- رسبريس
يظل التاريخ مصدر شغف للكثيرين، وتبقى أحداثه منبعا خصبا يمنح المؤلفين فرصة لاقتناص حكاياته. هنا تُصبح زاوية التناول هى مصدر التفرقة بين إصدارٍ وآخر. وفي هذا السياق أصدر الكاتب الصحفي إيهاب الحضري مدير تحرير جريدة الأخبار، كتابه الجديد: “بنكهة الدم.. التاريخ الخفي لمؤامرات القصور”، الذي نشرته مؤخرا دار فاصلة للنشر والتوزيع.
مثلما يتضح من عنوانه، يقتنص الكتاب عددا من مؤامرات القصور عبر التاريخ، وتبدأ من نهاية عصر الدولة المصرية القديمة، مع الملكة “نيت إقرت”، التي دبّرت مؤامرة قضت فيها على عدد كبير من أعدائها في حفلٍ أقامته، وهو ما يعتبره المؤلف نموذجا مُبكرا جدا لمذبحة القلعة التي دبّرها محمد علي. يتطرق الكتاب بعد ذلك لمؤامرة الحريم التي فكّرت فيها إحدى زوجات الملك رمسيس الثالث للتخلص منه، ونقل الحكم إلى ابنها. ثم ينتقل إلى العصر البطلمي الذي شهد عددا كبيرا من المؤامرات، تآمرت فيها الابنة لقتل أبيها، وقتلت الملكة أخاها، وأعدم ملكٌ أمه بعد أن هددتْ بعزله وتنصيب شقيق له على العرش، لكن النموذج الأشهر في تلك الحقبة تلك المؤامرات التي وقعت في عصر “كليوبترا السابعة”، وحمل الفصل المرتبط بها عنوان “سجادة غيّرتْ مجرى التاريخ”.
انتقل الكتاب بعد ذلك إلى العصر الفاطمي، الذي اتسم أيضا بكثرة المؤامرات، وهو ما تكشف عنه عناوين الفصول: “فرّاش سابق يحلم بالخلافة”، “وزير لمدة نصف يوم”، و”الابن يخطط لاعتقال أبيه”. وتنتقل الصفحات إلى العصر المملوكي، والصراعات الدموية التي شهدها، وقدّم حكايات تتسم بالإثارة، ثم اختتم بعهد أسرة محمد علي، وأشهرها الاطاحة بالوزير القوي إسماعيل باشا المفتش، كما يكشف عن مؤامرة مجهولة لقتل الخديو إسماعيل، بتدبير الشيخين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.
ويشير الحضري إلى أن هناك مؤامرات مثيرة لم يتطرق لها الكتاب، لتفادي التكرار حيث وردت في مؤلفات أخرى له، ومنها اختفاء السلطان الفاطمي الحاكم بأمر الله، وتخطيط السلطان المملوكي المؤيد شيخ لقتل ابنه.
ويبدو المؤلف منتبها إلى أن كتابه يحتاج إلى قارىء بمواصفات خاصة، حيث يقول في مقدمة الكتاب: “حكايات هذا الكتاب “للكبار فقط”! لا لأنه يتضمن مشاهد جريئة، بل لكوْنه يُقدّم نماذج من تاريخ خفي ارتبطتْ أحداثه بالدم، قصصه مكتوبة باللون الأحمر، نتيجة صراع وحشي على كُرسي السلطة، يقتل فيه الأخ شقيقه، ويُهدر الابن حياة والدته، ويدسّ الأب السم لولده! ووسط ذلك تبرز قصص الخيانة لتمنح المشهد إثارة إضافية، تُشبه ما نقرأه حاليا بصفحات الحوادث ونُشاهده في أفلام الجريمة. هنا ينبغي التأكيد على حقيقة مهمة، فالتركيز على التاريخ الدموي لا يستهدف إطلاقا المساس بعظمة حضارتنا أو التشكيك فيها، لأن مثْل هذه القصص منتشرة بكل حضارات العالم في مُختلف العصور، كما أننا نُتابع حلقات منها في حياتنا المعاصرة، لكن البشرية تعلّمتْ فقط كيف تستر عوراتها نسبيا، فأصبح سفْك الدماء وجهة نظر!”.
يعتمد الحضري على حقائق تاريخية، لكنه يبدو مُتشككا في مسارات بعض الأحداث، لهذا يزيد معدل استخدام كلمة “ربما”، وهو ما يبرره في مقدمة الكتاب قائلا: “سوف تتكرّر كلمة “ربّما” أكثر من مرة في الصفحات القادمة، لأن اليقين المُطلق أكذوبة، صحيح أن الوقائع كلها حقيقية، غيْر أن كثيرا منها ارتبط بمساحات ضبابية، تفتح الباب أمام الخيال لاستكمال تفاصيل غامضة، وربما يكتسب التاريخ جاذبيته من هذه النقطة تحديدا، لأنها تمنحنا القُدرة على الاستنتاج وتبنّي وجهات نظر تختلف من شخص لآخر. لهذا تعمّدتُ ذكر بعض المراجع الأساسية، كي أفتح الباب أمام الراغبين في مزيد من المعرفة، فكثير من المؤامرات امتدت، لكني اتخذتُ قرارا بوقفها قسريا عند مرحلة ما، بهدف الانتقال إلى قصص أخرى، وهكذا تنوعت الحكايات وامتدت من مصر القديمة حتى عصر عائلة محمد علي، وقد يكتشف القارىء أنّ الأسماء والأزمنة تتعدّد، بينما يبقى أسلوب المتآمرين واحدا!”.
يعتمد الكتاب على حقائق مُوثّقة، غير أن المؤلف يخاطب القارىء العام غير المتخصص، لهذا يعتمد على لغة غير أكاديمية، وعناوين جذابة للفصول، منها: ملكة مشكوك في وجودها، الفرعون الغامض، مؤامرة الحريم، خيانة عمرها 2300 سنة، صراع الضُرّتيْن، سجّادة غيّرتْ مجرى التاريخ، “فرّاش” سابق يحلم بالخلافة، وزير لمدة نصف يوم، خلافات الفرسان الثلاثة، دب قتل صاحبه، ابن غراب يتلاعب بالملوك، 4 سلاطين في عام واحد، ثورة على الوالي العثماني، التاريخ المجهول لحملة فريزر، غرور ابن الباشا، جريمة في قصر الوالي، “تجارة الدين” تطيح بالخديو الصغير، ومؤامرات قتل الخديو إسماعيل.
وفي خاتمته المؤقتة، يعترف المؤلف بمؤامرة دبرها في حق القرّاء: “انتهى الكتاب لكنّ صفحات التاريخ مفتوحة، تمنح كل عاشق للحكايات فرصة الغوص فيها، إما لاستكمال تفاصيل أخرى للقصص السابقة، أو لاستخراج مناطق درامية جديدة، تصلح كل منها أن تكون محور كتاب مُنفصل. سأكون قد نجحتُ إذا تمكّنتُ من إثارة فضولكم، بحيث يُصبح الكتاب منصة لانطلاقكم في آفاقٍ أكثر اتساعا، وهكذا تكون “مؤامرتي” قد حقّقتْ هدفها الأساسي!!”.