وكالات
خلال العقدين الماضيين، شهد قطاع صناعة الطائرات في المغرب نموا متصاعدا ليشكل بذلك قصة نجاح، وفق خبراء اقتصاديين.
وفي 18 يناير الماضي، قال وزير التجارة والصناعة رياض مزور، أمام أعضاء مجلس المستشارين، حول صناعة الطائرات بالبلاد، إن المملكة “تصنع حاليا 41 بالمئة من أجزاء الطائرة، وتصنع أيضا أجزاء الأقمار الصناعية”.
وأوضح الوزير أن “السياسات الصناعية المتعاقبة (بمجال صناعة الطائرات) منذ عام 2005 وحتى 2022، حققت تراكمات كبيرة جدا”.
وأضاف أن المدير العام لشركة صناعة الطائرات الأوروبية “إيرباص” غيوم فوري “يقول إنه ليست هناك طائرة تحلق في السماء لم يصنع المغرب أحد أجزائها”.
أسباب النجاح
واعتبر محمد جدري، الخبير الاقتصادي المغربي، أن “هناك إرادة سياسية قوية للمرور بالمغرب من اقتصاد فلاحي إلى اقتصاد صناعي”.
وأضاف أن “البلد يتوفر على بنية تحتية ملائمة ومتطورة، منها المناطق الصناعية المتواجدة في طنجة والدار البيضاء والقنيطرة “.
وزاد: “توجد بنيات تحتية آخذة في التطور لاحتضان المستثمرين الأجانب الذين يرغبون في الاستثمار بالقطاعات الصناعية، ومنها صناعة الطيران”.
وأوضح أن “المملكة طورت من الكفاءات في ميدان صناعة الطيران، وتوفقت في نقل التجربة من الأطر الأجنبية إلى نظيرتها المغربية”.
ولفت جدري، إلى أن “قصة النجاح هي بفعل مجهودات وعمل بُذل على مدى السنوات العشر الماضية”.
وذكر أن “الأمر مرتبط أيضا بالتحفيزات الضريبية وبإصلاح القطاع الجبائي وبدعم تنافسية الأبناك لضمان تمويل المشاريع”.
واستطرد: “ومساهمة موقع المغرب الاستراتيجي في هذا النجاح، وهو البلد القريب من أوروبا وبوابتها نحو إفريقيا”.
استثمارات متزايدة
خلال عقدين (بين أعوام 2000 و2019) أُحدثت 142 شركة، في مجال صناعة الطيران بالمملكة، يعمل بها 17.5 ألف موظف مؤهل، 40.6 بالمئة منهم نساء، بينما تقدر صادرات القطاع بـ 1.9 مليار دولار، ونسبة الإدماج بأكثر من 38 بالمئة.
وكانت شركة “لو بستون” الفرنسية، أعلنت في 10 فبراير/ شباط 2021، افتتاح مصنع لها في المغرب، لإنتاج أجزاء ميكانيكية ذات تقنية عالية لصناعة الطيران، بمدينة الدار البيضاء.
وفي 9 غشت الماضي، أعلنت السلطات المغربية أنها شرعت “في الترويج لإمكانيات قطاع الطيران المغربي لدى المستثمرين الأمريكيين”.
وفي الـ31 من الشهر ذاته، أفادت وزارة الصناعة والتجارة بتوقيع عقد مع شركتين بلجيكية وسويسرية، متخصصتين في مجال الطيران، لتدشين مصنع لتجميع هياكل طائرة “PC-12” بالدار البيضاء.
وقالت الوزارة، في بيان آنذاك، إن “شركتي (سابكا) البلجيكية و(بيلاتوس) السويسرية، وقعتا عقدا للتجميع الكامل لهياكل طائرة (PC-12)، عبر تشييد مصنع على مساحة 16 ألف متر في الدار البيضاء، باستثمار يبلغ 180 مليون درهم (18 مليون دولار)”.
و”PC-12″ طائرة فريدة من نوعها تستطيع الهبوط على مدرج غير مهيأ، ومنذ قيامها برحلتها الأولى في 1994، استطاعت أن تبقى الطائرة الأكثر مبيعا ضمن فئتها حتى اليوم، حيث تم بيع أزيد من 1800 نسخة منها.
مناخ الاستثمار
وقال إدريس الفينة، الخبير الاقتصادي المغربي، إن “استراتيجية أول مخطط اعتمده المغرب في 2005 يهم القطاع الصناعي، اهتمت بالمهن العالمية ومنها ما يتعلق بصناعة الطائرات”.
وأضاف للأناضول، أن “الدخول في السلسلة العالمية لتركيب الطائرات كان هدفا سطره المغرب، وذلك يتم عبر مراحل”.
وتابع: “كل دولة تتخصص في مجال معين، وحصة المغرب بدأت تتوسع فأصبحت له قيمة مضافة، ولم يعد يهتم بتركيب أجزاء الطائرات فقط، بل بادر إلى خلق وحدات للتصنيع تطورت لتصبح فروعا لشركات عالمية”.
واعتبر الفينة، أن “البلد وفر للشركات المصنعة مناخا ملائما للاستثمار، ما جعل قطاع الطيران يتطور بسرعة مهمة جدا، ويساهم في تحسين الميزان التجاري”.
وأكمل: “قطاع صناعة الطائرات بالمملكة، تدعمه بقوة تكنولوجيا الطيران المتطورة التي يتوفر البلد على مقومات التمكن منها، ما يؤهل القطاع ليصبح ناقلا للتكنولوجيا، وموزعا لها على قطاعات أخرى صناعية بهدف استبدال الواردات”.
إكراهات وتحديات
كما ذكر الفينة، أن هناك إكراهات يعانيها قطاع صناعة الطائرات رغم النجاحات المنجزة، موضحا أنه “مطلوب تهيئة المزيد من المناطق الصناعية لاستيعاب المستثمرين الأجانب”.
وأردف: “يجب إبرام شراكات بين القطاع الخاص والدولة لتوفير الأراضي (المخصصة للاستثمار) ودعم إنتاجية القطاع”.
وزاد: “على مستوى اليد العاملة، المغرب اعتمد برنامجا للمدن المتخصصة في المهن وتكوين الكفاءات، وحصة قطاع صناعة الطائرات مهمة جدا”.
وخلص الخبير الاقتصادي إلى أنه “على مستوى الموارد البشرية ليس هناك أي عائق، لكن التحدي هو توفير مناطق صناعية بأثمان وظروف مناسبة”.
واختارت كبرى الشركات العالمية في مجال الطيران، مثل “بوينغ” و”سافران” و”هيكسيل” و”إيتون” و”ألكوا” و”ستيلا” وغيرها، الاستثمار في المغرب.
وتقول وزارة الصناعة والتجارة، في موقعها الإلكتروني، إنه “خلال 18 سنة، تمكن البلد من تشييد قاعدة متنوعة للطيران عالية الجودة، وذات قدرة تنافسية”.