رسبريس – أ.ف. ب
مع مواراة جثمان رئيسها الأسبق الثرى، اليوم السبت في السعودية، طوت تونس صفحة زين العابدين بنعلي بشيء من اللامبالاة، في أجواء تطغى عليها حملة الانتخابات، دون أن تغلق الكثير من ملفات فترة الاستبداد.
وكان بنعلي، الذي طرد من الحكم تحت ضغط الشارع في 14 يناير 2011، بعد أن حكم تونس 23 عاما بنظام أمني صارم، توفي الخميس الماضي في المنفى الاختياري في جدة؛ ولم يشكل نبأ وفاته الاهتمام الأول في نشرات الأخبار ولا في أحاديث أهل تونس التي تستعد لانتخاب نواب برلمانها في السادس من أكتوبر المقبل، ثم لانتخاب رئيسها من بين مرشحين اثنين من خارج المنظومة؛ هما الأكاديمي قيس سعيد الذي يدعو إلى لامركزية وحكم محلي، ونبيل القروي، رجل الأعمال وقطب الإعلام الموقوف حاليا.
ووفق إعلان صغير نشر في صحيفة “لابرس” الحكومية، الناطقة بالفرنسية، دفن بنعلي يرتبط باليوم السبت في المدينة المنورة، وسيتلقى قسم من أسرته التعازي غدا الأحد في ضاحية سيدي بوسعيد الراقية، شمال العاصمة التونسية؛ أما أرملته ليلى الطرابلسي، التي تعيش حياة مرفهة في جدة، مع ابنتيها نسرين وحليمة وابنها محمد، فصدرت بحقها أحكام تونسية قاسية غيابيا ، بعد إدانتها باختلاس أموال وحيازة أسلحة ومخدرات وقطع أثرية.
وصدرت على بنعلي أيضا أحكام عدة بالسجن المؤبد، خصوصا لإدانته بالقمع الدامي لمتظاهرين أثناء ثورة أواخر 2010 وبداية 2011؛ التي سقط فيها أكثر من 300 قتيل؛ لكنه لم يمثل يوما أمام القضاء.
واعتبر أكرم عازوري، أحد محامي بنعلي، أن “الرئيس الثاني للجمهورية التونسية بات الآن من الماضي، والتاريخ سيصدر حكمه عليه”.
وتجري محاكمات عديدة حاليا، خصوصا بفضل تحقيقات “هيئة الحقيقة والكرامة” التي كلفت بكشف الانتهاكات التي شهدتها تونس بين 1955 و2013. وجمعت هذه الهيئة شهادات ووثائق وصفحات من الأرشيف الرسمي؛ وذلك بغرض إحالة مقترفي الانتهاكات ومن أمر بها، وصولا إلى بنعلي ذاته، على محاكم مختصة.
ونظمت هذه الهيئة خلال فترة عملها 14 جلسة علنية منحت فيها الكلمة لأقارب مفقودين رووا عذاباتهم، وكذلك لعماد الطرابلسي، شقيق زوجة بنعلي الذي تحدث بالتفصيل عن منظومات الفساد خلال فترة نظام بنعلي الذي كان من أعمدته.
يخوت وسيارات وشركات
كانت زمرة زوجة بنعلي، المكروهة في تونس، دمرت اقتصاد البلاد؛ كما ذكر تقرير مفصل للبنك الدولي في 2014.
وقال التقرير إنه في نهاية 2010 كان الـ114 شخصا الذين ينتمون إلى هذه الزمرة يملكون 220 شركة تسيطر على “21 بالمائة من الأرباح السنوية للقطاع الخاص في تونس، أي 233 مليون دولار، ما يساوي أكثر من 0.5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي”.
وبعد هروب بنعلي تمت مصادرة مئات الشركات والعقارات والسيارات الفاخرة والمجوهرات، التي كانت ملك أسرته وعشرات من المقربين منه، وعهد بها إلى صندوق تابع للدولة يحمل اسم “الكرامة القابضة”.
وبات هذا الصندوق يملك، خصوصا، 51 بالمائة من أسهم الشركة المشغلة لخدمة الهاتف في تونس “أورانج”، ومعظم أسهم أهم شركة للإسمنت في البلاد “إسمنت قرطاج”، وأراض زراعية وقصورا وغيرها. لكن الدولة التونسية لازالت بعيدة عن استعادة الأموال المنهوبة.
وبعد صعوبات في إطلاقه، استعاد صندوق “الكرامة القابضة” نحو ملياري دينار تونسي (600 مليون أورو) من المساهمات في شركات خاصة منذ 2011، منها 500 مليون دينار في 2018، حسب رئيس مجلس إدارته عادل قرار. لكن الشركات المصادرة المثقلة بالديون لا تكاد تجد من يشتريها.
وترسو يخوت ومراكب تهالكت بسبب الرطوبة في ميناء سيدي بوسعيد، مقدمة دليلا ملموسا على صعوبات تثمين وبيع أملاك عصابة بنعلي. وتمت، مثلا، إعادة عرض سيارات فاخرة وعربة تخييم مجددا للبيع في 2018، لكن لم يبد أحد اهتماما بها.
وغذت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في تونس حنينا إلى ما قبل 2011 باعتبارها سنوات أكثر ازدهارا.
لكن النتيجة التي حصلت عليها الأحد الماضي في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية عبير موسي، المرشحة الوحيدة التي دافعت عن حزب بنعلي، تؤكد أن العودة إلى الوراء لا تلاقي تجاوبا من التونسيين؛ وقد حلت في المرتبة التاسعة ونالت 4 بالمائة من الأصوات.