في رحاب العلاقات المغربية البلجيكية..

admin
متابعات
admin9 ديسمبر 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
في رحاب العلاقات المغربية البلجيكية..

عبد السلام انويكًة

قِبلة درسات عدة كان زمن المغرب العلائقي التاريخي منذ ثمانينات القرن الماضي، دراسات يسجل أنها كانت طفرة بقيمة مضافة هامة هي نتاج عمل باحثين مؤرخين مغاربة أغنت نصوصهم خزانة البلاد التاريخية والدبلوماسية. وغير خاف عن معنيين مهتمين بالشأن أن البيني المغربي الأروبي خلال القرن التاسع عشر، كان وجهة أولى لورش بحثي في بداياته واهتماماته مقارنة بوجهات أخرى، على أساس ما توفر من مادة علمية مرجعية داعمة جمعت بين أرشيف وطني وآخر أجنبي كذا وثائق دبلوماسية وغيرها. وكان ما أنجز حول العلاقات المغربية الأروبية عموما من دراسات، قد أبان عن تفاعل تاريخي عميق وطبيعة أثر تماس مجالي وتوازنات، فضلاً عما كان عليه المغرب من تجربة دبلوماسية ورؤية ومن ثمة من إرث رمزي.

يذكر أن من بصمات وعلامات الدراسات المغربية العلائقية، ما أسهم به ابراهيم بوطالب وما كان بسبق في حديث عنه منذ ستينات القرن الماضي حول العلائقي المغربي الفرنسي، دون نسيان عبد الهادي التازي وذخيرة مجلداته حول تاريخ البلاد الدبلوماسي. بل من الدارسين الباحثين المغاربة الذين كانوا بفضل في توسيع وعاء هذا الرهان، نجد أحمد بوشارب وعثمان المنصوري اللذان تناولا العلاقات المغربية البرتغالية، كذا ما توجه بالعناية اليه خالد بن الصغير الذي رصد العلاقات المغربية الانجليزية في زمن حرج بأطماع وضغوط أجنبية. وضمن إرث تفاعلات حوض المتوسط كانت العلاقات المغربية الاسبانية بحكم الجوار موضوع أبحاث عدة، تباينت وجهاتها وقضاياها وطروحاتها في علاقتها بفترة استعمار وطبيعة وقائع فاصلة وردود فعل وتطورات. وأما عن علاقات مغربية ايطالية كانت في حكم مجهول، يسجل لبهيجة سيمو أنها ملأت بياضا حقيقيا معتمدة زخماً من وثائق نفيسة سمحت بنص رصين أثرى خزانة البلاد التاريخية.

وعن العلاقات المغربية العثمانية يصعب القفز عما كان لعبد الرحمن المودن وعبد الرحيم بنحادة وعبد الحفيظ طبايلي، من مساهمة عبر دراسات كشفت عن جوانب دفينة كانت مغمورة حول هذه العلاقات منذ العصر الحديث. ويسجل أن ما كان عليه هؤلاء من هاجس بحث وأرشيف وتوثيق وتنسيق، أغنى خزانة المغرب بنصوص هامة حول علاقة المغرب بالعثمانيين ومن ثمة حول علاقتهم بالبحر المتوسط وبلاد المغارب. دون نسيان ما تراكم حول العلاقي المغربي المغاربي من أبحاث بقيمة مضافة هامة، منها ما أنجز من قِبل عدد من الباحثين حول العلاقات المغربية الجزائرية، وما تقاسمته هذه العلاقات من ظرفية استعمار وردود فعل وتفاعل ومواقف ومسألة حدود وغيرها، فضلاً عما تمت مقاربته من قضايا حول العلاقات المغربية الافريقية سواء قبل أو بعد إحداث معهد للدراسات الافريقية.

وصوب اتجاه علائقي مغربي آخر بعيداً عن المجال الأروبي والافريقي، يسجل لمحمد بنهاشم أنه كان بسبق في التأصيل لعلاقات مغربية أمريكية، بدراسته لتمثيل دبلوماسي أمريكي في المغرب خلال فترة دقيقة طبعته أواخر القرن التاسع عشر الى غاية فرض الحماية عليه. هكذا كان هؤلاء وغيرهم من دارسين مغاربة عبر نبش بحثي حثيث لسنوات، بدور في بلورة أعمال علمية رفيعة تيمة توثيقا ونهجا بل مرجع ما جاء لاحقاً.

