رسبريس – العرب اللندنية
على خلاف ما راج حول سبب إلغاء زيارة وزير الخارجية الاسباني خوسي مانويل ألباريس إلى الجزائر في اللحظة الأخيرة يوم الاثنين الماضي، كشفت صحيفة ‘لوموند’ الفرنسية أن السبب الحقيقي وراء الإلغاء كان رفض الوزير الاسباني أي مساومة جزائرية على موقف بلاده من مغربية الصحراء.
وكانت الجهات الجزائرية قد بررت قرار إلغاء زيارة ألباريس التي كان من المفترض أن تمهد لطي صفحة التوترات بين البلدين، إلى الأجندة المزدحمة لوزير الخارجية الجزائري وللمسؤولين عن ملف العلاقات الثنائية.
لكن بحسب الصحيفة الفرنسية، يعود قرار الإلغاء إلى أن الجزائر فشلت في إقناع ألباريس بإعلان موقف صريح مناقض لذلك الذي أعلنته الحكومة الاشتراكية بقيادة بيدرو سانشيز والذي أكدت فيه دعمها لسيادة المغرب على صحرائه وعلى مقترح الرباط للحكم الذاتي حلا وحيدا وواقعيا لإنهاء النزاع المفتعل.
وذكرت ‘لوموند’ نقلا عن مصادر جزائرية أن المسؤولين الجزائريين أرادوا انتزاع موقف من ألباريس ترغب في سماعه قبل الزيارة ويتعلق أساسا بموقف يكون مناقضا للموقف الاسباني الرسمي من قضية الصحراء، لكن الوزير الاسباني رفض وبرر قرار الإلغاء بما سماه “مشاكل في الجدولة” من قبل الطرف الجزائري.
ورأت الصحيفة الفرنسية أن هذا التطور يشير إلى أن تطبيع العلاقات بين مدريد والجزائر سيبقى منخفضا في ظل تمسك مدريد بموقفها الداعم لمغربية الصحراء.
وكانت زيارة ألباريس للجزائر ستمهد لعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، لكن فجأة ألغت السلطات الجزائرية الزيارة، ما أثار أسئلة حول هذا القرار المفاجئ. ورجت أغلب التحليلات أن السبب الحقيقي وراء القرار هو عدم توصل الجانب الجزائري إلى اتفاق واضح بشأن قضية الصحراء المغربية، إذ تتمسك مدريد بدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي بينما تطلب منها الجزائر التراجع عنه.
وكانت السلطة الجزائرية قد اتخذت إجراءات عقابية ضد اسبانيا مباشرة بعد اعتراف مدريد بمغربية الصحراء وإعلانها رسميا دعمها لمبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا قابلا للتطبيق، كما علقت العمل باتفاقية الصداقة بين البلدين إلى جانب قرارات أخرى منها ما يتعلق بصادرات الغاز الجزائري لاسبانيا ومنع الصادرات عبر الموانئ المغربية.
وبسبب المتغيرات الجيوسياسية وحالة الاضطرابات التي باتت تهدد مصالح الجزائر، تراجعت الأخيرة عن قراراتها ودخلت في تواصل مع الجانب الاسباني من أجل إعادة تطبيع العلاقات.
وفي مارس 2022 قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع مدريد وفي يونيو من العام ذاته قطعت علاقاتها الاقتصادية، ردا على إعلان الحكومة الاسبانية دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب حلا وحيدا للنزاع المفتعل في الصحراء.
لكن ومنذ نوفمبر الماضي بدأت بشكل تدريجي في خطوات لإصلاح علاقاتها مع اسبانيا خشية تفاقم تضرر علاقاتها ومصالحها مع الشركاء الأوروبيين إذ حذر الاتحاد الأوروبي مرارا من أن الإجراءات العقابية الجزائرية بحق مدريد تسيء أيضا للعلاقات مع أوروبا.
وكانت الجزائر قد روجت على لسان وزير الخارجية أحمد عطاف لرواية مغلوطة مفادها أن اسبانيا بصدد التراجع عن موقفها الداعم لمغربية الصحراء مستندا إلى أن تصريح رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز في الأمم المتحدة لم يأت على ذكر مبادرة الحكم الذاتي لحل النزاع في الصحراء.
لكن الادعاءات الجزائرية لم تصمد طويلا، فالمواقف الاسبانية الرسمية من ملف الصحراء واضحة ومعلنة وقطعية أصلا ولا مجال للتراجع عنها حتى في أوج الأزمة السياسية في اسبانيا التي كادت تنتهي بنهاية حكم الاشتراكيين.
وتبقى الأسباب الواقعية لعودة الجزائر إلى الحديث عن إصلاح العلاقات مع اسبانيا، بحسب أغلب التحليلات، هي أن مخاوف من تصرر المصالح الجزائرية مع الشركاء الأوروبيين وكذلك أن ضرر القطيعة مع الشريك الاسباني أكثر من نفعه سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
وتراقب الجزائر عن كثب نجاحات الدبلوماسية المغربية وتحاول مجاراتها بمبادرات موازية سواء في ما يتعلق بتلك التي تهم إفريقيا أو التي تهم الشركاء الأوروبيين، بينما تتوجس من أن تقود في نهايتها إلى تفاقم عزلتها.
وترى بعض التحليلات أن توجه الجزائر إلى إصلاح العلاقات مع مدريد تعود في جزء منها إلى شأن داخلي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، بينما يحتاج الرئيس عبدالمجيد تبون لانجازات خارجية تدعم حظوظه للترشح لولاية رئاسية جديدة.
وتشكو شركات جزائرية من القطيعة التجارية التي أضرت بمصالحها مع المغرب ومع اسبانيا، وسط توقعات بأن تفاقم أزمة قائمة أصلا ناجمة عن تسييس السلطة لقضايا اقتصادية واستخدامها ورقة للضغط على الشريك الاسباني.