أحمد عصيد
صرح السيد وزير التربية الوطنية بأن “تدريس ثلاثة حروف للتلميذ المغربي يُعدّ من الصعوبات التي تؤثر على تمكّن التلاميذ المغاربة من اللغات”. ثم سرعان ما أضاف قائلا إنّ هذا “يحتاج إلى إجراء بحوث”، ولنا بضعة أسئلة نوجهها للسيد الوزير مرتبة على الشكل التالي:
ـ السؤال الأول: كيف يجزم الوزير برأي يعلنه للناس ويتضمن حكما على تجربة، ثم يقول إن الأمر بحاجة إلى “بحث”، إذا كانت هناك حاجة إلى البحث لماذا أعلن موقفا مسبقا ولم ينتظر نتائج البحث ؟
ـ أما السؤال الثاني فهو التالي: هل يعلم الوزير بأن هناك تقريران أنجزا في الموضوع الذي يتحدث عنه منذ السنوات الأولى لبدء تدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية ؟ إذ يبدو أن المدير الذي “وسوس” للوزير هذا الكلام الذي أعلنه لم يُطلعه على تلك التقارير التي تؤكد خلاف ما أعلنه الوزير. ورغم ذلك فلا شيء يمنع وزير التربية من التأكد بنفسه لمعرفة ما هو الحرف الأكثر صعوبة في المدرسة المغربية والذي لا يتعلمه الأطفال إلا بعوائق ديداكتيكية واضحة، وما هو الحرف الأسهل في التعلم والأكثر جاذبية للأطفال ؟
أما السؤال الثالث فهو التالي: كيف تمّ إجراء دراسة دولية على 48 دولة حول إتقان التلاميذ للغة الرسمية، وكانت نتيجتها أن تلاميذنا احتلوا الرتبة الأخيرة (الرتبة 48) في معرفة اللغة العربية الرسمية بين دول العالم التي شملتها الدراسة ؟ ولماذا لم تُسلم هذه الدراسة للسيد الوزير ليكون على بينة من معضلة تدريس اللغات في بلادنا، وليعلم أنّ هؤلاء التلاميذ لم يدرسوا الأمازيغية ولا حرفها الأصلي تيفيناغ، ولكنهم درسوا اللغة العربية بحرفها الأصلي بعدد ساعات يُعد الأعلى في العالم وهو 11 ساعة في الأسبوع ؟.
ـ السؤال الرابع : هل يعلم الوزير بأن اختبارا دوليا أجري حول مدى إتقان الأساتذة للمواد التي يدرسونها، وأن نتائج الدراسة كانت كارثية بالنسبة لبلادنا، لأنها أظهرت عدم إلمام المدرسين المغاربة باللغتين العربية والفرنسية، ولا بالمواد التي يدرسونها، وهل يعلم الوزير بأن هؤلاء المدرسين لم يتعلموا الأمازيغية ولا يعرفون حرف تيفيناغ ؟
المقصود بهذه الأسئلة ما يلي:
1) أن التجارب البيداغوجية الناجحة تقول إن توفير مناخ ملائم للتعلمات، مع أساتذة أكفاء في نظام تربوي وطني سليم ذي مشروع نهضوي، لا يمكن أن يعيقه أي حرف من الحروف ولا أية لغة من اللغات. وهذا يعني أن على الوزير أن يدرك بأن صعوبات تعلم اللغة الأمازيغية هي اليوم نفس صعوبات تعلم باقي المواد الدراسية. وأن المنطق يقول: “اعطني منظومة تربوية جيدة مبنية على الحكامة والمسؤولية الوطنية والالتزام الإداري أعطيكم تعليما جيدا لكل اللغات والمواد المدرجة في تلك المنظومة”.
2) أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية للدولة المغربية، ومعنى “لغة رسمية” أنها لغة مؤسسات الدولة، ولكي تؤدي وظائف اللغة الرسمية عليها أن تكون معممة في التعليم حتى تكون مهيأة لذلك في كل قطاعات الدولة الأخرى، وهي اليوم بعد 20 سنة من إدراجها في التعليم لا يتعلمها أكثر من 9 % من التلاميذ المغاربة، رقمٌ كاف لكي يُلهم السيد الوزير ما ينبغي عمله، وهو رقم لا يمكن تفسيره إلا بالتعامل الذي تلقاه هذه اللغة داخل دواليب وزارة التربية الوطنية، والذي هو تعامل مخالف كليا لوضعها القانوني، مما يجعل سلوك المسؤولين داخل الوزارة خرقا لدستور البلاد وللقانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
3) أن مشكلة الأمازيغية هي مشكلة عقليات جامدة لا تريد أن تتغير ولا أن تواكب قرارات الدولة والتزاماتها الديمقراطية، وهذه العقليات الإدارية التي تربت في حضن إيديولوجيات إقصائية مسؤولة بشكل كبير عن تردي أوضاع بلدنا في مختلف القطاعات، لأنها عقليات تشتغل ضدّ أي تغيير وضدّ أي بناء أو إصلاح. والنتيجة الحتمية لاشتغال هذه العقلية الفاسدة هي هدر الزمن وإشاعة الإحباط وإضعاف الثقة في المؤسسات.