 وبلجيكا التاريخ والذاكرة المشتركة - رسبريس - Respress

وضمن مسار علاقات مغربية أمريكية تلك ذات العلاقة تحديداً بأمريكا الجنوبية اللاتينية، توجه سمير بوزويتة لرصد أصول تمثيل دبلوماسي مغربي أمريكي جنوبي، من خلال مقاربة ما طبع العلاقات المغربية مع كل من دولة البرازيل وفنزويلا والمكسيك والأرجنتين. ولعل بقدر ما عرض لأصالة دبلوماسية مغربية بقدر ما وضع صورة تاريخية موثقة، عن تمثيلية فعل البلاد الدبلوماسي زمن القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فضلاً عن دعوته لقراءة تاريخ مغرب معاصر من زاويته الدبلوماسية. ولعل لهذا الأخير صدر كتاب جديد موسوم ب: “المغرب وبلجيكا التاريخ والذاكرة المشتركة” في حوالي أربعمائة صفحة ضمن منشورات مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج. مؤلف توزعت مادته التاريخية على ارهاصات علاقات مغربية بلجيكية منذ القرن التاسع عشر، مع ما سُجل من إعداد أولي لسلك دبلوماسي بلجيكي بالمغرب. الى جانب ما توقف عنده من أحداث وتطورات همت وضع محميين مغاربة ومخالطين واتفاقات تجارية وزيارات رسمية وبعثات وأوراش تعاون، فضلاً عن ابراز ما كان لبلجيكا من أثر في تدبير قضايا مغرب هذه الفترة وأحواله.

وحول بلجيكا التي نشأت بعد استقلال مقاطعاتها عن هولاندا عام ألف وثمانمائة وثلاثين، وفق ما حصل من تعبير ووعي سياسي وثقافي عن هويات كائنة، قبل تكييف هياكل الدولة مع واقع مناطق وقبل دستور أحدث مقاطعات بسلطات تابعة ضمن اصلاح كرس استقلالا ثقافيا. مع اعتراف بثلات كيانات مجتمعية وأربع مناطق لغوية فيها، جمعت بين فرنسية وهولاندية وألمانية فضلاً عن ثنائية لغوية بمدينة بروكسيل. وحول بلجيكا التي كانت بعناية خاصة لدى السلطان الحسن الأول من خلال ما كان له من سفارة صوبها وردت في”اتحاف الأخيار” للجعيدي، تحدث سمير بوزويتة في مؤلفه عن زيارة سرية قادت ملكها “ليوبوند الثاني” الى المغرب سنة ألف وثمانمائة وسبعة وتسعين، مضيفاً في هذا السياق أن بقدر ما كانت عليه هذه الزيارة من تنكر بقدر ما استهدفت موضع قدم بمدينة الصويرة لتوقف رعايا بلجيكا في علاقتهم بالكونغو. ما كان وراء حماس بعثة دبلوماسية بلجيكية الى المغرب مطلع القرن الماضي، كانت هديتها مدافع من صنع بلجيكي.

وعن العلاقات المغربية البلجيكية من خلال المؤلف، نجد ما ورد عن زيارة الملك البلجيكي”ألبير الأول” للمغرب عام ألف وتسعمائة وواحد وعشرين، حيث استقبله السلطان مولاي يوسف ووشحه بحمالة الوسام العلوي الكبرى. كذا ما ورد حول أول سفير بلجيكي قدم أوراق اعتماده للسلطان محمد بن يوسف بعد استقلال البلاد في غشت ألف وتسعمائة وستة وخمسين، فضلاً عما ورد حول زيارة رسمية لملك بلجيكا “بودوان” للمغرب نهاية ستينات القرن الماضي وتلك التي قام الملك الحسن الثاني لبلجيكا عام ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانين. جوانب وغيرها من دبلوماسية مغربية شهدت دينامية متميزة اقليمية ودولية خلال القرنين الأخيرين، استحضرها كتاب “الذاكرة المشتركة بين المغرب وبلجيكا” برصده لِما حصل من طفرة علاقات، كان فيها المغرب بنهج دبلوماسي وتفاعل طبعته جملة رهانات وآفاق عمل وتعاون على أكثر من صعيد. 

