زليخة نصري …. عاش سعيدا من عاش في الظل

admin
2024-04-21T22:29:37+02:00
كتاب واراء
admin21 أبريل 2024آخر تحديث : منذ أسبوعين
زليخة نصري …. عاش سعيدا من عاش في الظل
  • سعيد سونا

يقول خليل جبران ” “ما زلت أؤمن أن الانسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء ، كلما رحل صديق مات جزء ، وكلما غادرنا حبيب مات جزء ، وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء، فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيحملها ويرحل” الأمر صحيحا عندما يتعلق الأمر بالذين عاشوا في الدنيا كضيوف ،،، أما المخلدة أسماؤهم ، جند الله في الارض ، وملائكة العطاء ، غير معنيين بالمقولة أعلاه … إن الذين يتصدرون لخدمة الآخر يعمرون طويلا ، عكس من يعيش لنفسه …


مقالتنا عن الراحلة زليخة نصري ، السيدة التي تركت في صدورنا ، ذلك الجرح المبحوح ، لأنها سيدة أنذر من الكبريت الأحمر ،،، سيدة الظل والزهد والتجرد والعطاء ، بدون طمع في مساحات إعلامية زائلة ،،، نعم لقد ديكارت” عاش سعيدا من عاش في الظل ” لأن الخصوصية قوة ، فالناس لا يستطيعون تدمير ما لا يعرفون
أنت سيد ما تخفيه ، وأسير ما تفشيه ،،،،  لذلك نجحت في خدمة ملكها ووطنها في كل الملفات التي تكلفت بنقلها من رهبة الأحلام إلى حقيقة الواقع … لم يكبلها الفقر الذي عاشته صبية ، بمسقط رأسها وجدة ،  ” سنة 1945 ” مدينة الصدق وموطن النزاهة ، بل أصبح ذاكرتها ، التي رجعت إليه لتحاربه في سنواتها الأخيرة من مسارها المهني ، حتى أصبحت رمزا للعمل الاجتماعي الممنهج،  الذي دشنته وتركت الطريق معبدة لحلم الدولة الاجتماعية….


مخ الهدرة كما يقال في وجدة ، أن زليخة نصري السيدة الاستثنائية التي استطاعت أن تقنع جلالة الملك قلبا وعملا ، بأن تكون أول مستشارة له كملك للمغرب ، وهو الأمر الذي يعتبر سابقة في تاريخ العالم العربي ،،، فقد قفزت على كل الطابوهات ، وفي مقدمتها ، مجتمعنا الرجولي ، الذي صرخت في وجهه ” إن كنت ريحا فقد لقيت اعصارا ” …


تركتنا الراحلة يوم الأربعاء 16 دجنبر سنة 2015 ،،،، حيث كانت تستعد في اليوم الموالي ، لترأس  لقاء حول سبل دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة بوجدة ….


– إذن لنفتح المجال لعدة دراسات حول مسار هاته المرأة من زوايا متعددة ….



1- 1 – زليخة نصري من وجدة مضجع الصدق إلى القصر الملكي العامر …


بخطى امرأة واثقة قطعت المسافات من وجدة إلى قلب البلاط، وبعزم امرأة حديدية تسلقت العقبات لتخترق دائرة الذكورية. بسلاسة انتزعت لها مكانا وسط الرجال، وبكل ندية فرضت احترامها عليهم. هي المرأة الوحيدة التي يستشيرها الملك، أنصت لها، وثق بها، كرمها بمنزلة خاصة، ووشحها بالذراع الاجتماعي للقصر. حاضرة بجانبه أو خلفه أمام شاشات الكاميرا في الأنشطة الملكية، وترافقه في كل كبيرة أو صغيرة في التدشينات ذات الصبغة الاجتماعية، بل وأدت معه مناسك العمرة.

سمراء البشرة، ابنة المنطقة الشرقية تحافظ على تسريحة شعر واحدة، مدمنة على ألوان غامقة لا تفتح سحنة وجهها، وفية لابتسامة محايدة لا تفارق محياها، نظرتها هادئة ومستقرة، هندامها، طريقة جلوسها، مشيتها وقفتها تعكس انضباطها لبروفايل “امرأة الدولة”، التي تتقن اختيار التفاصيل. كل شيء في شكلها الخارجي يعكس تكتمها، وتحفظها بما يتلاءم ومنصبها الحساس. هي الحاضرة الغائبة، جديتها صامتة، وإتقانها لعملها لا تسوقه في الخطابات الخشبية، بل في أوامر تبحث عن الكمال لا الواقعية.

لا تكشف عن أسنانها أثناء ضحكتها، ولا تظهر حزنها، لكن لكل قاعدة استثناء، فبدون سابق إنذار رغما عن شخصيتها الصارمة، انصهرت المرأة الحديدية مع الحدث بعد سماع خبر موت أعز صديقاتها “أسية الوديع”، أسرعت أعين المصورين إلى التقاطها جاثمة على ركبتها تبكي بحرقة حزنا على فقدان رفيقتها، فكانت لحظة سقوط إنسانية لامرأة ترتعد لها فرائص الرجال هيبة وتقديرا. من الشرق تأتي النبوءات كما تأتي السموم. ومن الشرق أتت سيدة الظل الأولى، زليخة النصري.

– مسار امرأة بمائة رجل …

وهي في طريقها إلى مدرسة “الفندق” بوجدة، لم تكن تدرك الفتاة ذات السبع سنوات التي تحمل محفظة في يدها أنها ستحمل ملفات كبرى على كاهلها، تحل بها معادلات توجهات سياسية كبرى للمغرب في فترة من حياتها. أنهت سنوات تمدرسها الابتدائي بمدرسة مولاي عبد الله بوجدة، والتحقت بثانوية عبد المومن بمكناس، حيث حصلت على البكالوريا لتنتقل بعدها إلى المدرسة الإدارية بالرباط غير مدركة أنها ستستقر بهذه المدينة، وبالضبط داخل القصر الملكي. “مسارها بني على مهل وبهدوء وبثبات، ويؤكد ذلك خلو طريقها من أية مشاحنات جانبية، أو ما نسميه عادة احتكاكات مع باقي المقربين من الملك” يقول نور الدين عيوش رجل الأعمال الذي رافقها لأكثر من 15 سنة في العمل الجمعوي.

