حسوني قدور بن موسى
المحامي بهيئة وجدة
من الأمور ذات الأهمية التي تسعى الدول المتقدمة الراقية الى تأمينها في المجتمع هي السلامة الصحية للمواطنين حتى يتمكنوا من التمتع بقدراتهم الجسدية و العقلية على أكمل وجه بعيدا عن الأمراض والعلل و الأوبئة لأن الصحة هي أغلى شيء يملكه الانسان، والدولة الحديثة لها دور كبير في تحقيق بيئة صحية سليمة للأفراد و ذلك عن طريق تشييد المستشفيات و تقديم الخدمات الطبية و توفير المعدات الطبية و المختبرات العلمية لتشخيص الأمراض مبكرا و تشجيع البحث العلمي و ايجاد الحلول لمشكلة الاكتظاظ السكاني والاهتمام بالمحافظة على البيئة من التلوث و سلامة المياه لأن الماء الملوث هوألسبب الاساسي لجميع الأمراض في عصرنا و كذلك بناء المرافق الرياضة ، و أهم شيء هو الحفاظ على النظافة وهذا يساعد على حماية الجسم من الفيروسات التي هي مصدرالأمراض لأن الانسان المصاب بالأمراض غير قادرعلى ممارسة حياته بشكل طبيعي الأمرالذي يتطلب رصد ميزانية مهمة لقطاع الصحة ، لكن من الملاحظ أن الميزانية التي ترصدها الحكومة المغربية لقطاع الصحة ضعيفة جدا لا تتعدى 14 مليار و 300 مليون درهم و هي غير كافية لتغطية مصاريف الخدمات الصحية في حين ان منظمة الصحة العالمية أوصت بتخصيص 12 بالمائة من ميزانية الدولة لقطاع الصحة و هو الأمر الذي لا زال المغرب بعيدا عنه حيث تشمل ميزانية وزارة الصحة فقط 5 بالمائة من مجموع الميزانية العامة للدولة في حين أن ميزانية المستشفيات وحدها في فرنسا بلغت سنة 2019 أكثر من 82 مليار يورو وأنفقت فرنسا 714.5 مليار يورو على المساعدات الاجتماعية عام 2016 ما يمثل 32.1 في المائة من اجمالي الناتح الداخلي بزيادة أربع نقاط خلال 20 عاما، و فرنسا هي الدولة الأوروبية التي تسجل أكبر انفاق في مجال الصحة متقدمة على الدنمارك و فنلندا ، و تندرج سياسة فرنسا في مجال الصحة في الاستراتيجية التي تجمع بين بلوغ الأهداف التنموية المستدامة و تعزيز الأمن الصحي و الأنظمة الصحية و تعميم التغطية الصحية الشاملة و تقوية الموارد البشرية العاملة في مجال الصحة و الانصاف و مراعاة احتياجات جميع الفئات العمرية ، و لقد اعلنت عدة دول أوروبية تشكيل خلية أزمة لمواجهة فيروس كورونا وأعلنت عن عزمها في احتواء الأزمة بأفضل الطرق بقرارات صائبة بما تتوفرعليه من مستشفيات و مختبرات علمية متطورة و علماء و معدات طبية حيث وفرت للمواطنين أكثر من 200 مليون كمامة و استعداد 108 مستشفى لاستقبال المصابين، هكذا تستطيع الدولة القوية بسياستها الرشيدة و اقتصادها القوي مواجهة الأزمات الصعبة ، فالحكومة القوية هي التي تستطيع تقديم مشاريع علمية لمعالجة الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية في البلاد و تحسن تدبيرالأزمات الصعبة و يتطلب هذا اطلاق الطاقات الشعبية و ليس كبتها أواحتوائها بالقوة، والحكومة عندما تكون قوية بهذا الشكل الصحيح ستحوزعلى أوسع تأييد و مشاركة من الشعب الذي سيقف معها و يبذل المزيد من أجل انجاحها و بقاءها في الحكم، و يعتبر مفهوم ادارة الأزمات حديث العهد و هو فرع من فروع علوم الادارة و التنظيم هدفه هو منهجية معينة او تخطيط يوضع للتعامل مع الأزمات الصعبة و المشكلات الطارئة مثل الزلازل و الفيضانات و الجفاف و الأوبئة و الحروب و الاضطرابات الشعبية، و تعتبر