حسوني قدور بن موسى
المحامي بهيأة وجدة
يثير مفهوم الخطأ القضائي نقاشا كبيرا بين رجال القانون والباحثين في المجال القضائي و مدى امكانية المساءلة عن هذا الخطأ الذي يمس حقوق و مصالح المواطنين، ويعتبر حق التعويض عن الخطأ القضائي الذي تتحمله الدولة من أبرز الحقوق المستمدة من النهج الحقوقي الذي انخرطت فيه الدول الراقية الديمقراطية التي تنص دساتيرها على حق المساواة أمام القضاء بين الدولة والمواطين وأقرت بمسؤوليتها عن الأخطاء القضائية التي يرتكبها القضاة لأن الديمقراطية لا تقبل المسؤولية بدون المحاسبة والعقاب ولا خلاف حول اقرارمسؤولية الدولة بنص دستوري حيث يعتبر تطورا كبيرا في نظام مسؤولية الدولة عن خطأ الجهازالقضائي الذي يمثل اعترافا بحق المواطين في الحصول على التعويض عن الأضرارالتي أصابتهم بسب الأحكام غيرالعادلة التي ارتكبت فيها أخطاء سواء كانت أحكاما جنائية أم مدنية.
و من الناحية النظرية ينص الفصل 122 من الدستورعلى أنه :” يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة” لكن يجب التمييز بين الخطأ الوارد في النص الدستوري وترجمته بالفرنسية و في هذا الاتجاه يقول الدكتورمحمد لكموش باحث في العلوم السياسية:
” بالرجوع الى الفصل 122 من الدستور يتبين أن هناك فرق في صياغة الفصل بين النسختين العربية والفرنسية اذ في النسخة العربية نجدها تتحدث عن الخطأ القضائي و ترجمته بالفرنسية هي faute و بين النسخة الفرنسية التي تتحدث عن الغلط وترجمته بالفرنسية هي erreur والمعتبر هي النسخة العربية و بالتالي فان هذه المسألة تطرح اشكالا على مستوى التعريف لكل من الغلط والخطأ “
والغلط هو وضع الشيء في غير موضعه وعدم التمييز بين الشيء وأشباهه وانحراف عن الصواب ولهذا نقول مثلا أن التاجرأنقص في وزن البضاعة نتيجة الغلط الذي وقع فيه و في هذه الحالة يمكن استدراك الغلط أما الخطأ فهو يعني الضلال والنسيان والحياد عن الصواب اما بسبب نقص في الجهازالعقلي أو في الذكاء أو الجهل و في بعض الأحيان يكون الخطأ عمديا، ولهذا فان الشخص الذي لا يتمتع بالذكاء والتبصر والحكمة لا يصلح أن يتقلد منصب القاضي الذي هو من أعظم وأنبل و أخطرالمناصب على الاطلاق وما دام القاضي ينوب عن الملك الذي تصدر الأحكام باسمه و موكول اليه الحفاظ على حقوق و مصالح المواطنين فان المرشح لمنصب القاضي يجب أن يمر من عين الابرة نظرا لخطورة المسؤولية العظمى التي يتحملها من خلال الفصل 117 من الدستورالذي ينض على أنه:” يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات و حرياتهم وأمنهم القضائي و تطبيق القانون” كما ينص الفصل 124 من نفس الدستورعلى أنه :” تصدر الأحكم و تنفذ باسم الملك و طبقا للقانون” وعلى هذا الأساس لا يجوزاسناد منصب القاضي الى شخص لا تتوفر فيه صفات العلم والذكاء و النزاهة و الاستقامة والأخلاق النبيلة واحترام الارادة الملكية و يجب أن تسند مسؤولية القضاء الى الأشخاص الذين تتوفر فيهم صفات النزاهة والعلم والخوف من تحمل المسؤولية حتى يكون القاضي في مستوى الأمانة و توجهات وطموحات الملك الضامن لاستقلال القضاء ولا بد من التسليم بخطورة الرسالة التي يتحملها القاضي و ثقل الأمانة التي يؤديها للقيام بواجب تطبيق قيم العدل بين الناس تفرضان عليه أن يكون سليم العقل و من أفضل الطلبة المتفوقين وأصفى المنابع التي تكفل للقضاء خيرة العناصرعلما و ثقافة وأخلاقا و مسلكا وأكثرها استعدادا لتحمل مسؤولية وأمانة العدالة التي يقول الله تعالى عنها:” انا عرضنا الأمانة على السماواة و الأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا “.
وعلى اعتبارأن الأخطاء القضائية لا تخفى على المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي بامكانه تطبيق قاعدة ” من أين لك هذا” على جميع القضاة واكتشاف نواياهم الحقيقية وطريقة تفكيرهم و يبقى لرئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي يتلقى باستمرار شكايات وتظلمات المواطنين بشأن الأحكام الخاطئة أن يبرز حضوره القوي كما أراد ذلك جلالة الملك من حيث محاربة الفساد واجراء البحث في شأن شكاوي المواطنين وأخذها أوعدم أخذها بتعليل الأحكام التي قد تكون مخالفة للواقع و للقانون و لا يمكنه التخلي عن مباشرة اجراء البحث في الملفات المشبوهة تحت ستار
امكانية سلوك طرق الطعن ضد الحكم موضوع الشكاية أمام محكمة أعلى درجة التي قد ترتكب نفس الخطأ لأن اختصاصات ومهام المجلس الأعلى للسلطة القضائية تكمن في مراقبة عمل القضاة و تقويم اعوجاجهم وتحميلهم المسؤولية عن اخلالهم بمسؤولياتهم طبقا للمادة 85 من اختصاصات و مهام المجلس الأعلى للسلطة القضائية التي تنص على أنه :” يختص المجلس بالنظرفيما قد ينسب الى القاضي من اخلال كما هو منصوص عليه في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة “، كما تنص المادة 87 من نفس القانون على أنه ” لا تتم المتابعة التأديبية الا بعد اجراء الأبحاث و التحريات الضرورية طبقا لأحكام الفقرة 2 من الفصل 116 من الدستور.
