رسبريس
في إطار الأدوار الطلائعية التي تضطلع بها مهنة الصحافة المغربية في مختلف المجالات ومشاركتها الفعالة في إرساء دعائم الحداثة والديمقراطية وتفعيل مبدأي الحرية في الممارسة الاعلامية والالتزام بأخلاقيات مهنة الصحافة، اختارت ثانوية محمد السادس بوجدة في شخص مديرها الأستاذ محمد داهي وبإشراف وتسيير الأستاذ يحيى زروقي على هامش الأنشطة التربوية والتوجيهية التي دأبت على تنظيمها المؤسسة التعليمية محمد السادس بمعية ثلة من الأساتذة، اختارت الإعلامية حياة جبروني عن جريدة “الحياة المغربية” والاعلامية سميرة البوشاوني عن “جريدة الاتحاد الاشتراكي”، نموذجا للمرأة الصحفية المبدعة تحت وطأة التضييقات والتحديات في عيدهما الأممي من خلال محاضرة مسهبة ألقتها الصحفية جبروني حياة لفائدة تلاميذ ثانوية محمد السادس بوجدة الموسومة ب”الصحافة والحاجة إلى التربية على الإعلام”. بالإضافة إلى مقاربة تجربة الاعلامية الرائدة سميرة البوشاوني ، مساء يوم الثلاثاء 21 مارس 2023 برحاب الثانوية.
وبالمناسبة رحب المدير بالصحافيتين حياة وسميرة مؤكدا أن هذه الاستضافة لم تكن اعتباطية أو وليدة صدفوية، بل خيارا واعيا جاء نتيجة لما للجريدتين “الحياة المغربية” و”الاتحاد الاشتراكي” من شان وباع وتاريخ اعلامي مشرف وغني بأقلام جادة وهادفة. كذلك اللقاء كان فرصة للتعرف عن قرب على مهنة الصحافة المغربية كمهنة الانفتاح والمتاعب.
وقبل إلقاء المحاضرة، رحب الأستاذ المسير للجلسة يحي زروقي بالحضور، قرأ على مسامعهم السيرة الذاتية والعلمية والمسار المهني للصحفيتين وجريدتيهما.
أثارت الصحفية جبروني من خلال عرضها، المعنى الحقيقي للصحافة كآلية من آليات الديمقراطية ومرآة للمجتمع ولسان حالها، ناهيك عن الدور الريادي الذي تلعبه الصحافة في إخبار وتوعية المواطنين وتثقيفهم وتأطيرهم ثم توجيههم، بجانب التعبير الحر عن الأفكار والاراء ووجهات النظر وتعدد الاراء، أيضا الحق في الاختلاف المكفولة قانونيا’ والذي عليه استمدت مدونة الصحافة والنشر الصادرة 2016 مشروعيتها. إضافة إلى تنظيم المهنة وانتشالها من براثن الفوضى والانحلال والعبث…، لتحسين الأداء الإعلامي وضمان جودته، علاوة على ذلك مزاولة العمل الصحفي بكامل الدقة والحياد والمصداقية والالتزام بالمبادئ المنصوص عليها في ميثاق أخلاقيات الصحافة واحترام مقتضياته.
ثم تطرقت إلى الحديث عن ظهور ما يسمى بالثورة الرقمية نتيجة تحولات مهمة ومتواصلة بفضل موجة عالية من الابتكارات التكنولوجية، شملت أساليب وتقنيات الممارسة الاعلامية أدت إلى انسلاخ الصحافة التقليدية عن قوالبها الجامدة واللحاق بركب التقدم التكنولوجي والانخراط في دنيا الرقمنة. يسرت الصحافة الجديدة أو ما يُعرف ب”social media” عملية التواصل والتعارف وتبادل الخبرات والمعلومات… عبر الكون متجاوزة الزمان والمكان، فبرز ما يسمى بالمؤثر الإعلامي يُمارس حرية الرأي والتعبير عبر منصات ومدونات ومواقع ….
