سيذكر التاريخ للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني أنه كان ملكا بدرجة فنّان، يعرف ذلك أغلب الفنانين المغاربة والعرب الذين اقتربوا منه، واقترب منهم، ومن بينهم الفنان الراحل صالح الشرقي الذي أكد أن الملك كان عازفا جيدا للأكورديون ولعدد من آلات الإيقاع.
وفي إحدى المناسبات، نادى على الشاعر الغنائي فتح الله المغاري، وخاطبه قائلا: “أنت كاتب جيد للكلمات، فلماذا لا تتعامل مع الملحنين والمغنين، بدل أن تقوم بالتلحين والغناء لنفسك فقط؟ إن هذا التعاون الفني سيعطي كلماتك وقعا أكثر قوة في أذن المستمع”، وفي العام 1967 دعا الفنانة الراحلة صباح إلى أداء أغنية “ما نا إلا بشر” لعبدالوهاب الدوكالي وتصويرها في فيديو كليب، وهو ما حدث فعلا، وتقول المطربة المغربية لطيفة رأفت إن الملك الحسن الثاني هو الذي طلب منها أداء أغنية “اش دانيّ” الشهيرة وهو الذي نصحها بأداء أغنية “مغيارة” واقترح عليها تعلّم الحركات الأسبانية، وبارتداء اللباس المغربي.
وروى المصور المصري الشهير فاروق إبراهيم واقعة غريبة حدثت في المغرب عندما طلب الملك الحسن الثاني من أم كلثوم أن تغني في حفل خاص للأسرة المالكة، وكانت التعليمات بأن يكون الحفل خاصاً بكل معنى الكلمة، أي بلا رجال إعلام ولا مصورين، ولكن فاروق إبراهيم أدرك بحسِّه الصحفي أن غناء أم كلثوم في هذا الحفل الملكي الخاص فرصة لا يمكن أن تمر دون أن يسجلها بكاميراته فحمل كاميرا صغيرة وأخفاها في ملابسه، وعند دخوله قاعة الحفل قال لرجال الأمن: أنا العقيد “فاروق إبراهيم” من الحراسات الخاصة، وبدأت أم كلثوم الغناء، وبعد انصراف الملك وأم كلثوم للعشاء، فوجئ فاروق إبراهيم بوزير داخلية المغرب في ذلك الوقت يأخذ منه الكاميرا.. ويقبض عليه.. وعندما علمت أم كلثوم بذلك وكانت تستعد لاستئناف الحفل، ذهبت إلى الملك وطلبت منه إطلاق سراح مصورها الخاص، فكان لها ما أرادت بعد سحب الفيلم من الكاميرا.
في سنة 1971 بقصر الصخيرات، التف العديد من الفنانين العرب حول الملك الحسن الثاني، من بينهم عبدالوهاب، محمد العزبي، محمد رشدي، محمد قنديل، محرم فؤاد، شريفة فاضل، فايزة أحمد، نجاة الصغيرة، عبدالحليم حافظ، صلاح ذو الفقار، فريد الأطرش، وديع الصافي، إلى جانب فنانين مغاربة من بينهم العربي الكواكبي، عبدالواحد التطواني وأحمد الغرباوي والمعطي بنقاسم، وأثناء الاحتفال، اختار محمد عبدالوهاب أن يقدم تقاسيم على عود الفنان المغربي العربي الكواكبي تلاها عزف المقدمة الموسيقية لأغنية “دارت الأيام” التي كان لحنها لكوكب الشرق أم كلثوم، إلا أن عزفه كان عاديا ولم يكن ليطرب بما فيه الكفاية أذن الملك.
وبعد أن انتهى طلب الملك من أحمد البيضاوي أن يعزف مقطوعة بعود الكواكبي الذي عزف به الموسيقار محمد عبدالوهاب، حيث عزف بشكل أثار الحضور بمن فيهم الملك الراحل الحسن الثاني، في تلك اللحظة ألقى البيضاوي بالعود على الأرض فتكسر قائلا: “العود الذي سمعني به سيدي لن يسمع عزفه أحد بعده”، وهو الشيء الذي أثار غضب الكواكبي بالقول: عودي انكسر سيدي، فأجابه الملك ضاحكا: سيأتيك عود آخر من سوريا، وهو ما حدث بعد أيام.
الحبيب الأسود
كاتب تونسي