أنهت دراستها وفتحت لها أبواب المهنية بوزارة المالية، كموظفة بسيطة بمديرية التأمينات سنة 1960. موظفة ستصبح على رأس المديرية سنة 1994، بعد متابعة دراستها العليا بفرنسا وحصولها على دكتوراه في قانون التأمين بالمغرب. قانون لا يعتبر فقط من المصادر القانونية الأولى في المجال، بل كان وراء ظهور القانون الجديد للتأمينات. منصبها الجديد والصرامة التي دبرت بها ملفات شركات التأمين جعل اسم زليخة يتردد بشكل سريع لدى كبار رجال الأعمال. يتذكر مصدر من زملائها السابقين بكثير من التوتر “جديتها كبيرة وهواتفها واتصالاتها الصباحية كانت تربك أعتى الموظفين، إذ كانت تطالب بإنجاز الأعمال بشكل أقرب إلى الكمال، بطريقة تعجز من خلالها زملاءها ومرؤوسيها”.

بعصاميتها وجدت زليخة كلمة السر التي فتحت لها خزائن الدولة، لتتحكم في موازين الطبقات الاجتماعية. اشتغلت في مؤسسة همها الأساسي محاربة الفقر، بعدما كانت تتحدر من جهة فقيرة بصمها المستعمر بعدم النفعية. فما بين زليخة الموظفة وزليخة المديرة مسار طويل من التوغل في كنه المجال الاجتماعي والجمعوي، ليتم اختيارها أمينة مال جمعية “أنكاد المغرب الشرقي”. وانفتاحها على المجتمع المدني جعل خبرة زليخة تتراكم لفهم إكراهات العمل الجمعوي، وسلطتها تتقوى لتتحمل مسؤولية مؤسسة محمد الخامس للتضامن سنة 1999.

– في الطريق إلى القصر …

فتح لها الحسن الثاني أبواب القصر بتعيينها في منصب كاتبة الدولة بوزارة الشؤون الاجتماعية المكلفة بالتعاون الوطني، كأول امرأة وزيرة إلى جانب ثلاث وزيرات أخريات في حكومة عبد اللطيف الفيلالي التقنوقراطية سنة 1997، تعرفت على دواليب الحكم والسياسة، ووضعت القدم الأولى في القصر الملكي بتكليفها بمهمة بالديوان الملكي في 1998، قبل تعيينها مستشارة للملك محمد السادس سنة 2000 ” لها سمات امرأة دولة على غرار رجال الدولة، امرأة مستشارة حازمة، وتموقعها كامرأة وحيدة بين مستشاري الملك، يبرره طريقة تدبيرها للعلاقات السياسية والاجتماعية” يأخذ الشاعر والكاتب والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة صلاح الوديع وقته الكافي قبل أن ينطق بأي كلمة في حقها، ثم يضيف “واستمرارها في هذا المنصب يبرهن على حنكتها ومسؤوليتها الكبيرة”.

لم تجد المرأة الوحيدة التي يستشيرها الملك صعوبة في فرض سلطتها على مرؤوسيها لتتقمص وظائفها الجديدة، امرأة غير متزوجة نذرت حياتها للتضحية في العمل، يضرب لها ألف حساب بإجماع المقربين منها، وترقبها عدسات الكاميرا في الجولات الاجتماعية للملك، دائما إلى جانبه بوجه مفعم بالحيوية والانتباه مع تعب دفين “أتصل بها في عطلة نهاية الأسبوع لأسألها عن أحوالها ومكانها، فتجيبني دائما بأنها في مهمة” يعلق نور الدين عيوش بكثير من التقدير قبل أن يواصل الإثناء ” لا تشتكي أبدا، عملها هو حياتها، ليست لها عطل ولا أيام سبت أو أحد، وهو ما يجعل شخصيتها قوية يلمسها كل المقربين منها سواء المستشارين الآخرين أو المواطنين البسطاء”.

– الرعب المؤنث …

زليخة تمثل الكابوس الذي يقض مضجع الولاة والعمال قبل كل زيارة ملكية. هي عين الملك التي لا تنام، تستطلع المناطق والمحطات التي سيمر منها الموكب الملكي، وتسبقه إليها بأيام للإشراف على مدى جاهزية المشاريع للتدشين. تصرخ وترفع صوتها على الرجال بمختلف مسؤولياتهم إذا ما تبين لها أن الأمور لا تسير بالشكل المطلوب، وتحتج بلهجة شديدة إذا لاحظت لبنة من لبنات البروتوكول قد هدمت. ” أفضل أن أسميها “هيبة” وليس خوفا، فالخائف يعني أن بيته من زجاج وفي كرشو العجينة ” يقول صلاح الوديع مبتسما قبل أن يستعيد جديته ” مسؤولية الخوف لا تقع عليها بقدر ما تقع على الطرف الآخر”. أوامرها صارمة ترجع بالأساس لرغبتها في الحفاظ على انطباع جيد لدى الملك. فعلاقة هذا الأخير بمستشاريه يهيمن عليها الطابع الشخصي أكثر منها التنظيمي، فإذا اعترت العلاقة وشائج أو سوء تفاهم أثرت على مدى البعد أو القرب من الدائرة الملكية.

في إحدى زياراتها لمدينة القصر الكبير يستحضر أحد المسؤولين حضوره لحصة ” تأنيب وتوبيخ ” حادة اللهجة من طرفها لمسؤولي المدينة بعد أن أغضبها بطؤ الترتيبات، وعدم التزام المكلفين بها بالوقت المطلوب”. سلطة زليخة نصري هي سلطة تستمدها من السياقات، فبقدر قسوتها على المسؤولين ومحاسبتهم على ” الشاذة والفاذة” بقدر تواضعها مع البسطاء والفقراء أثناء احتكاكها معهم ” لم يمنعها لا موقعها ولا منصبها من أن تكون تتميز بالتضامن وتعبر عنه بشكل جميل” يشهد صلاح الوديع في حقها، وهو نفس ما يؤكده رفيقها في العمل الجمعوي عيوش ” متواضعة، لا ترى الأشخاص من فوق، تحترمهم وتحترم الشعب المغربي عبر أخلاقها”.

يجمع المقربون من زليخة على حسن سيرتها وسلوكها، وخلو تاريخها من أي احتكاك أو نزاع أو سوء تفاهم، سواء مع المستشارين الملكيين أو مع المسؤولين الكبار، تدير أمورها باحترافية وكفاءة كبيرين، يحترمها الجميع، تتعبهم بأوامرها، لكنهم يتعبؤون لخدمتها. لا يمكن إسقاطها من المعادلةـ تتقن فن ترويض السياسيين الذين يستغلون الأحداث الاجتماعية بطريقة حزبية أو سياسية، وقفت حاجزا أمامهم في زلزال الحسيمة سنة 2004، بعدما حاولوا الركوب على مأساة المواطنين “امرأة مغربية مائة في المائة، تتألم لألم المغاربة وتضحك لفرحهم، شخصيا رأيتها تنتقل من دوار إلى دوار ومن قبيلة إلى قبيلة، وعاشت وسطهم لأكثر من أسبوع، لم تكن تتعدى ساعات نومها 3 ساعات يوميا” يقول مسؤول سياسي رفض الكشف عن اسمه. ومن الحسيمة إلى أنفكو حيث حطت الرحال بجبال الأطلس للتخفيف من روع الأمهات والوقوف على متطلباتهم.

