بين الصحافة والسخافة هل تنتصر العملة الرديئة على الجيدة؟؟

admin
2019-07-20T19:29:06+02:00
كتاب واراء
admin20 يوليو 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات
بين الصحافة والسخافة هل تنتصر العملة الرديئة على الجيدة؟؟

حياة جبروني

إن المتتبع للساحة الإعلامية الوطنية والجهوية على وجه الخصوص، يلاحظ هيمنة مظاهر الانفلات من بعض الضوابط المهنية الأساسية الضرورية والحتمية ، الشيء الذي جرّ الصحافة إلى الاتجاه المعاكس وساهم في افراغ المواثيق الأخلاقية من مضامينها المهنية و الإنسانية والمجتمعية، وهو ما انعكس سلبا على مهنة المتاعب الجهوية منها على وجه الخصوص التي ترعرعت يتيمة بعيدة عن الرعاية والتربية والتوجيه، فلا أخلاق ولا قانون ينظمها أو يحكمها .

صحافة تحمل بين سطورها المرتبكة مرارة اليأس والهزيمة، فيمتزج الرجاء باليأس والأمل بالألم والأحلام بالواقع.

صحافة تسعى إلى بيع خربشاتها التي تعلمتها من مدرسة الشوارع والأروقة والحلقات والحفلات… حتى تبقى على قيد الاقتيات لا قيد الكتابة. والمؤسف أنه خلال سعيها هذا تقع ضحية شبكة الاتجار بالمهنة  وترغمها على ممارسة  الشاذ والمحظور. وأمام هذا الواقع المتعفن لمهنة الصحافة يخرج علينا رهط  يبشرون بمهنة صاحبة الجلالة يقولون من دون استحياء إنهم صحافيون يحملون بوقا ولكنهم لا يحملون أبدا ورقة ولا قلما.

صحافيون أدمنوا السعاية والتكسب وما جاورهما من “تسفسيف” و”تبلعيط”، من أجل لقمة العيش له ولعياله. لتصبح مهنة من لا مهنة له، يرون فيها أقصر الطرق للحصول على وظيفة أو كرسي في إحدى المؤسسات العمومية والخاصة أو أي امتياز أقلها العيش “فابور” بدلا من التسكع في المقاهي والطرقات.  فما أعجبهم، وقد انتهجوا الغش والخداع والزيف طريقا إلى هدفهم، لتتوالى اللكمات القاضية لمهنة ارتبطت بالمتاعب ومواثيق الشرف. وهنا يجب تسليط الضوء عن ما إذا كانت البطاقة المهنية فعلا شهادة حسن سلوك؟ وكفيلة بأن تضمن منتوجا اعلاميا جيدا؟؟

