اتخذت قضايا السطو على العقارات في المغرب أبعادا كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وتحظى الشكاوى المتواصلة بمتابعة إعلامية مستمرة.
ودفع استفحال المشكلة الملك محمد السادس إلى توجيه أمر لوزارة العدل أواخر 2015 بـ”التصدي الفوري والحازم لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير”.
ويؤكد موسى الخال المستشار القانوني لجمعية حق وعدالة، التي تتبنّى 400 ملف تتعلق بالعقارات الوهمية، أنه رغم الإجراءات التي أعلنتها الحكومة لم تتمكن سوى ضحية واحدة من استرجاع أملاكها بعد محاكمة استمرت 38 عاما.
ومنذ سنوات، يسعى فيصل كيميا إلى استعادة ملكية منزله “المسجل باسم شخص مسجون بالتزوير!”، بحسب ما يقول ساخرا.
وتحدث التاجر عن قضيته لوكالة الصحافة الفرنسية من حديقة فيلا في حي راق بالدار البيضاء قائلا “كنت أظن أنني سأسترجعها بمجرد إدانة المتهمين، لكنني اكتشفت أن المسار طويل، طول الانتظار يحوّل حياة الضحايا إلى جحيم”.
واكتشف كيميا في 2011 أن بيته الذي ورثه عن والده صار له مالك جديد اشتراه من وريث وهمي. وبعد نزاع قضائي، دين المزوّر منتصف العام الماضي ومعه المالك الجديد، إضافة إلى مسؤول بالمحافظة العقارية وموثق بتزوير الوثائق التي اعتمدت في العملية.
ومع ذلك لا يزال استرجاع البيت رهن صدور أحكام نهائية، ثم إبطال العقود المزورة في محكمة أخرى متخصصة.
ويبدو المسار طويلا ومعقدا كذلك بالنسبة الى قضية فيلا ريف دوكراب، التي أصبحت خالية منذ رحيل مالكها في 2011 سوى من لوحات فنية وبيانو مهمل في طابقها العلوي.
لكن قيمة العقار الواقع على كورنيش الدار البيضاء السياحي والممتد على أكثر من 3 آلاف متر مربع لم تنقص. ويتنازع على الفيلا قريب مالكها الراحل ورجلا أعمال مسجونان حاليا على خلفية الملف.
وحكمت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء على الرجلين في 2017 وأربعة متهمين آخرين، بينهم موثق ومحام، بتهم منها التزوير والاحتيال.
وعاد الملف الصيف الماضي إلى نقطة البداية حين نقضت المحكمة العليا الحكم بسبب خطأ في كتابة اسم أحد القضاة، كما يفيد الخال.
ويأسف المحامي مسعود الغالمي المدافع عن 50 متضررا في مثل هذه القضايا لكون أحكاما كثيرة “لا تبلغ مداها، بسبب ما تتمتع به عصابات السطو على العقارات من نفوذ ومساعدين في مؤسسات الدولة”.
لكن رئيس هيئة الموثقين عبداللطيف ياكو يرى أن الموثق يكون هو الآخر ضحية وثائق مزوّرة “فنحن إزاء عصابات متمرسة”.
وكانت عمليات السطو تستهدف في البداية العقارات المهملة التي يملكها أجانب غادروا المغرب أو توفوا، ثم توسعت لتشمل عقارات يملكها مغاربة يقيمون بالخارج ويمكن أن تطال الآن أي شخص.
وبالقرب من منزل كيميا، كان شقيقان فرنسيان مقيمان بالبلاد وهما جيل وسيلين رانييري يستعدان للاستفادة من عقار تبلغ مساحته 1200 متر مربع ورثاه عن جدهما، حين فوجئا بكونه صار ملكا لأشخاص آخرين.
وواجهت عائلة رانييري هي الأخرى تعقيدات الإجراءات القضائية التي لا تنتهي، ويقول جيل إن “التحقيق دام 7 سنوات ولم تعقد أول جلسة إلا سنة 2018”.
وتستطرد سيلين يائسة “اشترى جدي هذه الأرض سنة 1955 وتوفي والدي دون أن يتمتع بها، لا أعرف هل سيتمكن أبنائي يوما ما من الاستفادة منها أم لا؟”.
وتطالب جمعية حق وعدالة باستحداث غرفة قضائية متخصصة لتسريع معالجة هذه الملفات. فيما لم تعلّق وزارة العدل على الموضوع.
ويتقاسم الغالمي وعدد من موكليه القناعة بأن عصابات السطو على العقارات استفادت من قانون أقر أواخر سنة 2011، الذي يثير الجدل.
وبحسب القانون، “يسقط حق أي مواطن في استرجاع عقاره، إذا لم يكتشف داخل أجل أربع سنوات أنه صار مسجلا في المحافظة العقارية باسم شخص آخر”.
ويكشف ياكو الذي يتولى أيضا عضوية لجنة خاصة بقضايا السطو على العقارات يرأسها وزير العدل، أن ثمة اقتراحا بإلغاء هذا البند.
وأطلقت إدارة المحافظة العقارية خدمة عبر الرسائل الهاتفية لإخبار المشتركين بأي تغيير يطرأ على سجلاتهم العقارية كما قامت السلطات أيضا بإحصاء جميع العقارات المهملة.
ويطالب ياكو بضرورة تمكين الموثقين من آلية للتحقق من بطاقات التعريف لدى توثيق أي معاملات لتفادي التزوير الذي حصل مع عبدالحي عكيشي، الذي اكتشف صدفة سنة 2009 أشغال بناء في عقار اشتراه في التسعينات من القرن الماضي بالدار البيضاء. وكان عكيشي يعتقد أنه سيسترجع عقاره بسهوله، لكن اليوم، يتملكه اليأس لأن ملفه لم يبرح مرحلة التحقيق، ويشعر أن كل شيء يتم لحماية المتهمين وإقبار ملفه، في بلد كثيرا ما تشير تقارير إلى معاناة قطاع القضاء فيه من معضلة الرشوة .