الأستاذ حسوني قدور بن موسى
المحامي بهيأة وجدة
في الدول الديمقراطية يساهم المواطنون في صنع القرارات السياسية و في وضع القوانين بغض النظرعما أذا كان يتم ذلك من خلال التصويت ، أو تقديم طلبات الالتماس ، فالقانون هو فرع من فروع العلوم الاجتماعية ، والقوانين تظل فارغة خالية من الحياة إذا لم تكن معبرة عن رغبة المجتمع في تنظيم نفسه بل و تولد ميتة إذا كانت تخالف توجهات الشعب و طموحاته و آماله
إن المعنى الاصطلاحي للقانون الوضعي كما اتفق عليه معظم فقهاء القانون هو ” مجموعة القواعد المطبقة في مجتمع معين، وتكون ملزمة للأفراد في المجتمع بما تملكه السلطة العامة فيه من عنصر الإجبار” و ما دامت هذه القوانين تلزم الأفراد و تجبرهم على احترام قواعده ، ففي المقابل يحق لهم الاشتراك في وضعها أو على الأقل تقديم اقتراحات و ملتمسات في شأنها ، لكن وضع القوانين من طرف شخص واحد أو مجموعة معينة دون إشراك الشعب يعتبر عملا مخالفا لقواد الديمقراطية ، فالقانون الجنائي و المسطرة الجنائية و تنظيم السلطة القضائية بما فيها سلطة النيابة العامة هو مشروع سياسي بالأساس و توجه شعبي مرتبط ارتباطا وثيقا بحقوق و حريات المواطنين يعبر عن مصالحهم و على هذا الأساس فان كل ما هو مرتبط بحقوق و حريات المواطنين يجب أن يكون تحت المراقبة و المحاسبة و إلا أصبحت السلطة القضائية خارج هذا الإطار تفعل ما تشاء دو حسيب و لا رقيب ، و من ثمة تتحول إلى آلة لطحن الخصوم السياسيين و كم أفواه النقاد و المعارضين و الزج بهم في السجون و لا يحق لأي شخص أن يعارض أو يقدم ملاحظات حول الشطط و التعسف الذي ترتكبه سلطة النيابة العامة ، ففي الدول الديمقراطية ليس هناك سلطة مطلقة فوق الجميع لا تخضع للمراقبة و المحاسبة لأن السلطة المطلقة مفسدة و نقيض للديمقراطية و أن من يتحدث عن وجود سلطة لا تخضع لمراقبة الشعب عن طريق البرلمان- على علته – يريد العودة بنا إلى عهد حكم الطاغية الفردي الذي يجمع بين يديه جميع السلطات، فإذا كنا فعلا نعيش في دولة الحق و القانون و الديمقراطية و حقوق الإنسان فيجب أن تكون جميع السلطات تحت مراقبة الشعب و خاصة السلطة القضائية التي أوكل إليها الشعب حماية حقوقه و حرياته ، فلما تولى أبو بكر الصديق الخلافة قال : ” أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني بسيوفكم ، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه ” ، و هذا يعني في الشريعة الإسلامية إخضاع الحاكم للمراقبة و المساءلة و المحاسبة.
إن اتفاقية ألأمم المتحدة لمكافحة الفساد الملزمة لكل الدول تسعى إلى تعزيز النزاهة و المساءلة و المحاسبة داخل كل بلد و دعم التعاون الدولي في مجال مكافحة الجريمة المنظمة ، فليس من المقبول دوليا أن تكون النيابة العامة في بلادنا لا تسأل و لا تحاسب أمام الشعب .
