حياة جبروني
بحضور نوعي ووازن لنخبة من أساتذة وطلبة باحثين ومهتمين…، نظم مختبر التراث الثقافي والتنمية بجامعة محمد الأول بوجدة كلية الاداب والعلوم الإنسانية برحاب نداء السلام، يومان دراسيان 20-21 2023 صباحا حول “قضايا التراث وعلوم اليوم .. دراسات ومراجعات” لصالح الطلبة والطلبات الباحثين في سلك الدكتوراه.
اتسم اليوم الأول من الدراسة بجلساته، بالعمق وبقدر وافر من الدقة والموضوعية وكذلك الجرأة في مساءلة التراث وضرورة استجابته لروح البحث والتجديد لقراءة نص من النصوص أو ظاهرة من الظواهر التراثية، باعتباره مدخلا أساسيا لدراسة الماضي واستيعاب الحاضر واستطلاع المستقبل.
تم القاء الكلمة الأولى وفقا للبرنامج المسطر من طرف اللجنة المنظمة للتظاهرة العلمية، الدكتور عبد الجبار مديوني بالنيابة عن عميد كلية الاداب والعلوم الانسانية وجدة، عبر عن سعادته بالمحفل العلمي والقائمين على انجاحه منوها بالمجهودات المبذولة من أجل اثراء مختبر التراث الثقافي والتنمية الذي اعتبره أكثر مختبرات الكلية وطنية، لأهمية وجدية البحث في عمق تاريخ الروافد الثقافية المغربية. الشيء الذي أكده وأثنى عليه الدكتور محمد بنقدور مدير مختبر التراث الثقافي والتنمية إذ اعتبر هذه الدراسة العلمية حدثا نوعيا بحثيا في إطار المختبرات التي تتبناها الكلية. فالتراث كما جاء على لسان مدير المختبر أقرب شيء لروح الوطنية وللتلبية الوطنية. من جانب اخر تضمنت مداخلته باختصار شديد عدة تنبيهات وإشارات تهم المختبر وقضايا التراث.
أما الدكتور عزيزي عبد المالك مدير قطب دراسات الدكتوراه، فقد تطرق بعد ذلك إلى عنوان اليوم الدراسي “قضايا التراث وعلوم اليوم.. دراسات ومراجعات” وخصه بقراءة تحليلية مختصرة ومركزة وحفز الطلبة الباحثين على البحث والتنقيب عن مواقع أثرية موغلة في القِدم تحتفظ بمؤهلات تراثية وثقافية غاية في الأهمية من حيث قيمتها التاريخية والأثرية.
وعلاقة بالموضوع وبأهمية البحث العلمي في مجال التراث، أكد الدكتور العياشي الدراوي منسق اليومين الدراسيين بدوره، أنه غالبا ما كان مصطلح التراث مرتبطا بما هو جانبي وقديم ومتجاوز بعيد عن الحداثة والمعاصرة. كما تتجلى أهمية وإجادة التراث دائما حسب الاستاذ العياشي في تحريك البنى العلمية والفكرية والثقافية من أجل تطويره وتحديثه كصيغة جديدة للبحث تستوجب عقلية مختلفة ترتكز على الابحاث العلمية المستمرة.
فالتراث كما جاء في ورقة منسق الدراسة العلمية، هو رجوع فكري شعوري من أجل تجديد النظر فالتراث لن يكون تراثا مغريا، محفزا على التطور والتقدم إلا من خلال علاقة منسجمة قائمة على وعي ابستمولوجي تستند إلى تجديد النظر المعرفي فيما هو موجود على كافة المستويات والأصعدة.
فاكتشاف التراث وتحديثه لن يتحقق الا باتساع دائرة النقد والمساءلة والاختلاف وتعرية المسكوت عنه.
فما هو مقدس كما جاء على لسانه محدود في التراث، والباقي مفتوح على امكانات علمية وفكرية. والرجوع إلى الإنسانية الكلية يشترط التحرر من سلطة النص والتجزيئ والتحرر من التصنيف الضيق للعلوم والانتصار للفكر الانساني الذي لا يعترف بحدود سيادية ولا مناطق جغرافية تضبطه ولا أحيانا نزوعات اديولوجية تحكمه.
وفي نفس السياق ألقت الدكتورة الزاهية أفلاي على مسامع الحضور خصوصا طلبة الماستر والدكتوراه المسجلين في المختبر، محاضرة مسهبة من خلال سؤال محوري: “كيف يمكن أن نساهم في التنمية من خلال الاشتغال على التراث؟
خصت الأستاذة أفلاي ورقتها بالتعريف بالتراث ومميزاته و خصائصه ومقوماته لتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية بشرط العناية به كتراث بشقيه المادي واللامادي والبحث عن سبل تنميته وتسويته باعتباره موردا رئيسيا للتنمية يستند على الحركية والانتاجية والاستمرارية وحضور الذات وحضور المجتمع… ناهيك عن مساهمته في التنمية باستحضاره وجعله فاعلا مهما في خلق الذات والمجتمع وقضاياه التي اشتغل عليها المفكرون والأدباء والشعراء وغيرهم كثير. ثم انتقلت إلى مسألة التراث وكيفية جمعه والعناية به في مراحل الاستعمار الفرنسي والاسباني بهدف السيطرة تراثا وبالتالي فكرا. ثم تأتي مرحلة العناية بالتراث عند المغاربة فكان لابد من الرجوع الى الوراء لتأصيل الذات في مرحلة البناء. وتنتقل إلى صناعة نسخ المخطوطات وعلاقتها الوثيقة بالتنمية حيث امتد عدة قرون بالمغرب وهو الأمر الذي تناوله ابن خلدون على سبيل المثال لا الحصر في كتابه “العبر”. والنساخ أنواع: النساخ العلماء، النساخ الهواة، النساخ المؤقتين ومخططون، ارتبطوا بطلبة العلم والأمراء والملوك….
ويمكن تلخيص محاضرتها حول التراث في مجموعة من النقاط أهمها: مفاهيم-العناية بالتراث سبيل لتحقيق التنمية-العناية بالتراث عند المغاربة-تحقيق التراث-نسخ المخطوطات-عناية الجامعة بالتراث من خلال أبحاث الطلبة والمختبرات مع تحديد الغايات وتقديم المقترحات التي تساعد على الاشتغال داخل المختبرات.
أما اليوم الدراسي الثاني فقد عرف مشاركات ومداخلات مكثفة للطلبة الباحثين في المختبر موزعة على أربع جلسات.