من ذاكرة بادية المغرب الوطنية بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب

admin
متابعات
admin22 أغسطس 2023آخر تحديث : منذ سنة واحدة
من ذاكرة بادية المغرب الوطنية بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب

رسبريس

عدد معبر من الدارسين والباحثين المؤرخين المغاربة، توجهوا باهتماماتهم خلال العقود الأخيرة لزمن البادية المغربية ولذاكرتها الرمزية الوطنية، ومن خلالها لزمن القرب والتاريخ المحلي خاصة منه فترته المعاصرة لاعتبارات عدة. ولعل ما حصل من أعمال ونصوص علمية وتراكمات جاء متعدداً في زوايا مقاربته للموضوع، ومن ثمة ما اغتنت به الخزانة المغربية التاريخية من اسهامات بقدر عال من الأهمية والقيمة المضافة، بالنظر لِما قائما من بياضات في هذا الاطار. ويسجل أنه مقابل أبحاث ودراسات جمعت بين وصف وتصنيف لتاريخ عدد من البوادي المغربية، توجهت أخرى لقضايا ومحطات ذات علاقة بفترة الحماية الأجنبية، في أفق فهم أهم وأوسع لأحداثها ووقائعها وتطوراتها على عدة مستويات. ولا شك أن الباحث والمهتم بتاريخ البادية المغربية، يجد نفسه أمام غموض يلف جوانب عدة من مكونات قبائلها واسهاماتها وحضورها وتفاعلاتها وردود فعلها الوطنية في تاريخ البلاد. وكان الأستاذ علال الخديمي قد أشار في احدى أعماله العلمية، أن تاريخ القبائل المغربية في مجملها لا يزال موضوع تكهنات وأحكام مسبقة ونظريات متسرعة، علما أن تاريخ المغرب في حدود معينة هو تاريخ بادية لعبت دوراً هاماً بكل مقوماتها فيه.

عن مقدمة جبال الريف في هذا السياق، وحول بادية تازة وذاكرتها الوطنية واسهامات قبائلها زمن الحماية في مقاومة الاحتلال الاستعماري، يدخل كتاب “تازة على عهد الحماية قبيلة البرانس في مواجهة الاستعمار الفرنسي”، الذي صدر عن منشورات “ومضة” بطنجة. وقد جاء في واجهته الأمامية بصورة مدمجة عن الأرشيف الفرنسي، تخص واحدة من أهم معالم شمال تازة الكولونيالية العسكرية الفرنسية، حيث مجال قبيلة البرانس ومركز تايناست في التماس تقريبا مع منطقة الاحتلال الاسباني أو ما عُرف خلال هذه الفترة الحرجة من تاريخ المغرب ب”المنطقة الخليفية”. كتاب يصنف ضمن مجال البحث التاريخي حول البادية المغربية ومساهمتها في مقاومة الاحتلال الأجنبي، خاصة بوَادي أعالي المجال المغربي ومناطقه الجبلية الوعرة المسالك فضلا عن عزلة موقعها وهامشيتها، ومن هنا ما طبع هذا المؤلَّف من تميز واضافة.

كتاب “تازة على عهد الحماية قبيلة البرانس في مواجهة الاستعمار الفرنسي” للأستاذ عبد لسلام انويكًة، جاء معززا بتقديم للدكتور محمد الزرهوني رحمه الله ضمَّنه جملة إشارات محكمة عميقة في دلالاتها بعيون الباحث الأكاديمي، استحضرت سياق المؤلَّف حول تاريخ القبيلة العسكري المعاصر، وما تأسس عليه من ببيبليوغرافيا ووثائق بقيمة تاريخية هامة عن الأرشيف الاستعماري بالمغرب زمن الحماية. وقد توزع  على ثلاث محاور متكاملة في اطار زمن منهجي تاريخي، بسطت لمحطات من تاريخ بادية تازة، بإبرازها لعدة تطورات ووقائع طبعت منطقة قبيلة البرانس منذ عقد الحماية1912 حتى الكفاح الوطني و اعلان استقلال المغرب. وقد انصب محتوى على دراسة القبيلة من حيث خصائص موطنها ومجالها وسمات مجتمعها ومكونات أنشطتها، وكذا تفاعلاتها مع محيطها منذ القدم. مع تركيزه على فترة دقيقة من تاريخها، تلك التي ارتبطت بانخراطها في مواجهة التوغل الاستعماري الفرنسي بالمنطقة، وما واكب ذلك من مد وجزر في علاقة مع مكون ممر تازة، ومن شد وجذب بينها وبين فلول القوات العسكرية الاستعمارية منذ احتلال تازة، فضلاً عن تضحيات جسيمة فردية وجماعية قدمتها قبيلة البرانس في سبيل استقلال البلاد.