– زليخة والإسلاميون …

“توجهاتها هي توجهات الملك، ومن قال عكس ذلك سيكون كاذبا، توجهها هو توجه تقدمي” يقول عيوش بثقة كبيرة بحكم قربه منها ويضيف ” لم أسمعها يوما تنتقد سياسيا ما، أو حزبا ما، لا تتكلم في السياسة كما يتكلم عنها عامة الناس، بل تختار كلماتها وتظل محايدة، ولا تتدخل إلى فيما يخص سياستها الاجتماعية والسياسة العامة للبلاد” وهو نفس الأمر الذي يذهب إليه صلاح الوديع بصيغة أخرى ” لو افترضنا أن لها مسار حزبي فسيكون بمقاربات عقلانية بتفكير امرأة الدولة”.

خلال مسارها المهني والدراسي نسجت زليخة علاقات مع شخصيات تقدمية ويسارية، حتى ظن الكثير أنها مناضلة بحزب التقدم والاشتراكية، قبل أن تنفتح على الفيوداليين الجدد بحزب التجمع الوطني للأحرار.علاقات صاحبت فيها أكثر الحساسيات السياسية يسارية.

“تاريخها مع الإسلاميين يعود لفترة الثمانينيات، حيث كانت تقوم جماعة العدل والإحسان بخيم تضامنية من أجل العمل الخيري، وخصوصا في رمضان، فكانت زليخة تناضل في إطار جمعوي لسد الفراغات التي يمكن أن يستغلها الإسلاميون” يقول أحد المقربين منها “عملها في مؤسسة جمعية محمد الخامس للتضامن وقبلها في مؤسسة الزكاة مكنها من أن تتكلف رسميا بهذه المهمة بشكل مؤسس، يلغي جميع الفرص التي يستغلها الإسلاميون” قربها من التقدميين واليساريين جعلها أوتوماتيكيا تقف في الجهة المقابلة للإسلاميين “من الصعب أن نحكم هل هناك حرب، لأنها لم تتكلم يوما عن الإسلاميين، ولكن أتصور أن تفكير زليخة هو تفكير امرأة دولة، ترفض استغلال المقدس المشترك لأغراض فئوية وحزبية وسياسية. ليس لدي ما يفيد أنها عبرت على ذلك بطريقة من الطرق، لكن التفكير في بناء الدولة يفرض نوعا من الانتباه لكل محاولات استعمال الدين لأغراض غير مسؤولة” يقول نور الدين عيوش. فيما يساند صلاح الوديع توجهاتها ” ” على كل حال إذا ثبت أن الأمر على هذه الحال، فأنا بلا تردد أدعمها في ذلك، إمارة المؤمنين توحد المغاربة، أن نتصارع في الأفكار والمشاريع والمقترحات جميل، أما التطاول على الدين واستعماله لأغراض فئوية وسياسية، يؤدي في نهاية المطاف إلى تمزق المجتمع عوض توحيده”.

– امرأة قبل كل شيء …

احتكاك زليخة بالإسلاميين سيعود بشكل واضح نسبيا باقترابها من الأصوات النسائية اليسارية، التي احتكت بها في مراحل متعدد من حياتها، إضافة إلى حضورها بشكل قوي في إطار الإعداد لمدونة الأسرة وتشجيعها لمطالب النساء بتعديل قوانين الزواج والطلاق والحضانة والولاية، إضافة إلى التوقيع على الاتفاقيات الدولية، ووضعها اللبنات الأولى للخطة الوطنية لإدماج المرأة بتنظيم ندوة علمية. خطوة ستجر زليخة إلى صدام مع الإسلاميين وعلماء المغرب، ومعارضة الوزير المدغري مع بداية حكومة التناوب الأولى. مما سيجعل الملف بين أيدي التحكيم الملكي عبر تنظيم اللجنة الملكية لمراجعة مدونة الأسرة.

زليخة ومباشرة بعد توليها منصب مستشارة الملك في سنة 2000 ، تم تنصيب سبع وزيرات في الحكومة فنسب لها الفضل في التأثير على إعادة الاعتبار للمرأة، خصوصا أنها دافعت باستماتة عن مدونة الأسرة. ” في كل قضايا المرأة والشباب والطفولة تكون دائما حاضرة في الصفوف الأولى لأي مشروع، لها إحساس كبير بالفقراء والأغنياء، كما أن علاقتها بالملك وبالأميرات ممتازة، ولها مكانة خاصة في الوسط الملكي”، زليخة رافقت الأميرات أيضا في رحلاتهن إلى الخارج، وأشرفت على سلاسة انتقال ممتلكاتهن إليهن بعد وفاة الحسن الثاني، كما كانت معهن سواء كمرافقة أو كمؤطرة في إطار ترأسهن للمؤسسات الخيرية والاجتماعية.

– امرأة تصنع الرجال …

أفاد مقربون من دائرة زليخة نصري أن لها فضل على العديد من الشخصيات المسؤولة في الاحتفاظ بهم في مناصبهم وتطوير مسارهم. ” قدرتها على الانصات والعمل ليس فقط مجرد انطباع بل هو حقيقة، تخدم بكل جدية التوجهات الملكية، متواضعة، شخصيتها تمنح الشعور بالاطمئنان والراحة، إنها امرأة استثنائية” يقول التشكيلي مهدي قطبي في حقها في أحد تصريحاته بعد تنصيبه مديرا للمؤسسة الوطنية للمتاحف. صفة ما كان ليحظى بها لولاها. كانت بشكل مباشر وراء اقتراح اسمه رغم أنه أثار استياء أشخاص اعتبروه لا يحب إلا نفسه، ولم يدافع يوما عن الثقافة المغربية.

“زليخة تحمي المقربين منها أيضا، ومن بينهم مصطفى الباكوري حيث تغطي على فلتات لسانه، وتساعده في أداء مهامه والارتقاء في منصبه” يضيف مصدر مقرب منها، الباكوري مدير الوكالة المغربية للطاقة الشمسية يشتغل معها في إطار مشروع الطاقة الشمسية التي تشرف على ملفه. كما يحكي أحد أصدقاء أنيس بيرو وزير الصناعة التقليدية السابق، كيف كان لزليخة الناصري الفضل على تقلده المسؤولية والارتقاء في منصبه المهني.