الحقيقة، أن بطاقة الصحافة ليست معيارا لتقييم عمل ومعدن الصحفي خصوصا أن مستجدات قانون الصحافة والنشر لم يكن محميا ومحصنا بما يكفي، حيث استطاع البعض الحصول على هذه البطاقة بواسطة ملفات “مُدرحة” تتضمن حقائق مغلوطة… لتبقى البطاقة مجرد تشريف لا غير، فيُسند العمل الصحفي لغير أهله وأصحابه. فلا تخصص ولا معايير مضبوطة، فمن بائع “الدليع والمركوس”، إلى صحفي مهني رغما عن أنف صاحبة الجلالة، ورغما عن كل قوانينها وأخلاقياتها ورسالتها النبيلة، لتُختزل كل معاني ورمزيات العفة والشرف بين صحافي متملق لا يملك الكفاءة أو بوادر التفوق ولا عزة نفس همه الوحيد اللهث وراء المنفعة الذاتية شعاره في ذلك “من سار على درب التملق وصل”. وبين رجل سلطة تزعجه كثيرا وصف الصحافة ب”السلطة الرابعة لا الراكعة” ليسعى بكل وسائله المخزنية لتركيعها واستعبادتها، لكن هذه المرة طوعا لا كرها، وخير دليل على ذلك ما نراه من صور حميمية تجمع بين السلطتين على الجدار الأزرق والبروفيلات ، من دون اكتراث بضرورة الالتزام بجانب التحفظ الذي يفرض الوقار والاحترام والمسافات تجنبا لأي إخلال بالواجب المهني لكلا الطرفين. وطبعا هذه العلاقة الوطيدة ستضعف حتما من جودة المنتوج الصحفي القائم على فضح الفساد والمتابعة فبدل فضح المسكوت عنه، يتم التستر عنه. كذلك يجب تسليط الضوء عن العلاقة الغريبة التي تربط بين  بعض الصحافيين والسياسيين والمنتخبين على حد سواء، أصحاب المال والمشاريع والاستثمارات، والتي ساهمت في تمييع هذه المهنة وإبعادها عن جديتها ونزاهتها وعملها على كشف المفسدين وربط المسؤولية بالمحاسبة يا حسرتاه. فأنت أمام من يجيدون اللعب بالبيضة والحجر، ويفقهون جيدا في كل أساليب وأنواع التجارة والمتاجرة والتأجير… وكل معاني المساومة والمقايضة… ويمكن الجزم بأن ما يعرفه المشهد  الإعلامي الجهوي في السنوات  الأخيرة من شح مطبق وعام على مستوى الإعلان أو الدعاية أو الإشهار… التي لا يخفى على أحد أنها إحدى الركائز الضرورية لدعم المؤسسات الإعلامية مقصود ولهم غاية في ذلك هو تجريد ذلك الجندي الحارس للسلطة الرابعة من مهامه وبالتالي يخضع ويخنع لإغراءات قد لا تقاوم. والدليل أنه في المقابل تجد سخاء حاتميا يمنح لبائعي الرأي الحر والكلمة الصادقة… هذا النوع من الدعم والذي أضفوا عليه نوعا من الشرعية  ووصفوه باستحقاقات توضع في أظرفة وتُعطى من “تحت التحت”،وأحيانا يستعينون بوسيط مشهود له بالخسة والنذالة يتولى أمر توزيعها حتى يحفظوا ما بقي من ماء الوجه إن وُجد أصلا… والحلقة الأضعف في هذه العملية أو المؤامرة كلها هو المواطن الذي يلجأ إلى الصحافة كلما تعرض للظلم أو الحكرة  من أجل الدفاع عنه وإنصافه وانتشاله من الشعور بالتهميش والقهر، وهو لا يدري أنه يلجا إلى سخافة نصبت نفسها بوقا رخيصا تنبح في كل وقت وحين لتلميع صورة أسيادها واولياء نعمتها،  تروج لمشاريع وهمية وافاق مسدودة  وتنسج خيوطها الدنيئة بدقة وإتقان على شاكلة العنكبوت. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت وكفى.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)

التعليقات 4 تعليقات

  • NawfalNawfal

    لقد قرأت المقال ووجدته رائعا وفيه شجاعة وجرأة قلما نلمسهما في الصحافيين والغاية نبيلة وهي إعطاء هذه المهنة وضعها الاعتباري الذي تاه بين المتملقين والمفسدين

  • الحقيقةالحقيقة

    لم تكن الرخص التي كانت تمنح للمقاولات دون شروط موضوعية ودقيقة من باب إنجاح الإعلام الجهوي أو تشجيع إعلام القرب… بل تلك الفوضى كانت مدروسة ومقصودة كي تضعف من الإنتاج الإعلامي المحلي، لإن الصحافة هذه المرة ستكون مباشرة مع المسؤولين وعينهم على كل صغيرة وكبيرة وملاحقة مستمرة… فكان لابد من احتوائها وإغرائها بكل الوسائل وتبعدها عن مسؤوليتها المهنية والأخلاقية والتي ترتكز على فضح الفساد وتقديم المفسدين للعدالة

  • مهتمة بالشأن الإعلاميمهتمة بالشأن الإعلامي

    صحافة سخيفة لا تصور الواقع همها نسج علاقات مصلحة مع كبريات الجهة.

  • MedMed

    السلام عليكم
    اولا انوه بهذا المقال الذي يعالج اشكالية تضرب في واقع الصحافة الجهوية البعيدة عن ادوارها المجتمعية والمتمرغة في المحسوبية والاسترزاق
    فاين قانون الصحافة من هذا العبث