مقدس تازة الشعبي ذلك الأثر والمشترك ومفترق أزقة ودروب.. ؟

admin
2025-04-16T00:05:10+02:00
متابعات
admin16 أبريل 2025آخر تحديث : منذ 3 أيام
مقدس تازة الشعبي ذلك الأثر والمشترك ومفترق أزقة ودروب.. ؟
  • عبد السلام انويكًة

ما لا يزال مغمورا بها فضلا عن خبايا ماض مستمر وزخم تراث مادي ولا مادي باعث على أسئلة عدة متداخلة، هي مدن المغرب العتيقة. ولعل من هذه المدن التي ببعض هذه الاحالات في بعدها الثقافي السلوكي والنفسي فضلا عن مقدس شعبي نجد تازة، المدينة التي بمعالم مؤثثة لنسيج داخلها وجوار أسوارها المحيطة منذ العصر الوسيط، والتي يتوزع مقدسها عبر أمكنة هنا وهناك مع ما يظهر من وعي جمعي ونمط حياة سلوك. وبقدر ما يسجل حول مجالها وعمارتها وامتدادها وأزمنتها عموما من بصمات مقدس في تدبير عيش وتفاعل، بقدر ما هذا المقدس لا يزال حيا مؤثثا لاستقرار ومستقر وعلاقات وهوية. مع أهمية الإشارة الى أن مقدس تازة هذا الذي كان ولا يزال بمكانة بها وبمحيطها معا بين جبل وممر وقبيلة وأودية وتقاليد وحياة وموت، هو ذلك الذي يحضر بمساجد وجوامع وزوايا وأضرحة صلحاء وعلماء وفقهاء متصوفة، والذين منهم من هو مغمور ومنهم الذي كان بمكانة في زمن المدينة منذ العصر الوسيط، من قبيل  ضريح سيدي علي بن بري، إمام القراء المغاربة وضريح سيدي بن عطية وضريح سيدي بلفتوح، وضريح سيدي مصبح، وضريح سيدي امحمد بن يجبش، وضريح سيدي بوقنادل، وضريح سيدي علي الجبار، وضريح سيدي عزوز، وضريح سيدي علي الدرار، وضريح سيدي عبد الله الدرعي، وضريح سيدي عبد الله، وضريح سيدي عبد الله بودربالة، وضريح سيدي واضح، وضريح سيدي محمد بلحاج، وغيرهم كثير ضمن شتات أضرحة هنا وهناك داخل فضاء المدينة العتيق وجوارها في تماس ما أسوارها التاريخية. أضرحة بقدر ما هي عليه من مقدس وشاهد مادي ولامادي، بقدر ما هي عليه من هيبة ماض مستمر وهوية ومخيال، كانت ولا تزال بقدسية شعبية ومتداول من قبيل ”شايْ الله آرِجال لبلاد”، ومن رمزية عون وبركة وشفاء وأمن نفسي وروح أمل.

هكذا بإحالات جامعة بين حكي قصص وبيئة وبركة شجر وحجر وماء وأبواب وأقواس غيرها، هي خريطة مقدس تازة الشعبي الشاهد على أسرار مستقر وشعور وسلوك ونمط عيش وإنسانية انسان فضلا عن بيئة ماض. وهكذا بعض من مقدس المدينة وذاكرتها على وقع ترابي زمني ثقافي، مع أهمية الإشارة لِما لبعض هذا المقدس من صدى محلي وآخر أكثر امتدادا ودلالة. وأن بقدر ما لهذا الصدى من تجليات عابرة للزمن، بقدر ما له من أثر بارز فيما هناك من مشترك بين أزقة ودروب وساحات (سيدي مصبح، الزاوية الجبشية، سيدي بلفتوح ..)، ما يسمح بنسيج ثقافي خاص مؤطر ومقدس شعبي، تظهر معه تازة العتيقة وعبره ترجمة لهويتها وتنوعا لفضاءاتها وأزمنتها وسسيولوجيتها. ولعل المدينة التي بداخل اسوارها لا تزال رحابها من أزقة ودروب وثقافة عيش، مؤطرة بمقدس شعبي تراثي مادي ولامادي، ذلك الذي لا يزال حتى الآن رغم كل التحولات برمزية وايقاع وتفاعل يومي وتمظهرات. ولعل المقدس في تازة لا يعكس طبيعة انتماء لتركيبها الثقافي الاجتماعي التراثي فحسب، انما أيضا سفر في زمنها ووقائعها وأحداثها وما كانت عليه من أدوار وجذب فضلا عن حيوية ممرها، وكذا فيما أسهم به هذا المقدس الشعبي المادي واللامادي من أمن وأمان وسلم وسلام وأصول وتجدر وجود ووعي وتوازن قرب وتقارب ومشترك تراب. وعليه، ما يسجل حول مقدس المدينة عموما من سبل وجود وملمح استقرار، علما أنه كان دوما ولا يزال موضع توقير وحرمة واحترام وهيبة موقع.

