فاطمة الزهراء بعد المحنة.. حين يشق شغف التعلم طريقا نحو حياة خارج الزنزانة

admin
قضايا وحوادث
admin6 مارس 2023آخر تحديث : منذ سنتين
فاطمة الزهراء بعد المحنة.. حين يشق شغف التعلم طريقا نحو حياة خارج الزنزانة

عادل بلمعلم – و م ع: لعل أصعب تحد يمكن للمرء أن يرفعه هو تحدي النفس، ومقاومة الإحباط، خصوصا إذا كانت ترتبط بظروف العيش داخل زنزانة محروما من الحرية.

تخف الوطأة وينكسر القيد حين تهتدي إرادة الكائن في تحويل هذا الحرمان إلى طاقة خلاقة تنبثق عنها نجاحات باهرة ترسم إمكانيات جديدة لحياة خارج القضبان.

تلك هي المعاني والدلالات الإنسانية السامية التي تختزلها حكاية فاطمة الزهراء. ح (مواليد 1997)، التي اسود الأفق في عينيها وهي تتلقى بصدمة منطوق الحكم الذي قضى بحبسها لمدة أربع سنوات، عقب اعتقالها سنة 2016 على خلفية تورطها في تهم تتعلق بالإرهاب والتطرف ليتم إيداعها بالسجن المحلي العرجات 1 بمدينة سلا، قبل أن يتم نقلها إلى السجن المحلي لمدينة تيفلت.

أربع سنوات حبسا لتلميذة في سلك الثانوي، أمر غير معتاد وصعب التحمل والتصور في نفس الآن، خاصة بالنسبة لفتاة في مقتبل العمر، ستدخل عالما غير مألوف يحتضن ساكنة توجد في “خصام” مع القانون والمجتمع … هذه الانعطافة الفارقة، وحبها للحياة حملها على ركوب التحديات والنظر أبعد من واقع العزلة والظلام، لتنخرط في مسار مختلف وأجواء محفزة، نجمت عن علاقات ود مع زميلات لها بالسجن، عقدن العزم، بإرادة مشتركة وتشجيع متبادل، على التغلب على محنة السجن من خلال الانخراط في أنشطة مهنية أو تربوية تساعد في معركة مواجهة ثقل الزمن، والتخفيف من وطأة أبواب السجن المغلقة.

فكان السبيل الوحيد استئناف مسار الدراسة، علما أن فاطمة الزهراء كانت قبل اعتقالها قد اجتازت امتحانات البكالوريا دون نجاح، فكان التصميم على معاودة المحاولة. وجدت عونا لها في الجهود والتسهيلات التي توفرها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، من أجل تمكين السجناء من متابعة دراساتهم تماما كما لو كانوا خارج الزنازين، فضلا عن وضع نظام لتحفيز السجناء على الانخراط في تكوينات مهنية وحرفية لمواجهة تحديات الحياة بعد قضاء الفترة الحبسية.

تحكي لوكالة المغرب العربي للأنباء كيف انتظرت على أحر من جمر تفاعل إدارة المؤسسة السجنية مع طلبها لاستكمال دراستها في مستوى البكالوريا، الأمر الذي لبته على وجه السرعة، وقدمت لها كل الدعم والمساعدة من كتب ومراجع، إلى أن تمكنت في نهاية السنة من اجتياز الامتحان والحصول على شهادة البكالوريا. زغرودة فرح من وراء القضبان.

لم تتوقف تجربة السيدة هنا. لقد أقدمت على التسجيل بالجامعة، في شعبة الدراسات الإسلامية، لتبدأ مسارا جامعيا جديدا. هنا، يستفيد النزلاء والنزيلات من متابعة الدروس عن بعد إلى جانب باقي الطلبة داخل الكليات والجامعات، بل تتاح إمكانيات لتنقل الأساتذة إلى غاية المؤسسة السجنية من أجل الإشراف على الامتحانات سواء الكتابية منها أو الشفوية.

لم تقتصر التجربة السجنية لفاطمة الزهراء على التحصيل الجامعي فقط، بل كان شغفها بالتكوينات المهنية كبيرا. تقول إنها كانت تنهمك في الورشات المتاحة حتى تفقد الشعور بمرور الوقت الذي يتبدد في التكوينات الحرفية سواء في الخياطة أو الحياكة وكل ما يرتبط بالأنشطة النسوية.

فكريا، تقر فاطمة بأن برنامج “مصالحة”، الذي وضعته المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، والموجه حصريا للسجناء المتورطين في قضايا الإرهاب والتطرف، كان له دور حاسم في تغيير حياتها داخل السجن، لاسيما في ما يتعلق بتغيير تصوراتها ورؤيتها لقضايا الدولة والمجتمع، وهو ما كان له التأثير القوي والإيجابي على أفكارها قبل وبعد الإفراج عنها، وفي طريقة إعدادها للاندماج داخل المجتمع.

واعتبرت فاطمة الزهراء، التي قضت ثلاث سنوات و3 أشهر (من أربع سنوات مدة المحكومية) قبل أن تستفيد من عفو ملكي، أن السجن يظل مؤسسة اجتماعية وإصلاحية، يمكن للسجين أن يخرج منها بمسار ومستقبل باسم ين، من خلال تحقيق ذاته في حرفة أو مهنة، أو تأسيس شركة أو مقاولة يصبح من خلالها رجل أعمال ناجحا.

وهي تتابع مآلات عدد من زميلاتها وزملائها، تبدي فاطمة الزهراء، في سياق حديثها، امتنانا وتقديرا لمختلف البرامج الإدماجية التي يتم تنفيذها على مستوى المؤسسات السجنية بالمملكة، مؤكدة استفادتها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة برسم سنة 2021 من تمويل في إطار برنامج المشاريع مدرة للدخل، حيث حصلت على تمويل بقيمة 50 ألف درهم، تمكنت بواسطته من إنشاء مشروع لبيع الأفرشة والأغطية بمدينة سلا.

كان الإعداد النفسي والمواكبة التي استفادت منها خلال فترتها الحبسية طريقها نحو استعادة القدرة والرغبة معا في التفاعل والاندماج مع حركة محيطها ومجتمعها. هي اليوم صاحبة مقاولة عائلية تديرها إلى جانب زوجها، وتبعث من خلالها رسالة بحروف ذهبية تخط عناوين الإرادة والرغبة في تحويل المحنة إلى عتبة أولى نحو الخلاص وتحقيق الذات.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.