أثار انطلاق أشغال بناء مقر مركزي جديد لحزب العدالة والتنمية بحي الرياض الراقي في العاصمة الرباط، نهاية الأسبوع المنقضي، تساؤلات بخصوص التحولات التي قد تطرأ على هيكل الحزب سياسيا وقيميّا، ومن ناحية الخطاب والممارسة السياسية.
وأفاد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ورئيس الحكومة سعدالدين العثماني، الذي أشرف على انطلاقة أشغال المقر، أن “هذا المقر الذي طال انتظاره لسنوات عديدة، سيكون له تأثير مهم على نشاط الحزب مستقبلاً، والقدرة على استيعاب مختلف الأنشطة المركزية والموازية”.
وتبلغ المساحة الجملية للمقر 2429 مترا مربعا، كما تبلغ المساحة المغطاة 8178 مترا مربعا، فيما سيتضمن 5 طوابق أحدها تحت أرضي، كما يضم المقرّ قاعات للمحاضرات على شاكلة قصور المؤتمرات الفخمة وبهوا فسيحا.
وسيكلف المقر الجديد للحزب 38.5 مليون درهم (حوالي أربعة مليارات سنتيم)، ويستغرق بناؤه 30 شهراً، حيث يرتقب افتتاحه منتصف سنة 2023. وحسب تقارير المجلس الأعلى للحسابات، فإن موارد الحزب لا تتجاوز 37.49 مليون درهم (3.75 مليون دولار) مما يطرح تساؤلات عن مصادر التمويل.
وانتقد عدد كبير من مناضلي وقيادات الحزب هذا التوجه رغم أنهم يعرفون أن الاكتتاب لبناء المقر تم تدشينه داخل المجلس الوطني قبل عامين. ويرجع مراقبون ذلك إلى ازدواجية واضحة في التعاطي مع الملفات والمستجدات التي لا توافق مزاجهم وعواطفهم المتقلبة بدل الحكم على الأشياء بمنطق السياسة والارتهان فقط إلى القول الديني تقول صحيفة”العرب” اللندنية.
ويعتقد متابعون للشأن الحزبي أنه من الطبيعي أن يشيد العدالة والتنمية مقرا حزبيا كبيرا يليق باستقبال المواطنين والضيوف الأجانب، ويساهم في تحريك قطاع البناء وفرص الشغل والموارد الضريبية، في حين اعتبر آخرون أن هذه القراءة لن تغير من واقع الحزب الذي يعرف بالفعل ترهلا واضحا، ويجد صعوبة في إنتاج خطاب سياسي ناضج في عدد من القضايا الراهنة.
وفي الوقت الذي تأسف فيه قواعد الحزب لبناء مقر دون الاهتمام بالأعضاء والمتعاطفين الذين يتناقصون حيث قد يصبح التنظيم بدون قاعدة شعبية مهمة، متوقعين أن يحدث للحزب أسوء ما حدث للاتحاد الاشتراكي، هناك من يرى أن هذا المشروع ملك للعدالة والتنمية.
وتتحرك قيادة العدالة والتنمية على كافة الاتجاهات لحماية مواقعها الانتخابية وضمان أصوات قواعدها في الاستحقاقات الانتخابية المقررة صيف 2021، وقد أرادت القيادة إبعاد الرأي العام وقواعد الحزب عن التعمق في موقف التنظيم السياسي من استئناف العلاقات المغربية – الإسرائيلية، وما خلفه توقيع رئيس الحزب والحكومة على الإعلان الثلاثي المغربي – الأميركي – الإسرائيلي من جدال وغضب داخلي.
ويرى متابعون أن تدشين بناء مقر جديد في هذه الظروف إشارة سياسية من قيادة الحزب أنها متحكمة في الوضع، وأن العدالة والتنمية لا يتأثر بالانتقادات الموجهة إليه، وأنه سيمضي في اتجاه استعادة بريقه الانتخابي وصورته التي تضررت على مدى ولايتين حكوميتين رغم اتهام تلك القيادة من قواعد الحزب بتقديم تنازلات كثيرة.
وسبق لمنتمين للعدالة والتنمية أن انتقدوا فخامة مقر الاتحاد الاشتراكي الذي يقع بنفس مقرهم المستقبلي بحي الرياض ومصادر تمويله، ولفت مراقبون إلى أن تبرع أعضاء الحزب من المال الخاص والعام كان من الممكن توجيهه لبناء مستشفى جامعي وتجهيزه أو بناء ملحقات جامعية بمناطق محرومة، أو طرق لفك العزلة عن المهمشين.