إن تعديل و تغيير القانون الجنائي و قانون المسطرة الجنائية يخضع لرأي الشعب ، فعلى سبيل المثال فان عقوبة الإعدام في فرنسا اختلف الرأي بشأنها و تغير كثيرا ، في سنة 1908 أظهرت استطلاعات الرأي أن 77 في المائة من المواطنين كانوا مؤيدين لعقوبة الإعدام و في سنة 2007 فان 52 في المائة من الفرنسيين ضد عقوبة الإعدام و 45 في المائة يؤيدون عقوبة الإعدام ، كما ألغيت جريمة الخيانة الزوجية من القانون الجنائي الفرنسي و تم تجريم تعدد الزوجات ، فجميع القوانين و تنظيم السلطة القضائية في فرنسا خضعت إلى رأي الشعب الفرنسي و ليس إلى رغبات و أهواء رئيس الجمهورية أو الوكيل العام للجمهورية ، و من يقول أن : ” نيابة عامة تابعة للوكيل العام هي القادرة على رسم سياسة جنائية إقليمية ” يسير في الاتجاه المعاكس لإرادة الشعب ، أصبحنا نعيش وضعية تحكمية ، فالبرلمان بمجلسيه غير قادر على مساءلة وزير العدل الذي تم تجريده من سلطته على النيابة العامة و غير قادر كذلك على مساءلة الحكومة فيما يخص أعمال النيابة العامة و الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض يقول أن القانون لا يسمح لها بالوقوف أمام البرلمان ، فمن يساءل و يراقب النيابة العامة في هذه البلاد ؟ في تصريح للسيد وزير العدل والحريات سابقا، قبل المصادقة على مشروع الإصلاح ، قال بأن إبعاد النيابة العامة عن وزارة العدل في غياب ضمانات دستورية وقانونية يعتبر خطا تاريخيا سنتحمل تبعاته في المستقبل ، هذا صحيح ، لأن وزير العدل يمثل حزب سياسي صوت عليه الشعب على كل حال لتنفيذ مشروع سياسي اختاره الشعب و دستوريا يمكن مساءلته و محاسبته أمام البرلمان لكن عدم إخضاع النيابة العامة للمراقبة و المساءلة يعتبر مسألة خطيرة جدا لكون هذا الجهاز القضائي يتولى وظيفة الاتهام في الدعوى الجنائية تصل إلى حد الإعدام و هو جزء من السلطة التنفيذية و تابع لها ، وظيفته هي حماية مصالح الدولة، و الأصل التاريخي للنيابة العامة في فرنسا هو أداة لتمثيل الملك وحماية مصالحه و أن أعضاء النيابة العامة ليسوا سوى وكلاء للسلطة التنفيذية لدى المحاكم لهم تأثير كبير على حقوق و حريات المواطنين، وتعد مباشرة هذا الحق من مستلزمات عمل السلطة التنفيذية والسلاح الذي أعطاه المشرع إياها لتستعين به في أداء مهمتها وعلى هذا الأساس فإن الحكومة هي التي تقوم أصلا بتعيين أعضاء النيابة العامة ويكون من سلطتها أن توجه إليهم الأوامر لتنفيذها وبناءا على ذلك فهي مسؤولة عن أعمال النيابة العامة وهذه المسؤولية تتداخل مع المسؤولية الوزارية أمام البرلمان التي قد تتعرض لها الحكومة فيما يتعلق بإقرار النظام وتبرير رفع الدعوى الجنائية عما يرتكب من جرائم و لهذا فان القول بعدم إخضاع سلطة النيابة العامة للمراقبة و المساءلة يعتبر خروجا عن قواعد الديمقراطية، إن النظام السياسي في المغرب لا زال لم يشق طريقه إلى مستوى الديمقراطية لأن فصل السلطات لا زال لم يتحقق بسبب تداخل بعضها في بعض و أن السلطة التنفيذية مقسمة بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة ، و السؤال الذي يطرحه المواطن المغربي هو : من يحاسب من ؟ ومن يراقب من ؟ و هذه الحالة لا وجود لها في الدول الديمقراطية التي تتميز بفصل السلط و إقرار مبدأ المراقبة و المحاسبة الذي يطبق على كل من يتحمل المسؤولية في الدولة.