– تكامل زليخة وبلفقيه …

زليخة لم تبق رهينة الملفات الاجتماعية، بل أمسكت ملفات اقتصادية وسياسية بعد وفاة المستشار الملكي مزيان بلفقيه في 2010 ، ومرور عدد من الملفات إليها، فطرحت تساؤلات حول إمكانية أن تصبح سيدة المجتمع الأولى سيدة للاقتصاد أيضا، أم أنه مجرد تكليفات مستعجلة من طرف ملك في انتظار إيجاد الشخص المناسب. ابن منطقتها ترك لها ملفات كبرى كمشروع الطاقة الشمسية بـ 70 مليار درهم الذي يشرف عليه مصطفى الباكوري، وبطنجة ظهرت إلى جانب الملك ورئيس فرنسا نيكولا ساركوزي في مشروع القطار الفائق السرعة، الذي استثمر فيه المغرب 33 مليار درهم، فضلا عن إشرافها على ملف المخطط الأخضر وملف ميناء طنجة المتوسطي.

كانت تتقاطع مع مزيان بلفقيه بشكل كبير بشهادة المحيطين بها، بفعل تحدرهما من مدينة واحدة، لكن الفرق بينهما أنه كان يتميز بنوع من المبادرة الجريئة، عكس زليخة نصري التي تتميز بالتنفيذ التام للأوامر الملكية، إضافة إلى توغله وسط صراعات واحتكاكات مع باقي المستشارين، فيما تنأى زليخة بنفسها عن ذلك، مما يكسبها حيادية واحتراما من طرف أقرب المقربين للملك منير الماجيدي وفؤاد عالي الهمة. فلا يقدر أحد على المساس بها.

“السيدة التي لا تنتظر وسيطا لمقابلة الملك تستجيب لكل اتصالاته، وتتفاعل مع كل البرامج والمشاريع الجديدة، لا تتعب لا تمل ولا تقول لا ” يصرح مصدر مقرب منها، بل وأحيانا تتدخل في خطوات استعجالية في حالة عدم إتقان أحد الوزراء لعمله أو تأخره، فيعطى الضوء الأخضر لزليخة للدخول على الخط كما حدث مع توفيق حجيرة، إذ تدخلت في مشروع السكن الاجتماعي ومدن بدون صفيح، لتعقد اجتماعاتها المصغرة وبكلماتها الحازمة كانت تخاطبهم ” الدولة توفر لكم الأموال، ديرو خدمتكم”.

يفتخر صلاح الوديع بصداقتها ” أتذكر إنصاتها للجميع بانتباه وحرص شديدين، خلال جلسات المؤسسة لتجربة الإنصاف والمصالحة، ورغم أننا كنا نختلف لكن ساد بيننا احترام كبير، كما أن صداقتها لأختي أسية الوديع كانت فرصة لأتعرف عليها عن قرب”.

هي من طينة أخرى حسب نور الدين عيوش ” مكتعرفش تضحك، ولا تعاود نكتة، حتى ضحكها في حدود، كل شيء تقوم به في حدود الاحترام، لا تتمسخر ولا تتمسرح على أحد، لا تجرح أي إنسان، ولا تغتاب في أي شخص، طيلة 15 سنة من العمل المشترك لم تتغير شخصيتها رغم تقلدها سلم المراتب، ولا تغلق أبوابها في وجه أحد”.

كل من يتحدث عن زليخة نصري لا يبقى محايدا، يعبرون بالارتباك أو بالافتخار أو باستحضار قسوتها أو لطفها، كل حسب الظروف التي جمعته بها، حتى يخيل أنهم يتحدثون عن شخصيات مختلفة لامرأة واحدة… امرأة قست على الرجال، أبكت مرؤوسيها وأربكت حسابات خصومها. بسيطة متواضعة مع الفقراء ومتكتمة متحفظة مع الإعلام، صارمة وحازمة مع المتعاملين معها، لا تتسامح مع من يخرق البروتوكولات الملكية. توجهاتها تتطابق وتوجهات الملك تصفق لما يقوله، وتدعم ما يقوم به، وتستنكر ما قد يضر به.

المستشارة الأمينة ظهرت ورغم الاختلافات الإيديولوجية في صورة معبرة في بيت المرحومة ” ماما آسية” إلى جانب نبيلة منيب الأمينة العامة لحزب اليسار الموحد، والمطالبة بنظام يسود فيه الملك ولا يحكم عبر إقرار ملكية برلمانية من جهة، ومن جهة أخرى إلى جانب بسيمة الحقاوي ممثلة التيار الإسلامي، في دليل على أن الموت وحده قادر على جمع الحساسيات المتناقضة في صورة واحدة …


2 – زليخة نصري المرأة العصامية التي تحدت الفقر – لتصبح مرجعا لنساء المغرب …
كان يمكن لصبية ولدت بوجدة سنة 1945 ومحيطها ينخره الفقر والتقاليد التي تسطو على مسار الأنثى، أن تذهب في مسار المرأة السائد حينذاك، من بيت الأب إلى بيت الزوج، ثم أخيرا بيت الأبدية.

لكن مسارها لم يكن كذلك، بل وكان استثنائيا، والأمر ليس مصادفة كما قد نفهم من قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، “لاعب النرد”. فهذه المرأة دون قليل من المبالغة، كما سنعرف في هذا البورتريه، وهبت حياتها للاجتهاد والتفاني إن في دراستها أو في عملها، حتى أنها آثرت، ضاربة نظرة المجتمع عرض الحائط، عدم الزواج!

إنها الراحلة زليخة نصري، أول مستشارة امرأة للملك في المغرب، وعينه التي كانت لا تنام!

الاجتهاد يغلب قلة ذات اليد
ذات يوم من عام 1945، ستعرف مدينة وجدة ولادة صبية أطلق عليها والداها اسم زليخة، زليخة نصري. ثم، كأي بنت “محظوظة” آنذاك، ستلحق بإحدى مدارس المدينة، وستتدرج سنة تلو الأخرى تحصد النجاحات إلى أن نالت شهادة البكالوريا.


إلى هنا، أصبحت وجدة مدينة أم، فالراحلة ستشد الرحال صوب العاصمة الرباط لتدرس بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس. توجت مسارها بالحصول على شهادة إجازة في العلوم القانونية، ثم ما لبثت أن التحقت بالمدرسة الوطنية للإدارة، فحصلت على دبلومها عن شعبة المالية والاقتصاد.

عينها الملك الراحل الحسن الثاني، سنة 1997، كاتبة للدولة بوزارة الشؤون الاجتماعية مكلفة بالتعاون الوطني، وقد كانت حينذاك واحدة ضمن أربع نساء في حكومة عبد اللطيف الفيلالي.

