عبد اللطيف مجدوب
استخلصت الأنظمة العربية الحاكمة من ثورات “الربيع العربي” البائد عبرة لما يمكن أن ينجم عن “الثقة” في المؤسسات الدستورية واشتغالها على إيقاعات الشارع العربي، من خلال الميديا الشعبية (وسائل التواصل الاجتماعي) التي كان لها أبلغ الأثر في اندحار بعض رموز الأنظمة السياسية، وانبعاث بدائل لها من رماد هذه الثورات؛ معظمها كان للعسكر اليد الطولى في استتباب الأمن لها، في محاولة لتطهير بلدانها من التنظيمات الإسلامية المتطرفة والمتعطشة إلى السلطة؛ على غرار ما يحبل به المشهد السياسي؛ سواء في سوريا والعراق واليمن أو ليبيا وتونس والجزائر إلى حد ما.
فالثقة السياسية في “مؤسسات الدولة”؛ من المنظور الحاكم العربي؛ قد تهوي بالبلاد إلى الحضيض لتتلقفها أيادي تيارات إسلاموية متطرفة، وبالتالي مواجهة صراعات دموية لا يمكن إلا أن تفضي إلى تمزيق الجغرافية وإحالتها إلى أوصال أو بالأحرى إلى مناطق نفوذ لميليشيات مسلحة، تتحول مع الأيام؛ وفي ظل الصراعات الدموية على المنطقة؛ إلى قوى ضاغطة تأتمر بهذا الطرف أو ذاك، ومن ثم وجب؛ برأي هذا الحاكم؛ سحب الثقة من هذه المؤسسات، مخافة اختراقها من طرف هذه القوى، ويكون (الحاكم) مجبرا على التنحي عن السلطة!
انتخابات صورية
الانتخابات العربية كانت وما زالت إلى حين؛ وفي ظل بعض الأنظمة السياسية؛ تجري بإشراف أجهزة حاكمة؛ تتدخل بشكل سافر ومتعسف في ترسيم خرائطها، من حيث نسب التصويت والتيارات المنتخبة، أو بالأحرى الموالية لها بكيفية أو أخرى، بغض الطرف عن قواعد الأصوات الانتخابية التي يمتلكها هذا اللون الحزبي أو ذاك، وفي معظم الحالات كنا نلاحظ أن نسب الإقبال على صناديق الاقتراع دوما تتأرجح بين %90 و%99. وفي السياق ذاته؛ وفي إطار الانتخابات الرئاسية العربية؛ نجد أن الجهاز العسكري هو الذي يقف خلف الستار لتحديد سحنات المترشحين للسباقات الرئاسية وتهيئة السيناريوهات المفضلة “لفوز” هذا الرئيس أو ذاك، كما الحال في الجزائر التي استمرت لعقود؛ توالت خلالها عدة أسماء؛ ابتداء من هواري بومدين والشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف، وانتهاء بعبد العزيز بوتفليقة وعبد المجيد تبون.. كانوا بمثابة بيادق بأيدي العسكر.
أما في مصر فقد شهدت حالة انتخابوية شاذة؛ نشأت من رحم الربيع العربي الذي أودى بنظام محمد حسني مبارك، وحملت معها الرئيس محمد مرسي.. لكن سرعان ما أجهضها العسكر بقيادة عبد الفتاح السيسي.
وحري بنا الإشارة إلى نموذج من انتخابات عربية؛ يحتكم فيها “الدستور” إلى الكوطا الواجب استحضارها لفائدة العشائر الشعبية (حالة العراق)، أو الطوائف اللبنانية التي تضم نحو 18 طائفة؛ لها حضور في المشهد السياسي، ومن ثمة كانت الانتخابات؛ في ظل هذا الواقع العشائري والطائفي المتشرذم أمرا مقعدا، لا يخلو في جميع الحالات من أن تمتد إليها أياد في الخفاء ومن وراء الستار.
حالة المغرب..
تكلف الانتخابات التشريعية في المغرب خزينة الدولة 1,5 ملايير درهم (تصريح أخير لمحمد بن شعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة)، تصرف بين اللوجيستيك والموارد البشرية والرقمنة والدعم..
لكن؛ وفي كل تجربة انتخابية يخوضها المغرب؛ يتكشف للعيان أن الحكومة المنبعثة من صناديق الاقتراع؛ وبالرغم من تحالفاتها وتصدرها للمشهد السياسي؛ داخل البرلمان بغرفتيه، وبغض النظر عن برنامجها “المسطر والمرقم” فإن جل قراراتها تملى عليها من فوق؛ أحيانا كما لو كانت هناك حكومة في الظل تناوئها خلف الستارة، أو تكون مجبرة على اتخاذها من خلال نفوذ تيارات قوية في هرم السلطة؛ معظمها مهيمن على قطاعات المال والاقتصاد والتجارة.. وقد تكون قرارات تمس القوى الشرائية للمواطنين، كالرفع من أسعار الوقود أو بعض المواد الأولية، أو المس بالضرائب العمومية.. مما يغذي لدى المواطن الشعور بالعداء تجاه هذه الحكومة أو بالأحرى “الحزب الحاكم”، أما مبادراتها فجد ضعيفة ولا تغطيها سوى المبادرات الملكية بين الفينة والأخرى، وهكذا تتراجع شعبية هذا الحزب، ويعاد ترتيبه؛ في الانتخابات الموالية؛ إلى الصفوف الخلفية، لتأتي “نوبة” (آمولا نوبا) حزب آخر وقيادة أخرى، وهكذا دواليك.. فنجد في الأخير؛ عينة حكومية تدور في فلك آخرين، أو حلقات مفرغة؛ تتجدد داخلها فقط الأسماء والصور والألوان، بينما يظل الواقع المعيش يزداد احتقانا وتعفنا.