حفيدات فاطمة الفهرية أو التنوير بصيغة المؤنث: المدرسة والمستشفى قبل المساجد في عصرنا

admin
2019-02-28T00:00:05+01:00
كتاب واراء
admin28 فبراير 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات
حفيدات فاطمة الفهرية أو التنوير بصيغة المؤنث: المدرسة والمستشفى قبل المساجد في عصرنا

عمر بن أعمارة

على خطوات فاطمة بنت محمد الفهري التي تبرعت بمالها -الذي ورثته من أبيها- من أجل بناء أول جامعة في العالم، وهي جامعة القرويين بفاس في القرن التاسع الميلادي، عصر الظلمات والسبات عند أوروبا؛ تمشي اليوم سيدات أخريات!

سنة 2003، أقدمت فاطمة لمدرسي، وهي من أصول فكيكية، على عمل خيري، إذ تبرعت من مالها الخاص بما قيمته ست  ملايين درهم من أجل بناء: “المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير” (ENCG) بمدينة وجدة حيث تقيم.

سنة 2019، أقدمت نجية نظير، بدورها، على التبرع من مالها الخاص بما قيمته اثنى عشرة مليون درهم، وذلك من أجل بناء ثانوية وإقامة للتلاميذ إضافة إلى بعض التجهيزات.

هذه الأعمال الجليلة تستحق الإشادة والتنويه والتشجيع والاحتضان  والتحصين.

لا أعلم لماذا، جل فائض الرأسمال “المسلم”، وحين يتعلق الأمر بالإحسان، لا يتجاوز أفقه الاستثمار في بناء المساجد وإعداد المقابر، دون غيرها من المرافق العمومية الأساسية: مدرسة، مستشفى، حديقة، ملعب، مكتبة، مسبح، طريق، إنارة، إلخ…

لعلها القراءة الظاهرية والفهم السطحي والجامد لحديث نبي الإسلام: «من بنى لله مسجدا من ماله، بنى الله له بيتا في الجنة»… أو لعلها العادة الموروثة عن الأجداد (هكذا وجدنا آبائنا يفعلون). أو لعلها هجانة هذا الرأسمال وأصوله الريعية أو غير النظيفة: (تجارة المخدرات، السرقة، الغش والتحايل، التهرب الضريبي، عدم تسديد ما بذمتهم من حقوق للمستخدمين…)، وأيضا غياب وعي الانتماء إلى الوطن وإلى الحياة العصرية المنفتحة على الأفق الإنساني الكوني الراهن.

لا أحد يجادل أنه كانت للمساجد، عبر التاريخ الإسلامي، وظائف روحية وحضارية عديدة: دور التعبد؛ دور التدبير والنقاش السياسي؛ الدور التثقيفي والتعليمي والتكويني؛ الدور الاجتماعي، إلخ.

هذه الوظائف التي كانت تغطي جميع المجالات، تقلصت لاعتبارات عديدة منها ما هو مرتبط بالتحولات التي عرفتها المجتمعات الإسلامية.

حاليا، أصبحت للسياسة مؤسساتها الخاصة، وكذلك للمجال الاجتماعي والخيري. في نفس الوقت، أصبح للتعليم مؤسساته المتعددة، تقليدية وحديثة. كما أن الميدان الديني أصبح هو الآخر في قبضة الدولة الحديثة، مما جعلها تراقبه وتتحكم في تفاصيله. حتى المساجد، أصبحت في معظمها تحت وصايتها الشاملة. هكذا، وبعيدا عن الصلاة، لا أنشطة تمارس خارج علم السلطة ومراقبتها؛ والأئمة نفسهم إن تحدثوا داخل المساجد بما يتنافى والتوجه الديني وسياسة الدولة، يتم إنذارهم أو حتى توقيفهم وطردهم.

في ظل  هذه التحولات الكبرى التي عرفتها المجتمعات الإسلامية، لم تعد للمساجد الأهمية التي كانت عليها في الماضي. نحن لا نقلل من أهميتها، بل فقط نقول بأن وظائفها ومهامها تقلصت لصالح مؤسسات عصرية؛ وهذا لا ينقص ولا يقلل من مكانتها وقيمتها الدينية والروحية والمجتمعية كأماكن للعبادة.

