يحي زروقي
كان تائها بين السماء والأرض،قدماه لاتسعفانه على المضي قدما.طوال أربعة عقود وهو يبحث عن السعادة الحقيقية.سأل الحكماء وعلماء الشريعة،والمسنين،وبحث عنها في أقوال الفلاسفة،فلم يطفئوا نارالشك والحيرة لديه. في نهاية المطاف استسلم لعجزه،وخبا سناه.مر أسبوع آخر ظل ينتظر كل ليلة أن ينفق مثل طيورالنورس في بقعة زيت.عند حدود التاسعة صباحا سمع جلبة منبعثة من العمارة المقابلة لبيته،وعلى وجه السرعة فتح النافذة،وأطل،فلم يعثر إلا الخواء.كان العمال في الداخل يدندنون،وينكتون بصوت عال لأن المكان كان خاليا ومنعزلا.قفز من مكانه،وارتدى عباءته،واتجه نحو العمارة التي كانت تتألف من عشر طبقات.حينما وصل إلى العاشر كاد يغمى عليه،ولولا أن أحد العمال أنقذه لكان في خبر كان.رشه بالماء،فاستعاد وعيه.لم يصدق ما يراه بأم عينيه.عمال عددهم يفوق الثلاثين جالسون على الأرض يتناولون فطور الصباح : كأس شاي وقليل من الخبز،ورغم ذلك رحبوا به،واقتسموا معه وجبتهم.لأول مرة يتذوق رغيفا من خارج البيت. كان طعمه مختلفا تماما عما ألفته معدته،لكنه طعم خاص.احتسى معهم الشاي،وسألهم عن أحوالهم واحدا واحدا،فلم يسمع منهم سوى لازمة واحدة”الحمد لله”.تعجب من سر سعادتهم المرسومة على ثغورهم الباسمة ،والمتلألئة من عيونهم السوداء.نسي كل ما قرأه،وسمعه من أفواه الناس،وحذفه من ذاكرته في التو،ونسي سبب مجيئه إلى العمارة،أو تناساه.كان همه أن يعيش تلك اللحظة الاستثانئية في حياته،فكان له ماأراد.باغثه أحد العمال قائلا:” المعذرة إن كنا نزعجك بضجيجنا كل صباح”.دار الحديث عن مدة الإنجاز،وأصلهم،وعن أجرهم.لم يصدق سمعه حينما عرف أن جميعهم أتوا من دواوير بعيدة،وتركوا عائلاتهم وأبنائهم من أجل خمسين درهما في الأسبوع.ضحك كثيرا على نفسه،وهو الذي لايكفيه راتبه الخرافي،ودائم الشكوى.ناداه أحد العمال:”لم تخبرنا بسبب تشريفك لنا؟”.لم يتوقع هذا السؤال.نظر إليه،وابتسم قائلا:”جئت لأشارككم طعم الأكل،والسعادة،فاعذروني على فضولي” غادرالمكان وهو يفكر في كلام العمال،وسرإصررهم،وتشبتهم بالحياة.ظل يردد هذين البيتين طوال حياته:
عجبي من أناس ورثوا ….الحكمة من سواعدهم.
ومن أناس لسوا
بأحياء …. يومهم مثل غدهم