الادارة فرع من فروع العلوم الاجتماعية وهي تعني عملية التخطيط و اتخاذ القرارات الصحيحة و الصائبة و الحكيمة و احكام عملية المراقبة في مصادرالمؤسسات من أجل الوصول الى الهدف المقصود و ذلك من خلال توظيف و تطوير والسيطرة على المصادر البشرية و المالية و المواد الخام و أهمها السيطرة على المصادر الفكرية و المعنوية ، و هناك ارتباط وثيق بين ادارة الأزمات و مستوى الممارسة الديمقراطية فيها فكلما زادت بيرقراطية التنظيم كلما قلت درجة الديمقراطية في الدولة، و البيروقراطية في معناها التطبيقي هي تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات و هي القوة و النفوذ اللذان يماسهما الحاكم و الادارات التابعة له ، و تظهر قوة الدولة و مدى قدراتها و سيطرتها على الأوضاع أثناء الأزمات الصعبة مثل الأوبئة القاتلة كفيروس كورونا ، و من الملاحظ أن الدول المتقدمة جندت جميع طاقاتها المادية و العلمية و البشرية من أجل التخطيط الجيد و التوقع المستقبلي والبحث عن المعايير العلمية، أما في الدول العربية فقد ساد الارتجال والعشوائية في التعامل مع فيروس كورونا لأنها لم تكن مهيئة على مستوى جميع القطاعات و خاصة القطاع الصحي لاحتواء مثل هذه الأزمات حيث ترتب عن ذلك العديد من الأثارالاجتماعية السلبية منها تقليص أنشطة الادارة و تراجع معظم الأسواق المالية و مستوى المعيشة و ضعف الاستثمار و تزايد البطالة و ما يترتب عن الحجر الصحي من انكماش في الأنشطة المهنية بجميع أنواعها و ضعف مردودية الادارة الناتج عن غياب تجربة العمل عن بعد هذا بالاضافة الى ظاهرة البيرقراطية و الغش و الكسل و الاهمال السائد في المجال الاداري، و كذلك في غياب سياسة متطورة للأمن الاجتماعي فقد تتعرض معيشة معظم المواطنين الذين ينتمون الى الطبقة المتوسطة و الفقيرة المحرومة من جميع الحقوق الى مزيد من المخاطر أثناء الأزمات حيث يدخل هذا الحرمان الاجتماعي في اطار شبكة كبيرة من العوامل المترابطة التي تسهم في و قوع الاستبعاد الاجتماعي اذ كان ينبغي على الحكومات المغربية المتعاقبة الاستفادة من الفرص المتاحة لها وأهمها الحفاظ على ثروات البلاد من التبذير و النهب و السرقة و تسخيرها في خدمة الاصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية و في تشييد المستشفيات و المدارس و البحث العلمي الذي لا يحظى بالدعم المالي.
لا أحد يستطيع انكار واقع القطاع الصحي في المغرب بأنه يعيش أزمة كارثية لم تستطع الحكومات المتعاقبة ايجاد حل لها في وطن يكثر فيه عدد الفقراء فان الصحة خرجت عن النطام المجاني الى نظام الخوصصة أما المشتشفيات العمومية فان وضعها كارثي لم تفلح المخططات و البرامج الحكومية منذ فجر الاستقلال في حل أزمة قطاع الصحة و ظل المغرب يحتل مؤخرة المؤشرات الدولية في مجال الصحة وللتذكير وصل عدد الأطباء الذين قدموا استقالاتهم الى 1000 طبيب احتجاجا على ظروف عملهم المتردية و منهم من غادرالمغرب في اتجاه دول اوروبية استفادت منهم في هذه الظروف ، و لهذا فان الدول المتقدمة تولي اهماما بالغا لقطاعين هما قطاع الصحة و قطاع التعليم لتحقيق التنمية المستدامة، هاذين القطاعين وضعهما كارثي في المغرب و الدرس الذي يجب أن نستخلصه من فيروس كورونا هو الحفاظ على أموال و ثروات البلاد لتسخيرها في تقدم و ازدهار قطاع الصحة و التعليم .