طموح زليخة كان جامحا في التحصيل الأكاديمي، فحضرت دكتوراه في القانون الخاص بفرنسا تحديدا بجامعة جان مولان، وهي الشهادة التي نالتها عن موضوع “قانون التأمينات بالمغرب”، أطروحة تعد إلى اليوم، حسب باحثين، أهم ما كتب عن التأمينات بالمغرب.


كفاءة زليخة هذه المرة مكنتها من الالتحاق بقسم التأمينات بوزارة المالية سنة 1994، لتصبح رئيسة له بعد ذلك. في نفس الأثناء، كانت تمارس التدريس بعدد من الجامعات والمعاهد المغربية.

لم يكن لاسم زليخة نصري أن يمر على المسامع مرور الكرام، فسرعان ما سيذيع صيتها كامرأة بارزة في مجال المال والأعمال، وأيضا بشكل خاص، في المجال الاجتماعي… اسم سيتصادى حتى دائرة القصر.

هكذا ستقطف زليخة فاكهة سنوات من الاجتهاد والمثابرة، بعدما عينها الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1997، كاتبة للدولة بوزارة الشؤون الاجتماعية مكلفة بالتعاون الوطني، وقد كانت حينذاك واحدة ضمن أربع نساء في حكومة عبد اللطيف الفيلالي….


3 – زليخة نصري.. مستشاره الملك الوحيدة ومهندسة سياسة ” ملك الفقراء ” …

زليخة نصري، أول امرأة ضمن “فريق العمل المقرب جدا” من الملك محمد السادس. هي أول مستشارة، وآخرهن حتى وفاتها صباح اليوم الأربعاء.
وإذا كان الملك محمد السادس قد سمي بـ”ملك الفقراء”، في بداية حكمه، بفضل سعيه إلى تحسين أوضاع المهمشين والمحرومين من أبناء الشعب، فإن امرأة واحدة، من ضمن كثيرين، كانت مهندسة السياسة الاجتماعية للملك. زليخة نصري، بكل اختصار، كانت “عين الملك” على أكثر الملفات حساسية، لأنه يرتبط بصميم عيش المغاربة ومشاكلهم، فكانت تسبقه في كل تحرك مجتمعي لتطمئن أن كل شيء بخير، قبل أن تعطي الضوء الأخضر للتدشين أو وضع الحجر الأساس للمشاريع الاجتماعية التي يطلقها على امتداد الوطن.
في الدائرة الضيقة للقرار الملكي توصف بأنها “سيدة المهام الصعبة”، و”سيدة ثقة الملك”، والمرأة التي تحظى باحترام واسع. الجميع يؤكد أنها كانت تربطها علاقة ود وثقة بالملك محمد السادس، خاصة وأن معرفته بها لا تعود إلى سنوات حكمه، فقد عرفها وعرفته وهو ولي للعهد، بعدما عينها الحسن الثاني نهاية التسعينات كاتبة للدولة في التعاون الوطني، ثم مستشارة ملكية سنة 1998.
نصري هي “مهندسة” مؤسسة محمد الخامس للتضامن، ومنذ انطلاقة المؤسسة لم تعد تفارق «ملك الفقراء»، ودوما تشاهد بجانبه في كل تدشين.
في أغلب هذه التدشينات الملكية تتراجع إلى الخلف فاسحة المجال لباقي المسؤولين لتقديم الشروحات، لكن في الحقيقة هي “ضابط إيقاع” كل شيء. في مرات كثيرة كان يلتفت الملك إلى الخلف باحثا عنها لاستفسارها. هو يعرف أنها “منضبطة” ودقيقة وصارمة وواضحة و”شفافة”، لذا كانت عينه الفاحصة على كل الملفات الاجتماعية، “تطارد” كل صغيرة وكبيرة، وإذا اقتضى الحال رفعت إلى الملك محمد السادس “ملاحظاتها” فيقرر بلا إبطاء إلغاء التدشينات والزيارات، أو معاقبة المخالفين لـ”التعليمات” في السياسة الاجتماعية.. وكثيرا ما حصل ذلك، بسبب ملاحظات “السيدة المستشارة” التي تحرص على زيارة المواقع بنفسها قبل التدشينات، سرا وعلانية.


زليخة ابنة مدينة وجدة، وبها تابعت دراستها الابتدائية بمدرسة الفندق التي كانت تابعة لمدرسة مولاي عبد الله، التي أنهت بها سنوات التمدرس الابتدائي، ثم التحقت بثانوية عبد المؤمن، وبعد حصولها على شهادة الباكالوريا من مدينة مكناس التحقت بالمدرسة الإدارية بالرباط، لتلتحق بوزارة المالية كموظفة بمديرية التأمينات.
حرصت بعد أن التحقت بوزارة المالية على إتمام مسارها الدراسي، بحيث أكملت دراستها العليا بفرنسا، وهناك حصلت على الدكتوراه في قانون التأمين بالمغرب، ولازالت رسالتها تعتبر من المصادر القانونية الأولى في هذا المجال، وقد يكون هذا التخصص إحدى كلمات السر التي فتحت للراحلة زليخة خزائن السياسة.
سيعينها الملك الراحل كاتبة الدولة بوزارة الشؤون الاجتماعية المكلفة بالتعاون الوطني، لتنتقل بعدها إلى القصر مكلفة بمهمة بالديوان الملكي في أبريل 1998، ثم ستعين مستشارة للملك في 29 مارس 2000، وخلال كل هذه الخطوات لم تجد المرأة الوحيدة التي يستشيرها الملك صعوبة في وضعها كمستشارة للمسؤول الأول في المملكة.
نصري، التي استطاعت أن تجد لاسمها مكانا متميزا ضمن الأسماء الذكورية التي يستشيرها الملك، رحلت في الساعات الأولى لصباح اليوم إلى باريها، تاركة وراءها سيرة طيبة واحتراما وتقديرا من كثيرين …



4 – زليخة نصري… المرجعية النسائية الأولى في الوطن العربي .

هي قصة صنعت فيها البطلة مجدها من الصفر… بداية من وجدة، حيث ولدت وكان للمجتمع أن يصنع لها مسارا في الحياة على مقاساته، وإلى أن بات القاصي والداني في المغرب يعرف زليخة نصري …


سنة بعد تعيينها كاتبة للدولة بوزارة الشؤون الاجتماعية مكلفة بالتعاون الوطني، عام 1997، ستخطف زليخة نصري الأضواء من الجميع… ستخطفها حد أن لفتت انتباه القصر إلى كفاءتها، فعينها الملك الراحل الحسن الثاني مكلفة بمهمة داخل الديوان الملكي. هناك بدأت تتسلق درجات أخرى بكامل شغفها للنجاح والذهاب بعيدا في الهدف الذي ابتغته لحياتها….