4) إن محاولة إلقاء أعباء فشل منظومة تربوية على آخر لغة التحقت بالتعليم (مع العلم أنها اللغة الأولى تاريخيا على أرض المغرب) هو أسلوب لا يُبشر بخير، وهو يتناقض كليا مع الخطب الملكية ومع الدستور والالتزامات الحكومية المعلنة والواضحة، كما يُعدّ تعاملا يفتقد إلى الجدية وإلى أبسط قواعد المسؤولية. وبهذا الصدد نذكر السيد الوزير وكذلك المدير الذي “يوسوس” له أفكارا تتعارض مع القانون والتوافق الوطني، بأن الأمازيغ مواطنون ودافعو ضرائب، وليسوا لاجئين في بلدهم، وأنهم يريدون من الدولة خدمات في كل القطاعات بلغتهم الأصلية وبحرفها الأصلي الذي هو جزء لا يتجزأ من هويتهم، والذي تم إقراره حرفا رسميا على أعلى مستوى منذ 20 سنة، وتمّ تأكيد ذلك القرار في المادة الأولى من القانون التنظيمي الصادر بالجريدة الرسمية في فاتح أكتوبر 2019، ومن لا يشعر بالانتماء إلى أرض المغرب وحضارتها لا ينبغي له أن يُحمّل اللغة المغربية الأولى تبعات أزمته الهوياتية.
5) على السيد الوزير ـ بصفته عضوا في حكومة ـ أن يَصرف اهتمامه إلى تطبيق البرنامج الحكومي، وأمامه فقط ثلاث سنوات ليثبت أنه عند وعده سواء في التزامات الحكومة التي هو عضو فيها، أو في التزامات النموذج التنموي الجديد الذي كان رئيسا للجنته. وما تحتاج إليه الأمازيغية في التعليم هو الموارد البشرية المكوّنة، والتي لا يمكن حصرها في 400 في السنة، إلا إذا كان في نية الوزير خرق القانون التنظيمي الذي ينصّ على تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في خمس سنوات بالابتدائي. وهو ما يجعلنا أمام الحاجة إلى 2000 مدرس في السنة على الأقل.
6) تم إصدار مذكرة الأستاذ المتخصص في الأمازيغية منذ سنة 2012، ومنذ ذلك الوقت لم تصدر الوزارة أية مذكرة أخرى، واليوم إذا أراد السيد الوزير أن يجعل تكوين أساتذة اللغة الأمازيغية شاملا لمواد أخرى ليتم تكليفهم بالعربية والفرنسية عند وجود “خصاص” في تلك المادتين، فعليه إصدار مذكرة يلغي بها القرار السابق، ولكن عليه أن يعلم بأن من أسباب تردي وضعية الأمازيغية في التعليم وتراجعها بشكل كبير هو ما يقوم به المدراء في الوزارة وفي المديريات الجهوية من رفض الأستاذ المتخصص في الأمازيغية وإرغامه على سدّ “الخصاص” في العربية والفرنسية ، وهو خرق للقانون يعني ببساطة أن على الأمازيغية أن تنتظر إلى حين وجود إشباع مؤسساتي في مدرسي اللغة العربية والفرنسية لكي يتم الشروع في تدريسها، علاوة على ما يعنيه ذلك من عبث في تكوين أستاذ للغة الأمازيغية يجد نفسه في مهمة غير تلك التي تم تكونه من أجلها. نفس الشيء يقال عن “الانتقال” الذي يضطر أستاذ الأمازيغية إلى التخلي عن مادة تخصصه حيث يتم إخباره في المديرية التي يُعين بها بعدم وجود الأمازيغية في المدرسة التي انتقل إليها. هذا دون الحديث عن استعمال الزمن والمعاملة المهينة من طرف الموظفين الإداريين الذين يتصرفون كما لو أنهم يعاقبون مدرس الأمازيغية على اختياره لتلك اللغة.