كتاب “الذاكرة المشتركة بين المغرب وبلجيكا”، جاء بتقديم عميق تضمن اشارات هامة ذات علاقة بزمن دبلوماسية مغربية. ولعل مما توقف عليه ابرازه لِما كان لعبد الرحمن بن زيدان، من فضل في التعريف بدبلوماسية المغرب مستشهدا بما أورده قائلاً:”غير خاف على نباهتكم ما لربط العلائق بين الدول .. من الفوائد الجمة والعوائد الحسنة المهمة، وما ينبني عليها من تسهيل المواصلات ونمو التجارة وجلب الثروة والمحافظة على الأمن واكتساب الثقة، وراحة الضمير وضمان المستقبل وشحذ العزم والأخذ بالحزم والعمل ترويج البضاعة وترقية الصناعة، والأخذ بأسباب الرفاهية.” مشيراً أيضاً لأهمية تدوين عمل الدبلوماسية خدمة لتاريخ البلاد من جهة ولِما لذلك من نفع على المجتمع باعتباره حافزا باعثا من جهة ثانية، مضيفا:”في تدوين هذه العلائق خدمة للتاريخ.. وإحياء لذكرياته.. وتنبيها للجيل الحاضر والأجيال القادمة على ما كان..من مجد. وحضا للأبناء على الأخذ بما أخذ به الآباء مع شمم.” مسجلاً قفز وقلة عناية المؤرخين المغاربة بتاريخ البلاد الدبلوماسي وتوثيقه، قائلاً: “ما رفعوا عنه القناع ولا وضعوا النقاب ولا كشفوا عن حقيقته الحجاب، حتى توهم الأغمار والأغرار أنه لم تكن لدولة المغرب نظم مقررة ولا قواعد محررة.”

“الذاكرة المشتركة بين المغرب وبلجيكا”هذا الاصدار لسمير بوزويتة عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، تأسست مقاربته وتوثيقه لعلاقات البلدين على ببليوغرافيا توزعت على أرشيف مغربي عن خزانة تطوان العامة، أرشيف جمع عشرات الرسائل السياسية والقنصلية البلجيكية والسلطانية مع أمناء مراسي ونواب جهات وغيرهم، فضلاً عن رسائل لقضاة وعلماء وأشراف وموظفين وأعيان، الى جانب وعاء وثائقي وكنانيش ودوريات وثائقية عن مديرية الوثائق الملكية، كذا مساحة مراجع واسعة باللغتين العربية والفرنسية.

بكل هذا وذاك من نبش وتحليل وتوثيق وإغناء، يسجل للمؤلَّف كونه بأثر معبر وقيمة مضافة في لوحة جانب من جوانب تاريخ مغرب معاصر، لفهم طبيعة علاقات في زمن طبعته متغيرات عدة وضغوط استعمارية واحتلال وردود فعل ووقائع فاصلة. وعليه، فهو بقدر ما تناول وضع علاقات مغربية بلجيكية على امتداد حوالي قرنين من الزمن، بقدر ما استهدف طرحه ومحتواه فهم عوامل ومظاهر تواصل وتلاقح معرفي ثقافي حضاري، ومن ثمة ابراز ذاكرة مجالين جغرافيين وبلدين المغرب وبلجيكا، من شأن الاحاطة بها خدمة وتطوير وإغناء علاقات بينية عبر استثمار ما هو كائن من إرث مشترك. ولا شك أن أهمية الكتاب تكمن أيضاً في تسليطه الضوء على جوانب هامة تخص تفاعلات البلاد الخارجية، ذلك أن العلاقات المغربية البلجيكية في بعض تجلياتها وآليتها وتفاعلها وقضاياها ليست سوى وجها مصغرا لعلاقات مغربية أروبية عموما.          

يبقى إذا كان مؤلَّف”الذاكرة المشتركة بين المغرب وبلجيكا”، قد توجه بعنايته لرصد تفاعل دبلوماسي مغربي بلجيكي من خلال الأرشيف، فإنه بقدر ما استهدف توسيع وعاء بحث في هذا المجال وإغناء نصوص خزانة، بقدر ما أبرز قيمة مشترك رمزي في عمل هذه الدبلوماسية. ويسجل أن ما خلص اليه من اشارات، أهمية انفتاح البحث والباحثين على الكائن العلائقي المغربي. مع ما ينبغي من تنقيب في تجليات وتحفيز للإقبال على ما هو مشترك بين المغرب وشعوب العالم كذاكرة رمزية، وعيا بما يمكن أن تُسهم به هذه الأخيرة كموارد زمن وما يمكن أن يسهم به التاريخ من خدمة لفائدة حاضر المغرب ومستقبله.

عضو مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.