توالت الأحداث سريعا، توفي الملك عام 1999، وجلس ولي عهده على العرش وأصبح ملكا، فأصبح أيضا عام 2000 فارقا في تاريخ المغرب الحديث، فهذه المرأة التي أتت بعيدا من المنطقة الشرقية، سيعينها الملك محمد السادس أول مستشارة امرأة له في المغرب.

صحيح أنها قد كلفت ربما بالشأن الاجتماعي في القصر لكونها امرأة، لكنها لفطنتها وانضباطها وثقة الملك فيها لتنفيذها أوامره بدقة، منحها الأخير ملفات أخرى اقتصادية وسياسية بعد وفاة مستشاره الآخر مزيان بلفقيه عام 2010 …

منذ ذلك الوقت، نادرا ما ظهر الملك في شأن اجتماعي دون زليخة. كانت عينه التي لا تنام على الفقراء. وصفها البعض بالمرأة الحديدية التي تهتم بأدق التفاصيل. كانت ذات هيبة منقطعة النظير، كانت امرأة دولة، امرأة القصر التي ترتعد فرائص الولاة والعمال لهاتفها وحضورها، لكن في الوقت نفسه، عطوفةً حنونةً على الفقراء كما يشهد بذلك المقربون …

هكذا اعتبرت زليخة نصري مهندسة قرارات القصر في الملفات والمشاريع الاجتماعية. نالت قسطا وافرا من ثقة الملك، والشواهد على ذلك كثيرة، مثل ترأسها سنة 2011 للجنة مكلفة بالمراقبة الدقيقة لإنجاز السكن الاجتماعي، وقد كانت في ذلك دقيقة ومهووسة بالتفاصيل حتى أنها كانت لتسأل عن “شجرة” موجودة في التصميم دونا عن الواقع، كما يتذكرها عدد من المنعشين العقاريين.

كانت زليخة صارمة في العمل، قريبة من المواطنين، ففي سنة 2004، يتذكر الكثيرون زيارتها للحسيمة في مأساة الزلزال الذي ضربها، حيث ظلت هناك أسبوعا تتفقد أحوال الناس، وتقف في وجه كل من يحاولون الركوب على مأساتهم.

نعم صحيح أنها قد كلفت ربما بالشأن الاجتماعي في القصر لكونها امرأة، لكنها لفطنتها وانضباطها وثقة الملك فيها لتنفيذها أوامره بدقة، منحها الأخير ملفات أخرى اقتصادية وسياسية بعد وفاة مستشاره الآخر مزيان بلفقيه عام 2010؛ فها هي هذه المرة، مثلا، تظهر بجانب الملك في تدشينها لأشغال القطار الفائق السرعة بطنجة …

هكذا إذن استطاعت زليخة نصري أن تصنع لنفسها مقاما وازنا بين مستشاري الملك الرجال، طيلة 15 عاما، بوقار بالغ وخدمة متفانية؛ مبتعدة عن أي صراع قد يدخلها في حزازات تخدش ثقة الملك فيها، إلى أن لبت نداء أجلها عام 2015 عن 70 عاما، إثر جلطة دماغية.

يسارية؟ الصراع مع الإسلاميين
يظن الكثير أن زليخة نصري كانت متشبعة بالفكر اليساري، بل إن هناك من قال إنها كانت عضوة في حزب التقدم والاشتراكية أو حزب التجمع الوطني للأحرار… شيئا من هذا لم يكن، أو على الأقل لم يتم تأكيده؛ لكن زليخة كانت حتما متحررة ومنفتحة على كل الأفكار المتنورة.

زليخة برزت على نحو ملفت للانتباه في إعداد مدونة الأسرة، بحيث إنها شجعت على إقرار مطالب النساء، بتعديل قوانين الزواج والطلاق والحضانة والولاية، ودافعت عن ذلك باستماتة في النقاشات التي أسلفت المصادقة على المدونة

في وقت كان فيه الإسلاميون قد توغلوا في المجتمع، تفطنت زليخة مبكرا إلى أن توغلهم بشكل أكثر عمقا قد يضر المجتمع الذي تطمح إليه، بخاصة في ما تعلق بقضايا المرأة؛ فتقربت أكثر من المواطنين تصنع عنها وعن المرأة بشكل عام، صورة مفادها أنها مؤهلة لخوض أعتى التحديات وأنها قادرة على ريادة مناصب جد حساسة …

العمل الذي تبوأته زليخة نصري كعضوة في جمعية محمد الخامس للتضامن، مكنها من النضال في إطار رسمي بعد أن كان جمعويا، يبتغي رفض أي استغلال للدين كمشترك بين الغالبية من المغاربة لأغراض سياسية أو فئوية.

زليخة برزت على نحو ملفت للانتباه في إعداد مدونة الأسرة، بحيث إنها شجعت على إقرار مطالب النساء، بتعديل قوانين الزواج والطلاق والحضانة والولاية، ودافعت عن ذلك باستماتة في النقاشات التي أسلفت المصادقة على المدونة، بخاصة ضد عبد الكبير العلوي المدغري ومصطفى بن حمزة وأحمد الريسوني وغيرهم ممن عارضوا أي تغيير لا يحترم الضوابط الشرعية.


اليوم، يتذكر التاريخ المغربي، بخاصة النسائي منه، بكثير من الفخر إسهامات زليخة نصري في سبيل تحرير المرأة المغربية والوقوف في وجه كل من حاول أن يعيق تقدمها، كما يتذكر أيضا أن هذه المرأة الآتية بعيدا من الشرق، كانت سيدة القصر الأولى في الشؤون الاجتماعية….


5 –  “أنا من الشرق” يكرم الراحلة زليخة نصري …

كرم المشروع الثقافي ” أنا من الشرق ” ، الذي يروم التعريف بالموروث الثقافي الغني الذي تزخر به جهة الشرق، الراحلة زليخة نصري (1945-2015)، أول امرأة تتولى منصب مستشارة الملك …

وتم هذا التكريم، المنظم بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، في إطار التعريف بـ”شخصيات من الشرق” الذي يعتبر أحد مكونات هذا المشروع، وذلك على شكل بورتريه يعرف بشخصية من الشرق، سواء كانت رجلا أو امرأة، تألقت في مجالها وتجاوز إشعاعها حدود الجهة.


وقد تابعت نصري، التي ولدت بمدينة وجدة حيث تابعت دراستها إلى غاية حصولها على الباكالوريا، دراستها بالرباط حيث حصلت على دبلوم من المدرسة الوطنية للإدارة، وبعدها بجامعة جان مولان بفرنسا حيث حصلت على دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في التأمينات، ثم حصلت بعدها على دكتوراه دولة في القانون الخاص.

