بدت فرحة معانقة الحرية والتفاؤل على محيا محمد، وهو ينظر إلى أرضه الجبلية الوعرة في باب برد بضواحي مدينة شفشاون شمال العاصمة الرباط عندما يستحضر عفو العاهل المغربي الملك محمد السادس مؤخرا عن عدد من مزارعي القنب.
ويقول محمد الذي صدر ضده حكم بالسجن لعامين قضّى منهما نحو عام قبل أن ينعم بالعفو الملكي “هذه الأرض، باستثناء بعض الأشجار المثمرة، غير صالحة للزراعة لا تعطي إنتاجا يكفي للعيش، فبالأحرى فلاحة تسويقية تدر علينا بعض الدخل”.
وأضاف “منذ صغري والناس هنا يزرعون القنب الهندي، فالأهالي لهم احتياجاتهم غير الأكل والشرب اللذين نوفرهما بالكاد.. فبالأحرى مصاريف اللباس والعلاج والدراسة”.
ويشاركه التفاؤل ابن عمه عبدالسلام الذي قال “كنا دائما نزرع القنب في خوف من مواجهة السجن والغرامات بسبب أن هذه الزراعة والمتاجرة فيها ممنوعة، لكن أولى الخطوات التي جعلتنا نتنفس الصعداء، قرار الحكومة منذ ثلاث سنوات جعل زراعته قانونية”.
وصوّت البرلمان في 2021 لصالح تقنين زراعة القنب في بعض المناطق الشمالية، وجعلها مشروعة لإدخالها في الاستخدامات الطبية والتجميلية والصناعية.
ويعدّ المغرب أكبر منتج للقنب في العالم هو وأفغانستان وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، وتسمح السلطات بزراعة وتصدير واستخدام المنتج في الأدوية وقطاع الصناعة لكنها لا تسمح باستخدامه لأغراض ترفيهية.
وفي الـ20 من أغسطس الجاري أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس عفوا عن 4831 شخصا في قضايا متعلقة بزراعة القنب.
وذكر بيان لوزارة العدل “فضلا عن الجوانب الإنسانية لهذه الالتفاتة، فإنها ستمكن المشمولين بها من الاندماج في الإستراتيجية الجديدة التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب”.
وأشار الوزارة في بيانها إلى الأثر “المهيكل الذي سيحدثه نشاطها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي”.
وكانت السلطات على مدى عقود تلجأ إلى أساليب تنوعت بين إجبار الفلاحين على التخلي عن زراعة هذه النبتة بإحراق الحقول والسجن، أو عن طريق إقناعهم بزراعات بديلة كالأشجار المثمرة ومنها الزيتون والخروب إضافة إلى تربية الماعز بحسب طبيعة كل منطقة جبلية.
لكن بعد التقنين في 2021 وسّعت السلطات منطقة زراعة وانتشار القنب بهدف الاستفادة منه في مجالات طبية وتجميلية، وذلك في مناطق كل من الحسيمة وشفشاون وتاونات في ما استمرت أقاليم أخرى في زراعته بطرق غير قانونية كأقاليم وزان وتطوان والعرائش.
ويدخل القنب الهندي في تقاليد استهلاكية ترفيهية في المنطقة، حيث يخلط المجفف مع التبغ ويتم تدخينه في أنابيب طويلة مصنوعة من الخشب تنتهي بأوعية من الفخار يطلق عليها محليا اسم (السبسي).
وقال محمد الكروج المدير العام للوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب لرويترز “العفو الملكي يشجع المزارعين على زراعة القنب الهندي بصورة قانونية لتحسين إيراداتهم وظروفهم المعيشية”.
وانطلق موسم زراعة القنب وفق الإطار القانوني للاستعمالات الطبية والتجميلية في مايو 2023. وقال الكروج إن “أول حصاد للنبتة بلغ 294 طنا، وبلغت الصادرات القانونية منذ عام 2023 حتى الآن 225 كيلوغراما”.
كما توقع أن يكون محصول هذا العام أكبر، مع زيادة تصاريح الزراعة.
وقال شكيب الخياري منسق الائتلاف الجمعوي المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب لرويترز إن العفو “جاء استجابة لمطلب سكان مناطق زراعة القنب”.
وتمتهن هذه الزراعة ما يناهز 60 ألف أسرة تضم 400 ألف فرد يعملون مباشرة في هذه الزراعة، بحسب الائتلاف.
وأضاف الخياري أن “العفو جاء استجابة للقوى الحية للمجتمع والمتمثلة في جمعيات المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية على قلتها التي تدافع عن مصالح هذه الفئة”.
وأصدر المرصد المغربي لتقنين القنب بيانا عقب العفو الملكي ثمّن فيه الخطوة، لكنه لم يخف قلقه من القدرة الشرائية الضعيفة نتيجة التضخم.
السلطات المعنية بأن المناطق التقليدية تعرف ركودا اقتصاديا خطيرا في ظل ما يعرفه المغرب والعالم من ارتفاع مهول للأسعار، كما أنها لا زالت تعاني العزلة والتهميش رغم مرور ثلاث سنوات على دخول ورش التقنين حيز التنفيذ.
كما لفت الانتباه إلى إشكالية كبيرة يعاني منها عدد من الجهات التي تقوم بزراعة القنب سواء المرخص لها أو غيرها تتمثل في الإجهاد المائي الذي عاني منه المغرب في السنوات القليلة الماضية بسبب شح الأمطار.
وبعيدا عن منطقة باب برد وشفشاون، تقول رشيدة من قرية عين بيضا التابعة لإقليم وزان غير المرخص له بزراعة القنب إن الوادي بجانب منزلهم كان يُستغل منذ أكثر من 30 عاما في ري الخضر وسقي البهائم لكن مياهه نضبت “حتى قبل نقص الأمطار في الأعوام القليلة الماضية”.
وهذا الوادي هو أحد روافد نهر لوكوس الذي يبلغ طوله 100 كيلومتر وينبع من جبال الريف بشمال البلاد ويصب في المحيط الأطلسي عند ساحل العرائش.
وأضافت رشيدة البالغ من العمر 54 عاما أن الوادي “استغله سكان المنطقة منذ أواخر تسعينات القرن الماضي لري القنب الهندي، الذي يتطلب كميات كبيرة من المياه”.
وتعتبر زراعة القنب في هذه المنطقة دخيلة على السكان لكنهم لجأوا إليها مثل عدد من المناطق الشمالية المغربية الأخرى لاعتقادهم أنها تدر عليهم دخلا أكبر من الزراعات الأخرى.
وحذر المغرب في أكثر من مناسبة من آثار الإجهاد المائي، وقال الملك محمد السادس في وقت سابق إن “المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة”.