فريدة بن سليم
طرح البنك المركزي التونسي للتداول ورقة نقدية جديدة من فئة عشرة(10) دنانير ، تحمل صورة للدكتورة التونسية الراحلة” توحيدة بن شيخ”، وكانت هذه المبادرة من جملة المبادرات التي أبدعها الرئيس التونسي قيس السعيد لتكريم المرأة التونسية على مشوارها ،و نضالها الطويل في سبيل خدمة الوطن، و السؤال الذي يطرح بإحاح: من هي ” توحيدة بن شيخ ” لتحظى بهذا التتويج ؟ : توحيدة بن الشيخ هي امرأة تونسية مناضلة ومكافحة ، شقت طريقها ببسالة تمردا على قانون الأعراف المحافظ ،تطلعت للارتقاء بتاء التأنيث، رسمت صورة المرأة التونسية الحقة، واستطاعت اقتحام حصن الرجال لتكتب اسمها ضمن قائمة الصفوة. هي ابنة الساحرة بنزرت التونسية، تربت في بيت محرض على الثقافة و النضال على يد أم -من عائلة بن عمار إحدى العائلات المناضلة إبان الاستعمار الفرنسي لتونس – ، آمنت بالمساواة وبأن البنت لديها نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل، لتتلقى نفس التعليم رفقة شقيقيها، وهذا ما أعطاها دفعة قوية للسفر إلى فرنسا لمواصلة دراستها في الطب ،وأثناء تواجدها بعاصمة الأنوار أقامت مع عائلة الدكتور” بورني” الطبيب و الباحث الفرنسي ،مما شكل لها قفزة نوعية أهلتها لمواصلة دراستها العليا ،و نيل شهادة الدكتوراه. لتقرر توحيدة العودة إلى أرض الوطن حاملة معها ذلك الزاد العلمي، وقد فتحت عيادتها، و كرست نفسها لخدمة أبناء وطنها خاصة الغير الميسوري الحال، لتنال باستحقاق لقلب ” طبيبة الفقراء” .
توحيدة مسيرة نضالية وتاريخ حافل بالانجازات: بالنسبة لنا توحيدة ليست مجرد طبيبة نساء وتوليد فهي القائدة الفريدة من نوعها ، نستشف من أعمالها شخصية بملامح قيادية و نضالية ، يكفيها فخرا أنها أول طبيبة تونسية. فتوحيدة بالرغم من نجاحها في مجال تخصصها الطبي ،إلا أنها آمنت أن النضال لا يقف عند حد معين ، لتحمل على عاتقها عبء تلك القضايا الإنسانية والوطنية ، و استطاعت سبر أغوار النضال الحقوقي للإرتقاء بحقوق المرأة التونسية ، ناهيك عن كونها من أوائل المساهمات في إطلاق تجربة التنظيم العائلي في تونس ،لتضيف مزيدا من التفوق على لوحة الانجاز العظيم لبلد عظيم .ولتتولى العديد من المناصب من إدارة قسم التوليد و طب الرضيع (1955-1964)، ومنصب رئيسة قسم التوليد و الرضيع بمستشفى عزيزة عثمان بتونس، و مديرة الديوان الوطني للتنظيم العائلي سنة 1970. كما شغلت منصب نائب رئيس الهلال الأحمر التونسي، وقد كانت عضوا في عمادة الأطباء التونسيين سنة1958 وناشطة جمعوية وفاعلة مدنية ، إذ نشطت في العديد من الجمعيات منها : جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا ،كما كانت لها مشاركات في مؤتمرات دولية كمؤتمر إتحاد النساء الفرنسيات ، و الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي ، و أسست جمعية الإسعاف الاجتماعي ، و التي كانت من انجازاتها إقامة دار للأيتام ودار للمرأة سنة 1950، كما أسست جمعية القماطة التونسية للعناية بالرضع من العائلات المعوزة سنة 1950، و قادت حملات توعوية للعناية بالرضيع و الطفل، و أسس التربية الصحية السليمة .والى جانب نضالها الإنساني و الحقوقي كان لها مشوار لا يستاهل به في مجال الصحافة بحيث كان إحدى أقلام مجلة ليلى -، المجلة التونسية النسائية الأسبوعية الناطقة بالفرنسية -، لتتولى بعدها الإشراف على ذات المجلة سنة 1937.
و إضافة للقبها بطبيبة الفقراء ،كانت توحيدة طبيبة الإنسانية بلا منازع، و إن كانت الرجولة ليست بحاجة لإثبات فإن الإنسانية بحاجة لذلك ،و هذا ما برهنت عليه توحيدة ،فوحدها الإنسانية ليست حكرا على الرجال ، و إن كانت المستشارة الألمانية” ميركل” لقبت بماما ميركل ، فمن غير توحيدة أجدر بهذا اللقب فقد كانت ” ماما توحيدة ” ففي وقت كانت المجتمعات تحركها الأساطير في سبيل إخضاع المرأة ، استطاعت توحيدة و بشجاعة استثنائية ان تثبت أن الإرتقاء إلى القمم ليس بالأمر الصعب و إنما يحتاج لعزيمة و إصرار و تفاني ،و الأهم أن تكون إنسان قبل كل ذلك لتخوض معركتها سعيا لتحسين المركز الاجتماعي للمرأة و الطفل.ولتكون على مدار تلك السنوات ذلك الملاك الحارس لصحة تونس الخضراء.
ولتتوفاها المنية سنة 2010 ، بعد تاريخ نضالي مشرف أفنته في مهنتها النبيلة إيمانا منها أن الطب هو رسالة و أمانة و كانت توحيدة خير من أدى الأمانة، و حافظ عليها.