وكانت زليخة نصري قد أدارت مديرية التأمينات منذ سنة 1994، قبل أن يعينها الملك الراحل الحسن الثاني كاتبة للدولة لدى وزير الشؤون الاجتماعية مكلفة بالتعاون الوطني، وكانت واحدة من أربع نساء في الحكومة.

وفي سنة 2000 عينت زليخة نصري من طرف الملك محمد السادس مستشارة له، وأصبحت بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب.

وكانت الراحلة أيضا عضوا في جمعيات وطنية ودولية عدة، وأشرفت بالخصوص على مؤسسة محمد الخامس للتضامن، وترأست مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.

وقد تم إحداث ونشر المشروع الثقافي “أنا من الشرق” على مواقع التواصل الاجتماعي، بمبادرة من المعهد الفرنسي بوجدة، وبشراكة مع وكالة جهة الشرق والائتلاف الفني “كاسيطا”.

ويقدم هذا المشروع، الذي جاء ثمرة تعاون طموح، مجموعة من الأحداث والصور التي طبعت تاريخ جهة الشرق، وذلك من خلال سلسلة من البورتريهات والوثائقيات واللوحات المنجزة بتقنية الجرافيك لتسليط الضوء على شخصيات ومنتوجات وأماكن أو قصص مرتبطة بهذه المنطقة.

ويعتبر الرسم بتقنية الجرافيك من أهم ما يميز هذا المشروع الذي يحمل توقيع وبصمة الفنان التشكيلي الشاب يونس ميلودي، بالإضافة إلى صيغته الموجهة لمستعملي شبكات التواصل الاجتماعي وأصالة العمل ذات الطابع التوثيقي وكذلك استمراريته؛ إذ إنه يضرب موعدا قارا للجمهور طيلة سنة 2021.

ويتوزع هذا المشروع على ثلاثة مفاهيم، هي “التعريف بالعادات” الذي يسلط الضوء شهريا على إحدى العادات المميزة لجهة الشرق، و”شرقي جدا” الذي يتضمن فيلما وثائقيا قصيرا مدته دقيقة واحدة يغوص في أرشيف الجهة، و”وجه من الشرق”، وهو عبارة عن بورتريه يعرف بشخصية تنتمي لجهة الشرق ….



6  – يامنة تطالب بتكريم الراحلة زليخة نصري بصفة رَجُلَةَ الدولة …



تبين أنشطة وتحركات السيدة المستشارة زليخة نصري على أنها كانت نعم المسؤولية والجدية والتفاني مما جعلها موضوعا للكثير من الاحترام والتقدير….

وفور سماعي بنبأ التحاقها بالرفيق الأعلى لم أجد ما أنعى به المرحومة سوى الدعوة إلى تكريمها عن طريق نعتها برَجُلَةَ الدولة مقابل رجل الدولة كمفرد رجلات ورجال عوض نسيء مفرد نساء وذلك للأسباب التالية،
إن العبارات الثلاث التالية: ( نساء- رجال- قوامة) قد شابها الكثير من التحريف ولي العنق من أجل تحقير الأنثى والمس بكرامتها. فمثلا عبارة نساء التي أصبحت رمزا للمرأة كتبخيس وتحقير لها لا علاقة لها بخصوصية الجنس المؤنث وإنما في اللسان العربي، نساء: جمع نسيء وهو كل من كان في مؤخرة الركب أو القافلة ذكرا أو أنثى، صغيرا أو كبيرا. أما كلمة رجل التي اختزل إطلاقها على الذكر كتعزيز وإكرام وتبجيل له، مما لا يتحقق مثله للأنثى، فأصله، ترجل او ترجلت الرجل أو الرجلة أي نزل أو نزلت بعد أن كان راكبا أو كانت راكبة قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ-;- كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) الحج الآية 27. رجالا وعلى كل ضامر يأتين يعني يجيئون راجلين وراجلات أو راكبين وراكبات لأن الناس تطلق على الذكور والإناث والحج هو فريضة على الجنسين. أما عبارة القوامة التي هي كذلك من أهم عبارات قاموس التمييز العربي المؤسلم …قال تعالى (الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا وبما فضل الله بعضهم على بعض….) النساء 34. أول ملاحظة، هي ان الآية تقول الرجال قوامون على النساء وليس الذكور قوامون على الإناث هذا من جهة ومن جهة أخرى فقذ بينا أن صفة الرجال والنساء ليست مرتبطة بالجنس وإنما بالفعالية والكسب والمسؤولية (النفقة وحسن التدبير…)وهذه أمور يمكنها أن تتوفر في كلا الجنسين ولا يكون الواحد قوام على الآخر إلا إذا كان ذلك الآخر نسيئا أي يعاني من أحد مظاهر الضعف والتخلف سواء الصحي أو المالي أو العقلي أو الفكري .
ومن كل الشهادات التي ذكرت والتي لم يسمح المقام باستحضارها يتضح أن الله الحكم العدل ينظر للأنثى والذكر على قدم المساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز أو وصاية أو قوامة لأحد على الآخر. وبالتالي فالقرآن أو الدين الإسلامي بريء من كل ما يقوله المفسرون السلفيون في الموضوع. وبريء من كل ما تسببوا فيه من ظلم وأذى للمجتمعات الإسلامية من خلال تكريس دونية المرأة واتهامها بكل مظاهر الشيطنة والفساد جراء ذلك التأويل الفاسد للآيات القرآنية وابتداع قاموس لغوي يكرس دونية المرأة وتحقيرها على مر ما يناهز 14 قرنا. وبعد هذا الكشف –رغم محدوديته- عن مجموعة من مظاهر الزيف اللغوي والمغالطات الفقهية لم يبق سوى التأكيد على مسؤولية الإرادة السياسية في استمرار وضعية التمييز وما يرافقها من إضرار ليس بالمرأة وحدها وإنما بكل مكونات المجتمعات الإسلامية خاصة في السنوات الأخيرة مع نشاط ظاهرة الاجتهاد وقوتها لما يتوفر من إمكانيات البحث والتدقيق حيث لم تبقى ذريعة تحليل الحرام قائمة فالعدل أساس الحلال.
وبناء على محاولتنا المتواضعة في ضبط المفاهيم أعلاه واستنادا إلى سيرة المرحومة زليخة نصري المليئة بالجد والاجتهاد والتضحيات الجسام من أجل، استقرار وأمن المغرب ونموه وازدهاره، على أساس العدل والمساواة وتحقيق الكرامة الإنسانية… لم يعد لأحد من ذريعة لاعتبار المرحومة من النسيئ ولا مانع يحول دون اعتبارها رَجُلَةَ دولة واتخاذها إسوة لجميع المواطنات والمواطنين في هذا البلد الأصيل والعريق.
ونتمنى جزاء الاجتهاد أما الحقيقة والكمال فهي لله وحده لا شريك له (وله تأويل القرآن) …. طرحنا هذا النص بدون التصرف فيه ، كوجهة نظر فقط …


7 – زليخة نصري عرابة النساء نحوى العز والتمكين …



لم تكن شخصية عادية في التاريخ ، ولا مسارها كان عاديا في ذاكرة المغاربة ، بل حاولت أن تصنع “بروفيلاتها”، على الرغم من العراقيل والصعوبات التي كادت أن تعصف بهم.


