يتواصل هدير الشارع الجزائري، منذ أكثر من شهر، رافضا بأي شكل وتحت أي مبرر استمرار الرئيس بوتفليقة والجماعة التي تنطق باسمه في الحكم. في المقابل، تفيد معلومات مؤكدة ساقتها صحيفة “الخبر” الجزائرية بأن الفريق الذي يحيط ببوتفليقة ويدعمه مصمم على المضي نحو ما يسمى “ندوة وطنية جامعة”، غير مكترث بالغضب الشعبي الذي لا يؤمن بأي ترتيبات تخص مستقبل البلاد، يضعها رموز النظام بشقيه المدني والعسكري.
راهن قطاع من الناشطين في الحراك على الجيش وقيادته لحمل الرئيس ومن معه على الخضوع لإرادة الملايين بالتنحي. وقد توهم الكثير منهم يضيف نفس المنبر بأن اللين والمهادنة اللذين ميزا خطاب رئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح، خلال زياراته الأخيرة إلى هياكل ونواح عسكرية، يمكن أن يتطورا إلى طلاق بينه وبين بوتفليقة. وليس خافيا على أحد أن بين الرجلين رابطة قوية قوامها الولاء. فلبوتفليقة أفضال كبيرة على ڤايد صالح، عندما ولاَه منذ 2004 رئاسة أركان الجيش، وبعدها استحدث من أجله منصب نائب وزير الدفاع. وبمرور السنين، أضحى الضابط العسكري صاحب نفوذ قوي، وركيزة النظام السياسي أعطت جماعة الرئيس قوة رادعة في وجه خصومها السياسيين. وخلال فترة مرض الرئيس، كانت إطلالات صالح الإعلامية محل ترقب وانتظار للاطلاع على مواقف النظام من الأحداث، وكان كلما تحدث يخوض في السياسة ويؤكد على شدة ولائه للرئيس.
ويظهر- تسجل الخبر- ، بعد أن أشاد صالح 4 مرات على الأقل خلال مجريات الحراك، بـ”الشعب وصلابة علاقته بجيشه”، أنه لا يملك استعدادا لينتقل إلى خطوة أخرى أكثر جرأة، بأن ينخرط عمليا في مطلب الحراك الأساسي، وهو إبعاد كل المسؤولين الذين سيروا البلاد خلال الـ20 سنة الماضية. لا يمكن لقايد صالح أن يجد نفسه في هذا المطلب، لسبب واحد، هو أنه جزء من منظومة الحكم، بل هو دعامتها، وأي تغيير للنظام لن يكون ذا معنى إذا بقي هو قائدا للجيش. وعلى هذا الأساس، يجب على صالح أن يقدم استقالته للرئيس الجديد الذي سينتخب ديمقراطيا، إن لم يرحل مع بوتفليقة قبل 28 أبريل المقبل. وكان سلفه محمد العماري استقال مباشرة بعد حصول بوتفليقة على عهدة ثانية، إيذانا بهزيمة سياسية كبيرة، فقد دفع في تلك الانتخابات بعلي بن فليس إلى الترشح ضد بوتفليقة وخسر اللعبة.
واتضح حسب نفس المصدر منذ انفجار الشارع في 22 فبراير 2019 أنه كلما نظم الجزائريون مسيرة في نهاية الأسبوع، جاءهم الرد من النظام في الأسبوع الموالي. الرد كان في البداية بإيداع بوتفليقة ملف ترشحه بالمجلس الدستوري، عن طريق مدير حملته الانتخابية، وكان بمثابة استهتار بمطلب الجزائريين سحب ترشحه لعهدة خامسة. ثم جاءت المظاهرة الثانية وكانت أكثر ضخامة عدديا وأقوى سياسيا، وردت عليها جماعة الرئيس برسالة منسوبة له، تضمنت تنازلات في نظر البعض، بينما رأى فيها آخرون التفافا صريحا على المطالب الشعبية، فبدل أن يعلن الرئيس التنحي وفقط كما أراد ذلك غالبية المواطنين، وافق على عدم ترشحه ولكن مدّد عهدته الرابعة، وتجاوز الدستور عندما أجّل الانتخابات التي كانت مقررة في 28 أبريل.
وختمت الصحيفة تحليلها مؤكدة أنه كلما حاولت الجماعة تهدئة الشارع بمسكنات كانت عاكسة لقصور خطير في النظر، فقد استنجدت بالدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي للإشراف على ندوة وطنية، أرادت أن تكون محطة لتسليم السلطة لرئيس جديد، ولكن مع أولى اتصالاته بنشطاء الحراك، تبين لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا سابقا حجم الهوة التي تفرق الأجيال الجديدة بنظام بلدهم، فرمى المنشفة بسرعة متخليا عن “المهمة”. وسعت الجماعة من جديد إلى الإيهام بأنها استجابت لمطلب التغيير، فأقالت أحمد أويحيى من رئاسة الحكومة وعوضته بنور الدين بدوي ورمطان لعمامرة. ومع أول لقاء بينهما وبين وسائل الإعلام، تأكد الجزائريون أن السلطة تبحث عن ربح مزيد من الوقت طمعا في تلاشي وهج الشارع.