يحيى زروقي
كانت لوحدها تتألم في صمت،تحاول ألا تظهر شيئا أمام الركاب،وخاصة أمام المشحم ذي الصوت الجهوري،والشنب التركي.كان يشك في أمرها،وكل مايهمه ألا تتقيأ،أوترميَ قذارة ابنها.كانت تتحاشى نظراته المزعجة،وسعاله المقرف،ورائحته القذرة،فتناغي ابنها،وتداعبه لتبعد عنها شكوكه،فتارة تغني له بالأمازيغية،وهو يرد عليها بلازمته”أقا ببحْ…”.لم أفهم شيئا،لكنني كنت أشعر بشيء ما داخلي يخبرني بإحساس مرهف يعبر عن قمة التماهي بينهما،والتناغم المثالي بين روحين لايمكن أن تنفصلا.بين الفينة والأخرى،كان الصبي ينظر إلى زجاج النافذة،فتظهر صورته،ويقبلها كأنه عثر على ضالته،أو توأم روحه،ويطلق ضحكة عالية يوقظ بها كل الركاب،فيتفاعلون معها.
أخيرا توقفت الحافلة،فنزلت السيدة ،وبالكاد استطاعت أن تجر قدميها كأنها تحمل خطيئة الإنسان على كتفيها،وابنها خلفها يدفعها،فوقعت على وجهها،وهبَّ إليها المشحم ليساعدها على النهوض.كانت عيناه تبرقان كأنه أحس بخطئه الجسيم،وقبلها على رأسها،بل وحمل كل أمتعتها إلى أول عربة مجرورة،فشكرته.ابتسم لها،ثم عاد إلى الحافلة لايلوي على شيء،إذعليه أن يقطع حواليْ ألف كيلومتر قبل أن يحط الرحال ببلدته في الأطلس الصغير.
يحي زروقيمنذ 10 أشهر
شكرا لجريدتكم على الدعم اللامحدود لقلمي .أتمنى ان أكون في المستوى دوما.