في سياق أنشطتها الرامية إلى تعزيز حضور الثقافة الشعبية في الحياة الثقافية، نظمت جمعية بنسليمان الزيايدة بمناسبة الملتقى الوطني الأول للثقافات المحلية” عبيدات الرمى نموذجا”دورة البشير المذكوري، أول أمس الأحد17 نوفمير 2019 في الساعة 10 صباحا ببنسليمان،ندوة جدوى الثقافات الشعبية، بقاعة الفضاء الجمعوي بنسليمان الزيايدة، بمشاركة شعيب حليفي و عبد الإله رابحي.
أشارعبد الإله رابحي، الذي نسّق أشغال الندوة، في مستهل اللقاء، إلى ضرورة النضال الثقافي في ظل واقع يخلق اليأس، وإلى أهمية الاهتمام بالشأن المحلي وخاصة بالخصوصيات الثقافية لبلوغ العالمية، مبرزا بعض التجارب التي انطلقت مما هو محلي لتبليغ صوت الثقافة الشعبية إلى العالم.
وفي كلمته التي تمحورت حول سؤال “جدوى الثقافة الشعبية“، نبّه شعيب حليفي إلى مسؤولية المثقف في الارتباط بواقعه وفضائه المجتمعي والثقافي، ودوره في التأسيس لوعي جمعي تساهم فيه الثقافة الشعبية في صنع الأمل. وإحياء الذاكرة الجمعية والتأسيس لثقافة مضادة للقيم المكرورة.
تأسيسا على هذا التصور ينال سؤال “جدوى الثقافة” مشروعيته، انطلاقا من كون السؤال في العمق، مساءلة للواقع والنسق الحاضن، ومنه فالسؤال يتصادى مع أسئلة الراهن والمرحلة التي تحيا ضمنها الذات، ولعل الجواب على سؤال ما العمل؟ الذي يتبادر إلى الأذهان لتجاوز هذا الواقع الذي صارت فيه تعبيرات سطحية تملأ الساحة وتقدم نفسها تمثيلات للثقافة المغربية عبر وسائل الإعلام والتعبير؛ يفترض البحث عن الروح الضائعة في تاريخنا وثقافتنا التي همشت لأسباب عديدة يتحمل المثقف جزءا من مسؤوليتها، إما لضعف تكوينه أو ارتمائه وتماهيه مع قيم السلطة.
إن هذه الروح الضائعة التي أشار إليها شعيب حليفي، تتجسد في ذلك التراث الشفوي والإرث التاريخي والأدبي الذي خلفه، مبدعون وفقهاء وعلماء ومتصوفة وشعراء زجالون، عبروا ومضوا، وظلت نصوصهم أو أغانيهم شاهدة على عبقريتهم وأصالتهم وقدرتهم على التعبير عن الوعي الجمعي للمراحل والحقب التي عاشوا ضمنها.
وقد توقف شعيب حليفي عند تجربة شاعر شعبي ذاع صيته منذ العصر السعدي، هو الشيخ عبد العزيز المغراوي، كما تناول بشكل مستفيض تجربة الشيخ سيدي امحمد البهلول، من خلال أشعاره وعلاقاته بفاطنة الكحيلة، والحسن اليوسي، مبرزا إقباله على الحياة في رداء صوفي بشموخ وعزة نفس. كما تحدث عن تجارب شعراء آخرين من أمثال: الشيخ الجيلالي متيرد، والشيخ التهامي المدغري، ثم محمد بن عمر، والشاعر الجزائري ابن قيطون وقصيدته “حيزية” .
ولأن هذا الإرث صنعته الأجيال السابقة ذكورا وإناثا، فقد تناول حليفي أيضا تجربة الشاعر الشيخة حويدة الشهيرة ب”خربوشة” وقصتها مع القائد عيسى بن عمر الذي كان لوقع كلامها وقع القرطاس أو بتعبيرها “الدق بلا قرطاس”.
إن الإجابة عن سؤال “جدوى الثقافة الشعبية” تقتضي في الراهن البحث عن سبل لتوطين الثقافة الشعبية في الخطاب الثقافي، عبر المدرسة والتأليف المدرسي والكتابة الإبداعية الشعرية والروائية وغيرهما، ذلك أن المثقف مطالب بالاجتهاد في البحث في الثقافات المحلية لبلورة وإخراج هذه الصور المشرقة من ثقافتنا من الظل والهامش لتتبوأ مكانتها التي تستحق في كتابنا المفتوح.