نص ابداعي.. الفصل..القاص يحي زروقي..

admin
2022-06-11T02:03:32+02:00
مواهب وابداعات
admin11 يونيو 2022آخر تحديث : منذ سنتين
نص ابداعي.. الفصل..القاص يحي زروقي..

لم تطق ” نور” بعدا عن الفصل.قررت أن تحضر مبكرا قبل حارس المدرسة “العربي” حتى ترتاح من فضوله، وتخوفه المبالغ فيه، فهي تعرف أنه سيكون مثل ظلها، فلا يدعها تسرق لحيظات حرمت منها أسبوعا كاملا. منذ ثلاثة أيام وهي لاتنام، تمكث في مكتبها، وتتصفح كتبها المدرسية التي تحفظها عن ظهر قلب،ثم تعيد تصحيح ما تبقى لها من كراسات تلامذتها: منصف، وسعاد، وعبده، وشفيق…. فلا تمل، وتتذكر كل لحظات  الشرح، والكتابة،ثم تتنهد من عمقها الذي يغلي مثل مرجل.

كانت الساحة خلاء لاصوت إلا زقزقة طائر الشحرور واليمام، لكن صراخ التلاميذ كان يرن في أذنيها، لازالت تذكر جيدا ضحكة تلميذتها السمراء”صبيحة” التي لايشبهها أحد، وتضحك لأتفه الأسباب، ورغم أنها كانت تتعرض للتهديد والوعيد من مدرستها إلا أنها لاتتعظ.تبتسم”نور”،ثم تفتح الفصل برفق، فتنبعث منه برودة تلفح أنفها الصغير، وتتذكر أن زجاج النافذة  تكسر منذ شهور، وأن الجريدة التي وضعتها  للتخفيف من حدة البرد  قد تحررت .

ظلت نور تمرر أناملها الرقيقة من على المقاعد، وتذكر بالاسم: “هنا كان يجلس أحمد، وبجانبه أشرف…. هناك في الصف المقابل أقصى اليمين كانت سوسن تجلس إلى جانب زميلتها خديجة..”وتسترسل في ذكر الأسماء، وتعداد التلاميذ والتلميذات واحدا واحدا برقمة واسمه الكامل، ومعدل الدورة الأولى.

شعرت نور بقليل من التعب، والألم في رجلها اليسرى بسبب العرج الذي تعاني منه مذ كانت طفلة لا تتعدى الثالثة من عمرها حينما صدمتها دراجة نارية.لا تأبه بالغبار المتناثر هنا وهناك؛ لأنها كانت تبحث عن  شيء ما، عن رائحة طالما عشقتها بجنون، عن رائحة تلاميذها  إلى أن عثرت عليها، وصاحت: “إنها رائحة تلميذتي”سوسن” التي كانت تضع معطرا تشبه رائحة النعناع البلدي، وفي عز نشوتها، سمعت صوتا ينبعث من حنجرة قوية كأنه محرك سيارة من نوع رونو 4 موديل 1971م، ودون أن تلتفت عرفت أنه  العربي  حارس المدرسة، وهي لاتقوى على أسئلته الفجة، وسعيه الدؤوب لنيل بضع دريهمات بسبب ودون سبب لذلك لم تخف تضايقها منه، فقد وصل السيل الزبى؛ وقبل أن ينبس ببنت شفة، وضعت في يده ورقة نقدية، ثم قالت له:”هذه لزوجتك التي لم تمرض بعد”.احمرت وجنتاه رغم أنه كان أسمر اللون، وانكمش مثل كرة حريرية، وطأطأ الرأس، ومشى الهوينى في اتجاه البوابة الخارجية،ثم جلس على كرسيه المهترئ وهو يتساءل بصوت عال: “عجبا… من أخبرها بمرض زوجتي؟”.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.