وقف سعيد بوتفليقة منذ سنوات كرجل الظل في حكومة شقيقه ورئيس الدولة الجزائرية المخلوع عبد العزيز بوتفليقة. عرف بطموحه وحنكته وتأثيره اللافت للنظر على قرارات بوتفليقة الرئيس، منذ الجلطة التي أصيب بها هذا الأخير ،وهو ما كان يطرح كثيرا من الإشكالات حول أدوار هذا الرجل وحدود نفوذه في الواقع السياسي بالجارة الشرقية.
شغل سعيد بوتفليقة منصب مستشار في الرئاسة الجزائرية برتبة وزير، وقد عين بمرسوم غير منشور. ويتمتع الشقيق الأصغر لرئيس الدولة الجزائرية ومستشاره الخاص، بنفوذ كبير الى غاية الإطاحة به أمس السبت رفقة الجنرالين مدين وطرطاق.
هو أستاذ محاضر درس بجامعة هواري بومدين باب الزوار حتى عام 1999، سنة انتخاب عبد العزيز بوتفليقة للرئاسة.
تبدو حياة سعيد الرجل المبهم ذي النفوذ القوي سواء في قصر المرادية أو في المدينة ذاتها لغزا يصعب حله بسهولة .
ووفقا لوثائق سرية كانت قد سربت في وقت سابق من موقع ويكيليكس، فإن وزارة الخارجية الأميركية نفسها طلبت سنتي 2008 و 2009 من دبلوماسييها في الجزائر وفرنسا والمغرب وتونس بالتحقيق والنبش وراء هذا الرجل “السري والكتوم”.
الكل يتعقب خطاه وينتقده حتى أن أحد مقربيه يقول: “لا تتعب نفسك، لن يتكلم أبدا”.
ولعلّ في هذا القول ما يحيل إلى حالة “البارانويا” أو الشعور بالارتياب والحذر التي عليها سعيد بوتفليقة، والتي تقف حاجزا أمام معرفته وتبيّن أسراره والوقوف على حقيقة ما يحوم حول هذا المستشار الذي ارتبط مصيره ارتباطا وثيقا بمصير الرئيس تقول الكاتبة سامية العليوي: .
ولد سعيد بوتفليقة سنة 1957 في عائلة تتكون من تسعة أفراد، بعد عشرين عاما من ولادة عبد العزيز، في وجدة..
وكان والده الذي توفي بعد ولادته بعام يعمل وكيلا بسوق الجملة. ترعرع الصبي في أحضان والدته، منصورية.
وفي غياب الأب تربى سعيد على يد شقيقه الأكبر عبد العزيز وتحت جناحه كما لو كان ابنه الحقيقي. ثم في وقت لاحق، تتلمذ سعيد على يد هواري بومدين “صديق العائلة”، الذي كان يحبه إلى درجة أنه ترك بصمته الخاصة في حياته”.
غداة الاستقلال في يوليوز عام 1962، انتقلت العائلة إلى الجزائر، وأصبح عبد العزيز آنذاك النائب الأول لمحافظة تلمسان ثم وزيرا للشؤون الخارجية في عهد الرئيس أحمد بن بلة. لتستقر العائلة إثر ذلك في العاصمة الجزائرية، حيث تعلم سعيد في أفضل مدارس العاصمة.
وبعد حصوله على البكالوريا وعلى الإجازة بالجامعة العلمية بباب الزوار، تحول إلى باريس سنة 1983 للتفرغ للدكتوراه في مادة الإعلامية. وكانت آنذاك الأوضاع قد بدأت تتوتر في العاصمة الجزائرية، خصوصا بعد وفاة الرئيس بومدين في 27 ديسمبر 1978، وأبعد بعد ذلك عبد العزيز بوتفليقة عن الوزارة من قبل الجيش الذي كان يفضل العقيد الشاذلي. ثم بعد رفضه في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني في ديسمبر عام 1981، قرر الوزير السابق أن يختار المنفى.
من باريس إلى دمشق ثم جنيف وأبوظبي، تنقل عبدالعزيز بوتفليقة بين العواصم يعرض خدماته كمستشار مالي دولي، ولم يعد إلى الجزائر لسنوات عدة، خصوصا أنه لم ينس أبدا كيف غادرها ولا مرارة المؤامرة التي حيكت ضده والتي ظلت ترافقه كل تلك السنوات.
