أثار سحب
الجزائر طلب تصنيف فن “الراي” كتراث غنائي وموسيقي جزائري لدى منظمة الأمم المتحدة
للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”، تساؤلات وغضبا شعبيا وثقافيا واسعا.
ضاعف الغضب، كون الملف جرى تقديمه قبل أكثر من 4 سنوات، إضافة إلى إقرار “يونسكو”
نفسها في إحدى إصداراتها، أن “الراي” فن نشأ غربي الجزائر.
و”الراي”، موسيقى تستمد جذورها من الأغنية الوهرانية (نسبة لمدينة وهران)، كانت
بدايتها على أيدي الشيخات (مغنيات محليات)، أما الشهرة فنالها نجوم الجيل الجديد
الذين يطلقون على أنفسهم الشاب والشابة، تميزا عن الجيل المؤسس.
أسباب تقنية
عام 2005، أصدرت “يونسكو” نشرة خاصة باللغة الفرنسية، عن الأنواع الموسيقية
الإفريقية، قالت فيها إن “الجزائر التي تعتبر نفسها موطن موسيقى الراي بامتياز،
أخرجت هذا النوع الغنائي خلال القرن الماضي بمنطقة وهران غربي البلاد”.
وفي 13 مارس 2016، تقدمت الجزائر بطلب إلى يونسكو، لتصنيف فن “الراي” تراثا غنائيا
وموسيقيا جزائريا للحفاظ عليه من الاندثار.
وفي 7 ديسمبر الجاري، أعلنت وزارة الثقافة الجزائرية، سحب طلب إدراج “الراي” ضمن
التراث العالمي من يونسكو.
وذكرت الوزارة في بيان، أن القرار جاء “ضمن المتابعة الدورية لتثمين التراث
الثقافي اللامادي الجزائري كتراث عالمي، لاحظت نقصا في العناصر المكونة للملف
المودَع وهو ما يُضعف أسباب نجاحه”.
وأضاف البيان: “وعليه تقرر تدعيم الملف في الدورة المقبلة بعناصر جديدة تتماشى
والإجراءات التقنية، التي تشترطها الهيئات الاستشارية ليونسكو”.
وفي محاولة لاستيعاب ردود الفعل الرافضة للقرار، خرجت وزيرة الثقافة الجزائرية
مليكة بن دودة، في اليوم التالي، لتشدد على أن “سحب ملف فن الراي من اليونسكو
أسبابه تقنية بحتة”.
وقالت بن دودة، في تصريح لجريدة “الفجر” المحلية إن “الملف سُحب لعدم اقتناع
اللجنة الدولية باليونسكو بمكوناته، فالملف ناقص تقنيا”، دون أن توضح أكثر.
وأوضحت أن “الملف سيعاد، وسيعزز حتى لا يُرفض، ويضمن بذلك كل أسباب النجاح”، مشيرة
إلى أن “الملف لا علاقة له بالمغرب واللجنة على مستوى اليونسكو حريصة جدا على أن
يوضع الملف بشكل سليم”.
مسؤولية من؟
يعد “الراي”، الموسيقى الوحيدة التي تمكنت من بلوغ العالمية في وقت قياسي، حتى أن
القاموس الفرنسي “لاروس” أدرج كلمة “الراي” في 1998 ضمن مصطلحاته، وفقا لما أورده
الصحافي الجزائري سعيد خطيبي، مؤلف كتاب “أعراس النار.. قصة الراي”.
ويضيف خطيبي، أن أول مهرجان للراي نظم بوهران عام 1985، تلاه مهرجانان بمدينتي
وجدة (شرقي المغرب على حدود الجزائر)، وطبرقة (غربي تونس، قريبة من الجزائر)، فيما
نُظم أول مهرجان بباريس في 1987.
ويرى أن “الجواب عن سؤال لماذا سحب ملف فن الراي من اليونسكو، بيد الإدارة السابقة
في وزارة الثقافة، (فترة عزالدين ميهوبي 2015-2019)”.
ويبيّن أن “الوزارة السابقة هي من تكفلت بإعداد الملف، وسبق أن طالعنا تصريحات منذ
أكثر من سنتين تقول فيها إن الملف جاهز”.
ويستدرك: “قبل أن نكتشف فجأة قبل بضعة أيام، أن الوزارة الحالية قد سحبته، بعدما قدرت
أنه غير مكتمل وتنقصه بعض العناصر”.
ويتابع: “من المستغرب بعد أكثر من أربع سنوات على إدراج ملف الراي لتصنيفه ضمن
التراث الإنساني اللامادي، يتم اكتشاف أنه غير مكتمل”.
ويزداد التساؤل أكثر، وفق خطيبي “حين نعلم أنها ليست المرة الأولى التي تقدم فيها
الجزائر ملفا لتصنيف نوع فني، إذ سبق لها أن نجحت في تمرير ملف أهليل القرارة
(تراث موسيقي ينتشر بمحافظة أدرار جنوبي البلاد) والمناطق المجاورة لها”.
ويتساءل: “بما أن القضية باتت قضية رأي عام، ماذا حصل الآن كي يتأجل مشروع موسيقى
الراي؟”.
ويختتم: “أتمنى من الإدارة السابقة (فترة الوزير السابق ميهوبي) أن تخرج للعلن،
وتوضح أسباب نقصان ملفها”.
ضغط مغربي
أما الكاتب والصحافي الجزائري إدريس بوسكين، يرى أن سحب الملف من يونسكو، “له
علاقة بالتحركات الدبلوماسية المغربية في فرنسا، وسط تأثير اللوبي اليهودي هناك”.
ويقول بوسكين إن “المغرب يهدف للحصول على ترشيح ثنائي لهذا الملف، ليسجل باسم
البلدين مثل ملف الكسكسي (أكلة تقليدية شهيرة في المغرب العربي)، الذي سجل باسمهما
رفقة تونس وموريتانيا”.
ويشير إلى أنه “سياسيا، فرنسا واللوبي اليهودي يعدان الداعم الأكبر لأطروحات المغرب
السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية بالنظر للعلاقات التاريخية المتميزة بين
فرنسا والمغرب وبين الأخير وإسرائيل”، وفق تعبيره.
ويستدل بوسكين على ذلك، بأن “المديرة الحالية للمنظمة هي أودري أزولاي، فرنسية من
أصول يهودية مغربية، وعلاقتها وطيدة بالمغرب، وهي مرشحة بقوة لعهدة (فترة) ثانية،
بدفع من فرنسا ولوبيات يهودية”.
ويوضح أن “الحل بالنسبة ليونسكو في التصنيف الثنائي للملف، ولو عبر الفصل الزمني
كما في حالة خبز لافاش التقليدي، المنتشر في بلاد القوقاز وآسيا الوسطى، إذ أنه
سُجل باسم أرمينيا في 2014، ثم سجل باسم عدد من البلدان الناطقة بالتركية في
2016”.
ويشدد الكاتب الجزائري، على أن “الكرة لا تزال في ملعب الجزائر، لأن البيانات
الثقافية والمصادر التاريخية وتاريخ هذا الفن في المجتمع الجزائري، تؤكد أنه تراث
غنائي جزائري محض”.
(الأناضول)