رسبريس – وكالات
اعتاد امين العلمي، حمل مزماره النحاسي والتجول في الأزقة العتيقة، لإيقاظ الناس وقت السحور، والحفاظ على مهنة مهددة بالزوال، في ظل رحيل كبار السن الممتهنين لها.
يقول العلمي (35 عاما) ، إن قصته مع مهنة النفار (المسحراتي) بدأت منذ الصغر مع أبيه، حينما كان يخرج لإيقاظ الناس للسحور.
هذا الشاب رفع التحدي متشبثا بتراث يقترب من الانقراض، خصوصا أن المهنة اختفت من عدد من الأحياء والمدن.
النفار
وبزيه التقليدي المغربي كالجلباب والطربوش الأحمر، وآلته سواء كانت مزمارا أو طبلا، يتجول النفار عبر الأزقة والشوارع لإيقاظ الناس، قبل ساعتين أو ساعتين ونصف من آذان الفجر.
ويتذكر العلوي “الأجواء في أزقة سلا، حيث يلحق الأطفال بنا فرحين، والناس تطل من نوافذ بيوتها، حتى أن بعض العائلات تقدم لنا بعض حلويات رمضان”.
وتابع القول: “اهتمامي بالمهنة بدأ في سن مبكرة، وبالرغم من أننا كنا نملك آلة مزمار واحدة، إلا أن والدي أصر على تعليمي كيفية استخدامها والنفخ فيها”.
ورغم حبه لكرة القدم واهتمامات أخرى، أكد أمين أنه متشبث بمهنة النفار، وقال بهذا الصدد: “سأحرص على أن أورثها وأعلمها لأطفالي، خصوصا أن آباءنا كانوا يزاولون هذه المهنة الموسمية”.
وأشار العلوي إلى أن “هذه المهنة في المغرب قريبة من الاندثار، خصوصا أن قلة من الشباب يزاولونها”.
وأضاف “أن شخصية الطبال والنفار تضفي جوا خاصا في أيام رمضان خصوصا في الأحياء الشعبية”.
ولفت إلى أن “عددا من مغاربة الخارج يقضون رمضان بالمغرب، من أجل عيش هذه الأجواء”.
عامل السحور
الباحث في علم الاجتماع مصطفى بنزروالة، أفاد أن “هذه الوظيفة مزدوجة ومركبة، تنهل من عمق ديني، باعتبار أن هذا الشخص يساهم في تحقيق جزء لا يتجزأ من طقس وشعيرة الصيام، ألا وهو السحور”.
وأوضح بنزروالة، أن النفار “وظيفة ثقافية ورمزية تتجلى في الإيقاعات التي يحدثها هذا الرجل، وتتجلى أساسا في بعض الممارسات التي يفعلها الأطفال الذين يتبعون المسحراتي ويتحلقون حوله ويفرحون بحضوره”.
واستطرد أن “رمزية ومدى حضور شخصية المسحراتي؛ الطبّال أو النفّار، كما هو متداول في السياق المغربي، لا يمكن أن نفصله عن الحمولة الرمزية والدلالية والثقافية لرمضان ومنظومته ككل، باعتباره شهرا له خصوصية دينية من جهة، وثقافية من جهة أخرى”.
وأضاف: “رمضان عند المغاربة يتجاوز شيئا ما منطق الطقس والشعيرة الدينية الخالصة إلى منطق الممارسة الثقافية والرمزية والدلالية”.
وتابع: “قد تجد العديد من الأفراد غير متدينين تدينا حقيقيا، لا يؤدون مثلا باقي الطقوس وباقي الشعائر، لكنهم حريصون على أداء شعيرة الصيام (..) فهناك رمزية كبيرة لشهر رمضان في المعتقد عند المغاربة”.
كابوس الانقراض
بنزروالة، اعتبر أن هذه المهنة “باتت مهددة بالانقراض، خاصة في المدن الكبرى”.
وأوضح أن “أسباب ذلك كثيرة، خصوصا أنها ليست مهنة دائمة، وإنما وظيفة مؤقتة مرتبطة برمضان أو ممارسة مهنية غير مهيكلة”.
ويرى أن “هناك تحولات قيمية وثقافية تعتلي المجتمع المغربي، بالتالي حتى رمزية رمضان وحمولته وثقله الثقافي والديني بدأت في الانخفاض”.
واستطرد: “وبالتالي مجموعة من الظواهر التي كانت ترتبط بشهر الصيام بدأت في الخفوت إلى درجة يمكننا أن نتحدث عن الانقراض”.
بنزروالة أشار إلى أن “الهواتف الذكية وتطبيقاتها (مواقيت الصلاة والإمساكيات) أو المنبه، باتت تهدد مكانة وحضور المسحراتي أو الطبال في رمضان”.
وخلص الباحث الاجتماعي إلى أن هذا الوضع “يضرب في عمق وظيفة الطبال أو النفار”.
وبيّن أنه “لن تبقى لدى النفار أهمية لو أن الإنسان يسهر الليل وينام بالنهار، فبالتالي وظيفة هذا الرجل باتت مهددة بالانقراض”.
حفاظ على التراث
وأوضح بنزروالة أن إمكانية الحفاظ على رمزية الوظيفة ومن يقوم بها “تظل قائمة ما دام هنالك اعتراف بها وحرص على استمراريتها وعدم انقراضها”.
ودعا إلى مأسستها ودعم ممارسيها، ولو بالتفاتة من طرف القطاع المكلف بوزارة الأوقاف أو وزارة الثقافة.
وتابع: “يمكن دعمهم بمبادرات ذاتية من طرف جمعيات الحي أو التنسيقيات المحلية إلى غير ذلك”.
وأضاف: “هناك جهود ذاتية للناس وللمواطنين ولساكنة الأحياء أو المدن، تقوم في إطار إحساني وخيري دعما لهؤلاء، باعتبار أن وظيفتهم راقية تساهم بقدسية الشعيرة الدينية المرتبطة بالصيام”.