبشير بمشروع مجتمعي .
وميز محمد حمزة، و هو عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد، بين “المثقف العضوي” أو “التقدمي” الذي يحمل مشروعا ثقافيا بديلا للمجتمع، و بين “المثقف التقليدي” المحافظ.
وقبل استحضاره للمفكر المغربي عبد الله العروي، و يؤكد عبره، على “ضرورة القطيعة مع الماضي، و التطلع للمستقبل، و بالتالي تجاوز تأخرنا التاريخي”، فقد عاد إلى الحضارة الأوربية، و قال بأن أوروبا لم تنهض إلا بعد الثورة و القطيعة مع “فكر كله لغز” و “القوى الخفية” و بدأ “الشرح الموضوعي” .
وأشار ذات المتحدث، من خلال مداخلته “الثقافة و أسئلة الراهن”، إلى أن “المشكلة في مجتمعنا هي أننا نعيش في عصر الانترنيت، و بدماغ ماضوي”، مؤكدا على “ضرورة الحسم بين هذه الثنائية” و تبني “الوضوح مع أنفسنا” كي “لا نبقى نقوم بأشياء، و لا نعرف لماذا ؟” .
وأكد الأستاذ محمد حمزة، خلال مداخلته، على أن عبد الله العروي جاء “بفكر عقلاني، و يتمثل في استخدام المنطق، و اعتماد المصلحة، و القطيعة مع التراث، رافضا أي حل وسط بين العقلين : الموروث و الحداثي”، مشيراً إلى أن العروي “يُطالب بتحويل العقل إلى عقلانية” .
وقد استحضر نفس المتحدث، ثلاث تعاريف لتوضيح العقلانية، أهمها تعريف “إدغار موران” الذي يعتبر العقلانية على أنها مهمة تربوية للكشف عن مصادر الأخطاء، بمعنى أن العقلانية و حسب تعبير محمد حمزة “هي حصانة ضد الخطأ” .
وأشار إلى أن إدغار موران يميز بين “العقلانية” و “التبرير العقلاني”، معتبرا أن المنتشر في المغرب هو التبرير العقلاني و الذي يشبه العقلانية لكن لا علاقة له بها .