نعم، في دولة ضعيفة كالمغرب، هناك تبذير وإفراط في النفقة على بناء المساجد؛ إذ أصبحت تخصص مئات الملايين من الدراهم في بنائها وفي تجهيزاتها: رخام، زليج بلدي، جبص منقوش، خشب منقوش، أليمنيوم من النوع الرفيع، ثريات باهظة الثمن، صباغة جميلة وأفرشة من النوع الثمين تغير كل مرة، فضاء وباحة شاسعة، أئمة نجوم منتقون ومختارون حسب الشروط، إلخ.

هذه المصاريف، قد تتكفل بها الوزارة المكلفة أو بعض المحسنين. كما أن هناك تكلفا من طرف بعض المواطنين البسطاء في المساهمات، مع عدم إيلاء الأهمية لما هو أولوية كالتعليم والصحة والتجهيز. وفوق هذا كله، هناك تقصير في التوعية من طرف شيوخ وفقهاء الأمة. تقصير ناتج عن تركيزهم على ما هو شعائري وطقوسي في الدين.

الملاحظ في ظل واقع متخلف مطبوع بسياسات عرجاء تتسم بالاستبداد والارتجالية وسوء التسيير والتدبير، ومع استفحال الفساد الذي ضرب الضرع والزرع؛ في هذا الوضع العام، فإن المجال الديني بدوره أخذ نصيبه من الفساد والارتجالية وسوء التدبير، دون أن نتحدث عن الركود وانسداد الأفق الذي أصاب الفقه الإسلامي في شموليته، وانزلاق جله إلى نقاشات فيما هو شكلي مع استبعاد ما هو جوهري في هذا الدين.

نحن في حاجة ماسة إلى فقه يقول: المدرسة بيت الله، المستشفى بيت الله، الشارع بيت الله، المصنع بيت الله، الإدارة بيت الله، الغابة بيت الله، الحديقة بيت الله، البحر بيت الله، الملعب بيت الله، الحافلة والقطار بيت الله كما أن المسجد بيت الله. والكون كله لله.

نحن في حاجة ماسة إلى فقهاء يقولون: “من شيد مدرسة أو مستشفى أو مصنعا أو حديقة، بنى الله له بيتا في الجنة”، على منوال الحديث الشريف المذكور أعلاه.

نحن في حاجة ماسة إلى فقه جديد وفقهاء مجتهدين ومجددين. نحن في حاجة إلى فقه جريء، فقه واقعي يقول: “أركان الحياة خمسة: سكن لائق، صحة جيدة، تعليم مفيد، شغل منتج واعتقاد حر”.

فهل نرى كوكبة من الفقهاء والشيوخ يحثون المحسنين ويوجهونهم، بل ويحثون عامة المواطنين إلى روح الشريعة، أي إلى المصلحة معلنين: “المدرسة والمستشفى، قبل المساجد في عصرنا” ؟

لا تنمية ولا تقدم ولا تحضر دون استحضار الإنسان كجوهر وكمركز وكأفق في أي مشاريع إصلاح، حتى عندما يتعلق الأمر بالإصلاح الديني. وخير ما أختم به هو هذه المقولة للفيلسوف الألماني إيمانويل كانط: “إن كرامة الإنسان هي القيمة المطلقة التي لا يمكن التفاوض حولها مع أي سلطة مهما كانت “.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)

التعليقات 3 تعليقات

  • ولد عليولد علي

    بين مسجد ومسجد مسجد في مجتمع اغلبيته الساحقة تعاني من المرض والحاجة والامية. .. لماذا لا نجعل بين مسجد واسجد مستوصف أو مدرسة أو دار عجزة. …

  • المكيالمكي

    لتبقى هذه السيدة نموذج المسلم الصالح ودرس لمن جعل في بناء المساجد مصدر من مصادر الاسترزاق. ..لكن الله يمهل ولا يهمل

  • ابو غفرانابو غفران

    الدين الإسلامي بريئ مما اتجه إليه بعض المتأسلمين. ..تجد مساجد مزخرفة بارفع طراز في أحياء مهمشة يعيش فيها ناس كادحين جوعى ومرضى وأميين. .. لا مستوصف ولا مدرسة و لا ملجأ. .. . وفي شريعتنا أحاديث نبوية شريفة تحرم بالقطع زخرفة المساجد!!!!
    وأحاديث شريفة فضلت إطعام الجوعى عن أي ركن آخر من الدين وبالاضعاف. ..
    فما خطيئة الإسلام في ما يفعله السفلة والسفهاء المنتسبين إلى الدين. ..
    لكن لا غرابة عندما أصبحت مجالس علمية عبارة عن مقاولات عقارية. ..