والحديث عن مقدس تازة لا يمكن أن تكتمل صورته، دون ذكر وليها الصالح سيدي عزوز الذي يتوسط مجالها العتيق، ذلك الذي لا يزال برمزية موقع وقبه وماض مستمر عابر للزمن لِما هناك من زيارة وتبرك ومعتقد. ولعل بقدر مكانته في أعين الأهالي وذاكرتهم بقدر ما هو عليه من سؤال أصول، وكان ابن الطيب الشرقي قد أورد ضمن رحلة حجية له عبر تازة نهاية ثلاثينات القرن الثاني عشر الهجري قائلا : ”فيها من المساجد ما فيه غنية للراكع والساجد ومن المزارات.. ما ينتفع بقصده .. وقد زرنا.. من مشاهدها .. سيدي محمد بن الجبش وسيدي عزوز وسيدي واضح، وسيدي أبي الفتوح وسيدي على الدرار وسيدي عبد الله.. وفي خارجها الامام علي بن بري وغيرهم ممن لم نعرف اسمه نفعنا الله تعالى بهم وأعاد علينا وعلى جميع المسلمين من بركاتهم”. وولي تازة “سيدي عزوز” هذا الذي جزء من مقدسها الشعبي، لم يرتبط اسمه وذكره لا بقصيدة ولا بسلطة معينة ولا بجهاد ولا باسم آخر ولا بإرث صوفي ولا بمريدين ولا بنشاط روحي خاص طبع حياته ولا بمنظومة صوفية ولا بانتماء لطريقة أو شيخ ما ولا بشرح وحضرة وذكر وتلقين ولا حتى بكرامات ما. كما أن اسمه لم يرتبط لا بخلوة ولا بأبناء ولا بعلم ولا بقبيلة أو زاوية أو برَكة ولا بتاريخ ميلاد ووفاة ووصية، اللهم ضريحا وقبرا ومزارا منذ على الأقل بداية القرن الثامن عشر الميلادي، هو نتاج بيئة محلية بنوع من الغموض. واللهم ما يرتبط به أيضا في وعي جمعي وافكار تحكم وتطبع كيان مجتمع ومكان وزمن ومن ثمة امتداد وتلاقح اجيال وإرث وذاكرة.