لم يكن انضمامها إلى مصاف النخبة كامرأة سهلا، لأن الأمر يحتاج إلى توفر شرطين أساسين، وهما أن تكون من النخب النسائية المتعلمة، وتنتمي إلى نخب الحضرية، وهو ما كان متوفرا في امرأة كزليخة نصري ….



حصولها على شهادة الإجازة في الحقوق العلوم القانونية بكلية الحقوق بالرباط، ثم حصولها على دبلوم من المدرسة الوطنية للإدارة شعبة المالية والاقتصاد، مكنها من ولوج منصب وظيفي عينت فيه بقسم التأمينات، بوزارة المالية.


هذا الأمر مكنها من المزواجة بين التكوين والوظيفة إلى تحضير دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في التأمينات بمعهد التأمينات بليون جامعة جان مولان بفرنسا، حيث حصلت على دكتوراه دولة في القانون الخاص.

وكان موضوع أطروحتها “قانون التأمينات بالمغرب”، وقد صدرت ضمن منشورات لابورت سنة 1982.

لم يتوقف مسارها المهني هنا، حيث استمر عملها بمديرية التأمينات التي أدارتها منذ 1994، كما مارست التدريس في معاهد عليا مختلفة، وخاصة بكلية الحقوق بالدار البيضاء.

كان عام 1997، هو عام الذي بدأ في نجم زليخة يسطع حيث عينها الملك الحسن كاتبة للدولة لدى وزير الشؤون الاجتماعية مكلفة بالتعاون الوطني إلى غاية مارس 1998، وكانت واحدة من أربع نساء في الحكومة، وفي أبريل 1998 عينت مكلفة بمهمة في الديوان الملكي.

كانت المستشارة الراحلة زليخة نصري، التي ولدت في عام 1945 بوجدة، عضوا في عدة جمعيات وطنية ودولية وثقافية وعلمية، وفي هذا الإطار ترأست فرع المغرب بالجمعية الدولية لقانون التأمينات.

في 29 مارس 2000، اختارها الملك محمد السادس مستشارة له، ولتكون بذلك أول امرأة مغربية تتولى هذا المنصب، وهي التي كانت تشكل العمود الفقري الذي يشرف على جميع الأعمال التي كانت تقدمها مؤسسة محمد الخامس للتضامن، والتي تأسست سنة 1999، كما عينت سنة 2002 على رأس مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، إلى أن توفيت في 16 دجنبر من عام 2015….



8  – زليخة نصري في عيون النخبة المغربية ….

شكل رحيل زليخة نصري، مستشارة الملك محمد السادس، عن سن يناهز 70 سنة، إثر جلطة دماغية صدمة كل من عرف الراحلة، سواء من قريب أو من بعيد …


بالنسبة لنزهة الصقلي، القيادية في حزب التقدم والاشتراكية، فإن “المغرب ضاغ في شخصية نسائية عظيمة ومتميزة وواضحة، حيث لعبت الراحلة زليخة نصري دورا أساسيا كأول امرأة تشغل منصب مستشارة للملك محمد السادس”.

وقالت الصقلي، إن الراحلة “تميزت بالعطاء الكبير لهذا الوطن، ورغم أنها اشتغلت في الظل لكنها أعطت الكثير وأهدت حياتها كلها لخدمة المغاربة”.

وتابعت الصقلي: “زليخة لعبت دورا أساسيا في الإشكاليات الاجتماعية إلى جانب صاحب الجلالة، كما لعبت دور المرافقة لقانون الأسرة منذ سنة 2003، حيث كانت متمكنة من الملف الذي اشتغلت عيله كثيرا، ومازلت أتذكر اجتماعاتها مع جميعات المجتمع المدني من أجل التفكير ولعب دور الوساطة لوضع المجتمع المدني في صلب الإصلاح الكبير لمدونة الأسرة”.

من جانبه، قال المناضل السياسي صلاح الوديع في حق الراحلة: «عادة ما يقال رجل دولة ذهب، لكن بكل سهولة يمكننا أن نقول امرأة دولة ذهبت، فميزات زليخة نصري كانت بارزة جدا”.

وأضاف الوديع “شخصيا عرفتها في العديد من المحطات، لكن ما ظل راسخا في ذهني هو بساطتها وبديهيتها في شغلها لموقع مستشارة للملك، وهو موقع نادرا ما توفر للنساء، ولم تشعر زليخة بأن كونها امرأة يمكن أن يشكل عائقا في مهمتها».



أخيرا وليس أخرا ، وبالرغم من إجماع النخبة على نجاح المرحومة في تأدية مهامها على أكمل وجه ، تبقى هاته المقولة التي تهزم اللذات للمجاهد الحكيم سيدي محند ابن عبد الكريم الخطابي دليلنا في مدارسة اي ظاهرة  ” ليس هناك نجاح أو فشل، انتصار او هزيمة، بل شيء اسمه الواجب , وأنت قمت به قدر استطاعتك “

يبقى لي أن أشير أنني التقيت المرحومة ، بفندق الترمينوس ، إبان إحدى زيارات جلالة الملك لمدينة وجدة ،  حيث كانت منهمكة في مكالمة هاتفية ولما انتهت خاطبتني بكثير من الطيبوبة والاحترام ” سمحلي تعطلت عليك ولدي مرحبا أنا في الخدمة ” فقلت لها : ” لااريد شيء أريد أن أجرى حوار صحافيا معك لأنني احبك كثيرا ” فطبطبت على كتفي وقالت لي ” نحن مستشاري الملك لاندلي بتصريحات صحفية ” وودعتني تاركة في قلبي انطباعا جميلا حول طريقة كلامها معي … أمنا زليخة رحمك الله ورزقك الظل والظليل إلى جانب موسى ونبي الله ابراهيم ، اللهم ارفع مقامها إلى جانب أمهات المسلمين … أمنا زليخة على روحك الرحمة وعلى ذكراك السلام .

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.