مواهب وابداعات ..قصة قصيرة.. أبريل ربيع الحياة

admin
2019-03-29T22:59:40+01:00
مواهب وابداعات
admin29 مارس 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات
مواهب وابداعات ..قصة قصيرة.. أبريل ربيع الحياة

خالد لخصيم

كان ذلك في عنفوان شهر أبريل، بعد علاقةِ غرامٍ دامت لسنوات وإنتهت بزفافٍ لفَّ هذا الحب في شرنقة الدفئ والأمان، إخترنا أن نقضي شهر العسل بمدينة ساحلية.
بدت الفكرة رائعة ومثيرة، فكلانا لطالما جذبتنا تلك المدن الساحلية لِما تزخَرُ به من عمق وهدوء.
من البديهي أن تكون المدن الساحلية صاخبةً تدوي بضوضاء الحشود في فصل الصيف، لكن في الشتاء تقلُّ الضوضاء بشكل مخيف ..!
كأن المدينة تموت، إنها تغدو كعاصمة للتو تحرَّرتْ من هرج الجنود، لا يُسمع فيها إلاَّ حفيف الأشجار وتراتيل العصافير العابرة.
إخترنا مدينة من المدن التي تأفل فيها الحركة صيفًا وتنطوي على الصمت، مدينة صغيرةٌ يمكنك أن تكتشف كل ملامحها في جولةٍ لا تتعدَّى الخمس ساعات.
كانت كلاسيكية الملامح بها سينما، مدينة ألعاب، إضافة للبحر الذي من أجله قررنا زيارتها.
قبالةَ شارعٍ يُطل على الرمال الذهبية إخترنا أن نكتري منزلاً بجدرانَ زرقاءَ تفتح شهيةَ النفس وتصبغ الروح بالزهريِّ الذي لطالما كان لون الحب والحياة.
والحق يقال، لم تكن صباحياتنا بالصباحيات الصاخبة، على العكس كان الكسل يستبد بنا  فنستسلم للنوم ويأخذنا العبث آنَّ شاء، تارةً نستلقي ونعد الدقائق وتارةً أخرى نعبر بجوار البحر أو نشتري شيئا من لوازم البيت.
يومنا الحقيقي كان يبدأ بعد الغروب بالتحديد، حين كانت تصطبغ السماء بالأحمر الداكن وتعلن الشمس موعد غروبها، وقتها كنا نشابك الأيدي ونسير بجوار البحر ..!
الهدوء يطغى على الجو والموج يداعب الأقدام بلطفٍ ورقة، كنا نسير مسافة كبيرة ونتلذذ بذلك الشعور الفخم، شعور يصعب وصفه لما يحتوي عليه من عاطفة جياشة.
نهرول كثيرًا تحت تلك السماء الحمراء، وأرُّش شعرها الحريريّ الناعم وأهداب ثيابها ببضعة قطرات ماء ثم أفرُّ هاربًا نحو الشمس التي تبدو قريبة مني، فتلاحقني بسذاجةٍ وهي تحمل حفنة ماءٍ يبدأُ فَور إنطلاقها بالتسرب من يديها الصغيرتين كما يتسرب الرمل من البنكام. 
بعد شوار مفعمٍ بالرقة كنا نعود أدراجنا للبيت ونأخذ قسطًا من الراحة لنعاود الإنطلاق نحو مدينة الألعاب، نجرب كل الألعاب الممكنة بشراهة طفولية بالغةٍ وبراءةٍ لا تنضب.
نترك في متحف الذاكرة أجوَّد لحظات السرور، ونشتري لأنفسنا السعادة..! 
إنها ليست باهظة الثمن، قد لا تكلفك أكثر من درهمٍ إن كان الطرف الآخر حقًا يحبك..! 
كنا نشتري غزل البنات، فنتقاسمه بالتساوي قطعة قطعةً وتضع رأسها على كتفي ونحن ننصت للأغنية العاطفية التي كانت تُذاع في مدينة الألعاب بإستمرار :
” يعاملني بطيبة وإحساس
يدلعني قدام الناس
بيعرف إني رومانسية
بيلعب على الوتر الحساس ” 
لم تكن تنتهي ليلتنا عند هذا الحد، فقد علمتنا الحياة كيف ننتهز الفرص، وكيف ننتشي بكل لحظة سعادة ممكنة..!
ربما عليك أن توصد الباب في وجه الحزن إن أتاك على أطراف الأرق وتسلَّلَ إلى روحك، لكن بالنسبة للسعادة لا، يجب أن تنتشي بها لحظة بلحظة فهي أغلى ما تملك..!
أن تكون سعيدًا فهذا أعظم إنجاز يمكنك أن تحققه.
بعد مدينة الألعاب، كنا نمشي بجوار الكورنيش، أحيطها بيدي لأجعلها قريبة مني حد الإلتصاق ثم نمضي في الطريق تحت إنعكاس الأضواء البرتقالية الفخمة وضوء القمر المنير..!
لم نكن نمشي، كنا نعزف سمفونية حب بأقدامنا كلما تقدمنا للأمام، كان فصل البوح هو المُحبَّبُ إليّ على الإطلاق..
ننظر كلانا للأمام، ونتحسس النسيم الصيفي الذي يداعبنا وتقشعر له أبداننا ثم نبوح لبعضنا البعض بالحب ونشابك الأيدي بقوة أكبر كأننا نتحدى الحياة قائلين :