ولم تنج أسرة بوتفليقة أيضا من هذه المؤامرة، فعملية الإطاحة طالتهم وطالت حتى المقربين من الرئيس بومدين، حيث أجبروا على مغادرة المنزل الذي كانوا يسكنونه في تلك الفترة. والكثير من الجزائريين يتذكرون تذمر والدة بوتفليقة وإخوته جراء تعرضهم للظلم.
بعد ذلك، اتهم عبد العزيز بوتفليقة بالاختلاس من قبل محكمة مراجعة الحسابات في 8 غشت 1983..
امنت عودة سعيد إلى الجزائر في عام 1987 مع نهاية عقوبة أخيه الأكبر. فبعد ست سنوات خارج البلاد، استعاد عبد العزيز بوتفليقة احترامه مجددا خاصة من خلال إعادة الانخراط في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني. وفي أعقاب ذلك، استعادت عائلته ممتلكاتها في الجزائر.
وفي سبتمبر 1998، أعلن الرئيس ليامين زروال استقالته وإجراء انتخابات مبكرة. ومن هنا بدأت الحقبة الجديدة لأسرة بوتفليقة. وبعد رفضه لعرض الجيش في يناير عام 1995 بالعودة إلى الساحة السياسية وتقديم ترشحه للانتخابات، قرر بوتفليقة قبول العرض هذه المرة والعودة إلى السياسة كمرشح توافقي.
عشرون عاما بعد الإطاحة به والدفع به إلى المنفى انتخب عبد العزيز بوتفليقة في 15 أبريل 1999 رئيسا للبلاد، وأصبح محاطا بأفراد عائلته، فأصبح سعيد مستشاره الخاص وأخته زهور، مديرة للقصر تعتني بشؤونه وبمطبخ الرئيس خاصة. وأصبح مصطفى، الطبيب الأخصائي في الأنف والحنجرة، الطبيب الشخصي (توفي في يوليو 2010). لكن تعيينهم لم يتم بصفة رسمية وإنما عن طريق توافقات عائلية.
وكانت لسعيد علاقات وثيقة مع بعض الوزراء الذين كان يلتقيهم مساء في المطاعم أو الفيلات الخاصة، كان أيضا يتودد للجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي تمتلك خيوط أسرار شركة النفط الحكومية “سوناطراك” ووزارة العمل الاجتماعي والتضامن الوطني.
كان يعلم جيدا كيف يهدد رجال الأعمال والصناعيين ويدفعهم لتمويل حملة الرئيس.
تقدر أموال سعيد بوتفليقة حاكم الجزائر المطلق تضيف العليوي دائما بأكثر من 10 مليارات دولار. والكثير من الجزائريين لم يشاهدوه أبدا ولا يعلمون أنه من يقرر الكثير من الأمور المتعلقة بمصير حياتهم اليومية.
ويعرف كثير من الجزائريين في العاصمة رجل أعمال اسمه رابح، وهو مسير مشاريع سعيد بوتفليقة في العاصمة الجزائر وهو كذلك كلمة السر بين السعيد وأصحاب “الشكارة” الراغبين في قضاء مصالحهم في أعلى هرم السلطة.
ويوفر سعيد حمايته للعشرات من رجال الأعمال والصناعيين والمقاولين في كل مكان بالجزائر، لدرجة أن هذا المثقف بات يلتقي حتى بتجار السجائر ومهربيها وبعض أثرياء الحرب ويوفر لهم الحماية ومن أمثال هؤلاء “البوهالي” وهو مهرب معروف في مدينة تمنراست والحاج بتو والشيخ الشايش وسيدة أعمال معروفة من الجنوب دبر لها لقاء مع شقيقه الرئيس وحصلت على مشاريع وهمية في سوناطراك بضغط منه.
واستطاع سعيد بذكائه الخارق أن يجرف الساحة السياسية لمصلحته، فاخترق جميع الأحزاب وجعلها بلا رأس، وحاول اختراق جميع المؤسسات الأمنية والإدارية والرقابية والقضائية في الدولة وزرع عيونه هنا وهناك
لكن ذلك لم يمهله لتحقيق طموحه بالإلتفاف على كرسي الرئاسة . لأن ارادة الشعب الجزائري كانت أقوى حين طالبت بوضع حدّ لرأس الأفعى وزعيم العصابة :سعيد بوتفليقة..