وبقدر ما شكل كتاب “تازة على عهد الحماية قبيلة البرانس في مواجهة الاستعمار الفرنسي”، قيمة مضافة لفائدة تاريخ بادية المنطقة، بقدر ما يعد اضافة للخزانة التاريخية وإسهاماً متميزاً في حقل التاريخ المحلي، وقد  أورد عنه الدكتور محمد الزرهوني رحمه الله قائلاً: “بقدر ما لهذا التخصص من أهمية بالغة في سبيل إماطة اللثام عن قضايا وإشكاليات وتجارب بشرية مُموقعة في المجال ومُمتدة في الزمان، تخص مدنا وقرى وتجمعات بشرية ظلت مجهولة أو مغمورة لضعف الاهتمام بها أو لتهميشها… بقدر ما ينطوي على تحديات جمة على مستوى التنقيب والتأليف، لِما يعتري ذلك من صعاب تتعلق بندرة الوثائق أو قلة فرص الحصول عليها لأسباب متعددة. منها على الخصوص ضعف حركة التدوين وسيادة الثقافة الشفاهية، والميل إلى التكتم عليها أو إخفائها. لذلك فإن الباحث الراغب في اقتحام هذا الفرع من التاريخ، يجد نفسه أحيانا أمام مغامرة تتطلب منه الصبر والتؤدة والمكابدة وسعة الصدر. لعله يجمع شذرات متناثرة من المعلومات والموارد تسعفه لتحقيق مبتغاه، دون أن تشفي فضوله الفكري بالمستوى المطلوب وتروي غليله العلمي بالكيفية المتوخاة. والواقع أن مختلف هذه النقائص لم تثن عزائم ثلة من الفاعلين والباحثين عن الاضطلاع بهذه المهمة العلمية المجدية، فعمدوا إلى اقتحام عرين التاريخ المحلي، لدوافع ذاتية أو موضوعية كل حسب موقعه ووضعه ومبتغاه، واستطاعوا بفضل انخراطهم البيِّن أن يدلوا بدولهم في هذا الشأن، متجشمين عناء الصعاب ومقارعين ثقل المشاق”.

ويعد مؤلف”تازة على عهد الحماية قبيلة البرانس في مواجهة الاستعمار الفرنسي” في محوره الخاص بالشق الفزيائي، بمثابة جولة في جغرافيا قبيلة البرانس التي تتميز بمجال طبيعي صعب ومعقد، فرضته وعورة تضاريس الجبل وقساوة المناخ واتساع الرقعة وصعوبة المواصلات. فضلاً عن واقع عزلة نسبية في علاقة بمحيطه خاصة من جهة الشمال حيث مقدمة جبال الريف، المجال الذي جابه صاحب المؤلف لإلتقاط كلمات أو جمل أو شظايا رواية بهذا المكان أو ذاك ومن هذا المقاوم أو ذاك ممن لا يزالون على قيد الحياة. ولا شك أن صاحب المؤلف بذل جهدا كبيراً وهو يخوض لجة البحث، حول هذه الفترة التاريخية من تاريخ مغرب الحماية وبهذه الرقعة الجبلية من الوطن، بالنظر لضعف المادة المصدرية التي لا تتجاوز في الغالب الأعم ما خلفته الادارة الاستعمارية من وثائق ومستندات، وبعض ما ورد في حواشي الدراسات الأكاديمية. ولعله ما دفع صاحب المؤلف للإعتماد على الرواية الشفهية في توثيقه لتاريخ مقاومة قبيلة البرانس للاستعمار الفرنسي، من أجل سد الفراغات التي تقفز عليها المصادر والمراجع المتوفرة، وهو دليل على أهمية طرح سؤال مدى صدقية ومصداقية الخلاصات والاستنتاجات التي يتم الاهتداء إليها بالاعتماد فقط على المادة المصدرية الأجنبية.

هكذا جاء مؤلف”تازة على عهد الحماية قبيلة البرانس في مواجهة الاستعمار الفرنسي”، غنياً بمادة توثيقية مستقاة من رواة عايشوا الأحداث التي تناولها، قصد انتقاء الأهم وفرز الغث من السمين وغربلة المنحاز من الرواية والمعلومات عن الموضوعي، ولحصر الروايات التي من شأنها تقديم رؤية متوازنة لِما جرى من أحداث وتطورات خلال هذه الفترة الدقيقة من تاريخ الوطن. ففي مائة وسبعين صفحة من القطع المتوسط، بسط الكتاب لجانب من تاريخ قبيلة البرانس المعاصر، عبر ثلاثة فصول تناول الأول منها القبيلة في امتداداها المجالي وأصول تسميتها وتركيبتها ونمط عيشها وتاريخها، منذ فترة الأدارسة حتى ظهور طلائع القوات الاستعمارية الفرنسية الغازية الأولى على مشارف حدود القبيلة. أما الفصل الثاني فقد خصص لمقاومة قبيلة البرانس للاحتلال الفرنسي تدريجياً، مع التعريف برموزها الذين حملوا مشعل المقاومة ما بين 1914 – 1956، أما الفصل الثالث من الكتاب فقد استهدف ابراز رد فعل قبيلة البرانس على حدث نفي السلطان محمد بن يوسف من طرف سلطات الحماية، من خلال اعلانها النفير في صفوف أبنائها لاستنفارهم وتعبئتهم في معترك المقاومة المسلحة التي لم تضع أوزارها إلا بإعلان استقلال المغرب.

ويبقى الكتاب بقيمة مضافة هامة للمكتبة التاريخية وتاريخ البادية المغربية المعاصر، لِما بذل فيه من جهد وما تميز به من عطاء ومبادرة وشجاعة أدبية. من أجل رصد الثقافة التاريخية الوطنية وتوثيقها ونشرها وابرازها للأجيال الجديدة من جهة، ولإبراز ما اسهم به السلف من تضحيات وما كان عليه الأجداد  من وطنية وحب ودفاع عن للوطن من جهة ثاني. ولعل مثل هذه الكتب والمؤلفات والابحاث والدراسات حول تاريخ البلاد الوطني الذي ساهمت فيه البادية والمدينة المغربية على السواء، بقدر ما هي استحضار لذاكرة المغرب والمغاربة وتراثهم الرمزي، بقدر ما هي مكونات ومساحات مجسدة لثراء زمن المغرب وتراثه اللامادي.

 ذاكرة بادية المغرب الوطنية بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب - رسبريس - Respress
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.