هكذا ولي تازة الصالح “سيدي عزوز”، مقدس شعبي بمخيال ضمن الثقافي المحلي، على وقع حرمة عتبة اكراما واحتراما فضلا عن تمثلات ذات علاقة بأنوار شموع وأبخرة وعطور وتجديد غطاء وهمسة هدية عبر ثقب خاص ببابه. وغير خاف عن مهتمين بزمن المدينة وتراثها، كون المدينة كانت بموسم خاص بهذا المقدس الشعبي من خلال احتفاء خاص سنوي بمناسبة المولد النبوي الشريف، مع ما يرتبط بهذا الاحتفاء من إعداد وفرجة عيساوية ودعاء وحضور وإطعام وزيارة وحضرة وتعبير فني شعبي، موسم كان الى عهد قريب من تقاليد تازة واشعاعها صوب مقدسها المادي واللامادي. ولعل من مظاهر المقدس الشعبي والولاء الشعبي لولي تازة الصالح هذا، ما كان من إقبال لأهالي المدينة على اسم ”عزوز” الذي كان بتميز وانتشار ورمزية خاصة. بل الى عهد قريب كانت مواكب أعراس أسر تازة العتيقة تصل الى جنبات هذا الضريح اعتقادا في بركة ورزق وعافية وحفظ، ولِما كانت له من هيبة كان يتم الاحتماء به واللجوء اليه لإثبات حق براءة من خلال قسم على مصحف شريف بداخله، واعتبارا لمكانته أيضا في نسق المدينة المقدس الشعبي، عدة هي منشآت المدينة ومؤسساتها فضلا عن محلات خاصة حملت إسمه من قبيل ثانوية سيدي عزوز وخزان الماء سيدي عزوز وغيرهما. وكان سيدي عزوز هذا موضوع أشعار وزجل وقصائد مدح تم التغني بها في مناسبات عدة، ويسجل أن من أجمل ما كتب حول سيدي عزوز مقدس تازة الشعبي من زجل، قصيدة رفيعة للفنان الحاج نور الدين العماري التي كثيرا ما تغنى بها أهل تازة منذ عقود. ولا يزال ضريح سيدي عزوز وغيره من اضرحة المدينة وزواياها بنوع من التفاوت، من مزارات المدينة مساء كل جمعة فضلا عن مناسبات دينية، ورغم أن شخص هذا الولي بأصول مجهولة، فهو بمكانة خاصة لدى الأهالي وبطقوس زيارة منها خلع الحداء والطهارة والصلاة على النبي عند دخوله فضلا عن قراءة الفاتحة. ولعل بقدر قدم عادة هذه الزيارة صوب هذا المقدس الشعبي بقدر ما يطبعها من اعتقاد يخص تذكر صالحين من عباد الله تعالى، اقتداء بهم واستحضارا لِما كانوا عليه من صفات وعلم ودين وفكر وتربية واشعاع.

وعن المقدس الشعبي من أضرحة تازة، نذكر ما هناك من اعتقادات في ذهنية الأهالي، فهذا سيدي عبد الله اشتهر بعلاج المس من الجن وعليه يشترط بحسب الاعتقاد المبيت فيه ثلاثة ايام مع ذبيحة، وهذا ضريح سيدي عيسى الذي اشتهر في المخيال الشعبي المحلى بعلاج الأطفال المضطربين نفسيا، بحيث يؤخذ المريض اليه ويوضع بجواره قبره لبعض الوقت، وهذا سيدي علي ابن بري امام القراء المغاربة الشهير يعالج المس من الجن أيضا إنما عبر زيارة لثلاثة ايام خلال كل خميس. أما سيدي عزوز مقدس تازة الشعبي الأكثر صدى محليا والذي ينظر اليه أنه بكرامات عدة، قد يكون جاء قادما من غرب المغرب ونواحي سلا تحديدا، بعدما كان بعلاقة هو وجماعة من اصحابه مع أحد صلحاءها الذين تميزوا بعلم وجهاد وقيم وعبادة وتصوف وصلاح، وأن ظروفا ما قد تكون دفعته لفراقه ومعه جماعته ايضا، وقد اختار ربما بخلافهم التوجه صوب شرق البلاد حيث نزل بتازة في زمن غير محدد قد يكون بداية القرن الثامن عشر الميلادي. إن مقدس تازة العتيقة الشعبي، جزء من طبيعة بنيات وتقليد عابر للزمن ضمن اطار جمعي محلي بتداخل وتشكل لصور عيش. وهذا المقدس كما في جل مدن المغرب العتيقة لا يزال مؤسسا لاستمرارية معينة محاطا بحضن وتمثلات وقيم مجتمع. وليس سهلا عزل هذا المقدس عما هو ذهني محلي وعمران بشري، وأنه ليس أمرا جامدا بل بتلاقح وتنشئة وعادات وتقاليد وماض. ومقدس تازة الشعبي الذي بتباين نشأة وأزمنة وأمكنة وصدى، والذي لا يمكن استثناء فيه المدينة عن باديتها في جملة جوانب، هو احتفاء مستمر بإرث ثقافي روحي ونوع من الموسم الحاضر في معيش الأهالي مند القدم. وهذا المقدس الذي بحضور ظاهر وباطن في زمن المدينة، هو أيضا ذلك الذي تعج به لحظاتها وأيامها وأسابيعها وأشهر سنتها وفصولها بين حدث وآخر وذاكرة وأخرى. وأن هذا المقدس الشعبي الذي تستعيد به تازة عبقها عبر أثرها المادي واللامادي، هو غوص يومي في أصول ما هناك من سلوك ووجدان نمط عيش وموت وحياة وبقايا أثر سلف ورواية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.