يمكن للمجلس الأعلى للسلطة القضائية اذا كان يريد فعلا تفعيل النصوص القانونسة المتعلقة بالتأديب أن يكتشف بسهولة الخطأ القضائي والتأويلات الخاطئة التي يتستر وراءها القاضي الذي أصدر الحكم و خرق القواعد القانونية الجوهرية و خالف القانون والواقع، و بالفعل توجد حالات عديدة تثبت أخطاء قضائية خطيرة منها على سبيل المثال الحالة التي ينصب فيها القاضي نفسه مدافعا عن أحد الأطراف فيحكم بما لم يطلب منه و يثير دفعا جديدا لم يسبق للخصم أن أثاره خلافا لمقتضيات المادة 3 من قانون المسطرة المدنية التي تنص صراحة على أنه ” ينبغي على القاضي أن يبت في حدود طلبات الأطراف ولا يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات” كما أن الاجتهاد القضائي يلزم المحكمة بالتقيد بما أثاره الأطراف و لا يجوز للقاضي مثلا اثارة دفع من تلقاء نفسه دون اثارته من طرف أحد الأطراف، و في القضايا الجنائية يلاحظ ارتكاب سلسلة من الخروقات الخطيرة للمسطرة الجنائية نذكر منها على سبيل المثال محاكمة متهم بالقتل العمد مع سبق الاصرار والترصد في حالة سراح و رغم رفضه الحضورأمام المحكمة بعد اشعاره بالحضور تتاح له الفرصة للفرار فتصدرالغرفة الجنائية على اثر ذلك قرارا غيابيا و كأن المسألة تتعلق بقضية جنحية دون تطبيق المسطرة الغيابية في حقه كما تنص على ذلك المادة 443 من قانون المسطرة الجنائية، هذا خطأ قضائي خطير و تلاعب بالقانون و بحقوق المواطنين، هذه الأخطاء لا يمكن للمجلس الأعلى للسلطة القضائية السكوت عنها لأنها تمس سمعة المغرب في المجال الحقوقي خاصة في الوقت الذي تتعرض فيه بلادنا الى انتقادات حادة و هجمات اعلامية خارجية بخصوص وضعية حقوق الانسان ، وهكذا تستمرالأخطاء القضائية و تضيع حقوق المواطنين ولا أحد يستطيع مساءلة القاضي الذي يظل جاثما في منصبه طوال حياته دون محاسبة و لا مساءلة و لا مراقبة ولا تفتيش و لا تأديب تحت غطاء “مبدأ الاستقلالية” مع العلم أن هذا المبدأ لا يعني أن القاضي يفعل ما يريد و يصدرالأحكام حسب عقليته وهواه و مزاجه وأنه محصن ضد المساءلة و المتابعة التأديبية بل على العكس فان القاضي في الدول الراقية الديمقراطية مقيد برقابة سلطة أخرى أقرها الدستور أما وزارة العدل في بلادنا فلم يعد لها أي دور في هذا المجال فأصبحت مهمتها هي احالة شكايات المواطنين على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، و من الغرائب القانونية التي تتنافى مع مبادئ حقوق الانسان أن القانون في المغرب يحمل القاضي المسؤولية عن اخلاله بالاستقلالية و التجرد و ليس عن التلاعب بالقانون ، فالقاضي يطالب دائما بالاستقلال لغرض معين، فاذا كانت الادارة مسؤولة عن الاخطاء التي يرتكبها الموظفون اثناء قيامهم بالأعباء الموكولة اليهم بسبب سلطة الرقابة والتوجيه التي تمارسها الدولة عليهم فان القانون في المغرب مع الأسف يعتبرالقضاة مستقلين لا سلطان عليهم في تدبير ملفاتهم، فهذا توجه يتنافى مع مبادئ حقوق الانسان التي يتشبت بها المغرب في ديباجة دستوره، و للأسف لا يجد المواطن المظلوم أي جهة قضائية مستقلة للنظر في شكاياته ضد القضاة على غرارالمحكمة الأوروبية لحقوق الانسان التي تتلقى دعاوى المواطنين من جميع الدول الأوروبية، و نذكر منها على سبيل المثال الدعوى المشهورة التي رفعتها المحامية France Moulin بمدينة ” تولوز” ضد الدولة الفرنسية على اثراعتقالها بطريقة تعسفية من طرف النيابة العامة حيث حصلت على حكم ضد الدولة الفرنسية يدين الاعتقال التعسفي الذي تعرضت له هذه المحامية و يقضي بابطاله مع تعويض مدني لفائدتها قدره 5000 أورو، كما اعتبرت المحكمة أن النيابة العامة ليست سلطة قضائية حتى يمكنها وضع الأشخاص بالسجن دون محاكمة علنية من طرف قضاة الأحكام فأصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان القاعدة المشهورة التي تقول:”النيابة العامة تتابع والقاضي يحكم”
Le procureur poursuit et le juge juge
وأيدت محكمة النقض الفرنسية هذا القرار وكذلك المجلس الدستور،هذه هي الدولة التي يتمتع فيها المواطن فعلا بحقوقه ويشعر فيها بالأمن و الأمان و التي يتساوى فيها المواطن والدولة أمام القانون.