” هاتِ أفظع ما لديك من مصائب، فلن نهاب ولن نُكسر  مادمنا معًا، سنتجاوز كل شيء ونستند على بعضنا البعض لنمضي، ونروِّض الأيام العصيبة ” 
كنا نمشي كثيرًا ونبوح ، أقرأ عليها من الشعر الجاهليِّ حينًا وأغني لها مقطوعةً روسيةً تحكي عن الحب الأسطوري والكواكب البعيدة أحيانًا أخرى ..
قبل أن نعود للبيت كنا نذهب للسينما، من عادتي أن أقتني لها إكليل غارٍ فاخرٍ حتى لا تغار من النسوة اللواتي حظيْنَ بالورود قبل دخولهن للسينما..!
توجتها كما كانت تُتوج الأميرة الرومانيات، أو الصنديدات الإغريقيات، جعلت منها قويةً، عتيةً، جذابة حين ألبستها إكليلاً مُتْقَن الصنع يُسيل لعاب بقية النسوة ويجعلهن يَرْتَجِينَ تجربته ولو مرةً واحدة في العمر.
تفاصيل كهذه قد تبدو تافهة لنا معشر الرجال، لكنها بالنسبة للأنثى جارحة وقاتلة، فهي سيدة العنفوان، والطفلة المدللة التي لا ترضى أن تكون أيٌّ منهن أفضل منها ، تريد دائما أن تسمو على حساب كل الجالسات بجوارها وأن تشعر بأنها تحظى بالإهتمام الأكبر..!
ليس الحُلِّي والمجوهرات وحدها من ترفع مقام الأنثى، إن كل هذه الأشياء تقدر بثمن، لكن وحده الإهتمام لا يقدر بثمن، وهو أسمى ماتبحث عنه تلك الطفلة التي تسكن معشر النساء..
لك أن تصدقني إن قلت لك أن الأنثى لا تعيش على الأكسجين ، بل على الإهتمام.
بعد الدخول للسينما شاهدنا الفيلم بشغف كبير، شابكنا الأيدي وداعبتُ متعمدًا خنصرها بلين وحب دون الأصابع الأخرى ، أتعمد دائما مداعبة صغيرها الخنصر، ربما لأنه أضعف نقطة في جسدها وهو الأولى بالإهتمام حتى أجعلها تشعر أنَّ ألْيَنَ مافيها بأمان، وأني هنا لأحتوي وأحمي كل نقاط ضعفها ..!
كان هذا السر وراء مداعبتي للخنصر دائما.
بعد النهاية غادرنا، أذكر ذلك كما لو أنه حصل اليوم، كانت ليلةً باردةً والسماء فيها داكنةُ السواد مزدانة باللآلئ المبعثرة سجيةً بجوار القمر الساطع.
قررنا ليلتها أن نسير كثيرًا، وللصدفة فقد كانت الشوارع فارغة تمامًا.
صمتٌ مهيب كما لو أننا لوحدنا في الشارع، سبقتني بخطوات وبسطت يديها ثم أخذت تتمايل كغصن فتيٍّ..!
تأملتها وقد بدت لي كالملاك،  بلباسها الأبيض المزركش بالورود، وحذائها الصغير الذي يشبه كثيرًا حذاء سندريلا.
كانت رهيفة الحس كرعشة الكمان، أو قطرة ندى على نافذة متحفٍ، هزيلة الجسد كفراشةٍ تتمايل مع الريح ، لم تكن طبيعية، لقد كان فيها شيءٌ ما غريب..
صدقوني أيها السادة إن قلت لكم أنها كانت تراقص الريح وتخاطبُ حفيف الأشجار..!
إنها إبنة الطبيعة، تفهم أنشودة المطر، وهمس الريح، تقرأ لوحة السماء وتفك رموز العصافير، 
تضوَّعت رائحة مِسْكِ الليل وعطَّرت الشارع الطويل الذي ملأته أعمدة الإنارة، فكان يبدو كلوحة سريالية برتقالية الملامح.
مشينا طول الليل بمرح، حملتها بين يدي حينا وهي تلعب بأقدامها كطفلة تُشاكس والدها، وأوغلت رأسي على ناصية كتفها ثم إنقدنا للغواية أحيانا أخرى..
تبادلنا النظرات بشغف وكانت عينيها متسعتين لذيذتين كعيون الريم ..
أضناني الشوق الجامح إليها، وعادت أحاسيسي لتختلج كما لو أن حبنا ولد من جديد، أو كأننا للتو إكتشفنا حجم إنتمائنا لبعض.
حضنتها ولم يكن ذلك حضنا بل كان وطنا وملجأً ومأوى.
إبتسمتْ في وجهي، ولم تكن تلك إبتسامة بل كان إنعكاسا لنور القمر في أسنانها الصغيرة الناصعة البيضاء..
عدنا أدراجنا للبيت وإنتهت القصة عند هذا الحد ، ولكن حبنا لازال مستمرًا وسيظل للأبد.
فلكل إنسان قدر، وأنا قد قُدِّر لي أن أحبها إلى ما بعد الأبد، مادام الأبد لا يشفي حجم رغبتي في حبها..!

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.