ومن ناحية أخرى طرحت الجانب السلبي لهذه التكنولوجيا وما ينجم عنها من مشاكل وجسامة تفشي الأخبار الكاذبة والإشاعات والصور المفبركة والمشاهد المزيفة، امتدت هذه الخطورة حد التشهير بالناس والمسؤولين وذويهم في انتهاك صارخ للحقوق والواجبات والكرامة الإنسانية.
وأمام هذا التغلغل الرقمي وانتشاره الكوني وما لحقه من انفلات اعلامي وتأثيره على التنشئة، أصبحت الحاجة ملحة إلى التربية على الإعلام. تُنتجُ متلقي واعٍ وناقد، قادر على فك وتحليل واستيعاب الجوانب المفيدة في الإعلام. فلا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال أهمية التربية عل الإعلام بين صفوف الأطفال والشباب الذي بمقدوره أن يكون منتجا إذا أحسن استعماله، يمتلك حسا نقديا وإنسانيا، يُجيد البحث والتحليل والفحص والتقييم…
وفي نهاية ورقتها نبهت الصحفية جبروني إلى أن الحرية في الإعلام مبدأ أساسي، لكنها ليست عشوائية، بمعنى حرية مسؤولة تلتزم بالمسؤولية الاجتماعية والصالح العام. وفي هذا الصدد قالت: “إذا كان للصحفي الحق في الأخبار والإخبار، فللمواطن الحق في خصوصياته”.
ولوُعورة وفداحة التجاوزات التي رافقت الاستغلال السيء لمواقع التواصل والتراشق والتشهير بالحياة الخاصة للمواطنين كان لابد من قانون يردع مثل هذه الممارسات اللاانسانية. وعلى ضوئه، وضع المشرع المغربي مقتضيات زجرية تُجرم التشهير بالحياة الخاصة للأشخاص، يتعلق الأمر بعقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية مُعْتبَرة.
تفاعل التلاميذ بجدية غير متوقعة في إثراء اللقاء بأسئلة عديدة قد تُرضي فضولهم الجامح وتمنحهم الرغبة في المزيد من التعرف أكثر على أسرار هذه المهنة والتي تصب جلها في طبيعة المشاكل والمخاطر التي يواجهها الصحفي أثناء مهمته المهنية. وعلاقة الصحافة بالمجتمع ودورها في توعية التنشئة، ناهيك عن أسئلة بخصوص قانونية حرية الرأي والتعبير ومدى ملاءمتها لمدونة الصحافة والنشر. ولشغف البعض بمهنة الصحافة تم طرح كيفية الولوج إلى مؤسسات اعلامية جادة قصد متابعة الدراسة والتخرج. وغيرها من الأسئلة اللحظية لتدخل الصحفية سميرة البوشاوني على الخط وترضي تطفلهم وتعزز شغفهم بالمهنة، وذلك بتوجيههم للمعهد العالي للاتصال أوبعض المعاهد الخاصة الموازية والوازنة تضمن الاحترافية بالدار البيضاء. إضافة إلى ذلك أغنت الحوار المباشر مع التلاميذ فيما يتعلق بمسألة تبادل ونشر الصور بدون إذنٍ وبحسن نية أو كنوع من المزاح خصوصا كونهم شباب يميلون للعب والترفيه لكنهم يجهلون المشاكل التي قد تنجم عن هذا النشر.
ومما زاد من تعزيز النقاش، سردها لتجربتها الصحفية وكيف تحولت من قارئة شغوفة خصوصا جريدة الاتحاد الاشتراكي وما تعنيه الجريدة من كفاح وتاريخ نضالي حقق مكتسبات كثيرة فيما يخص الحرية والكرامة الانسانية، إلى صحفية متميزة ورائدة بنفس الجريدة اي جريدة الاتحاد الاشتراكي.
واختتم النشاط الثقافي بتقديم شهادة تقدير لكل من سميرة البوشاوني وحياة جبروني.