عبد اللطيف مجدوب
أضحت حرب غزة؛ على مدار خمسة أشهر؛ بوقا لتصريحات وتسريبات ومواقف ساخنة، ذهبت بها خلفياتها السياسية في كل اتجاه، عصفت بها رياح الميديا في بدايتها لصالح إسرائيل وحقها في “الدفاع عن النفس” ثم ما لبثت حينا أن انقلبت إلى ضرورة مراعاة “قوانين الحرب” لما أخذ العالم يصبح ويمسي على مزيد من المجازر البشرية تتصاعد أعدادها وأهوالها في ظل قصف وحشي غير مسبوق ، حينها ركنت الآلة الإعلامية الأطلسية إلى تحاشي مشاهدة أو التعليق على القتل الجماعي الممنهج الذي أصبحت ساكنة غزة تعيش تحت رحمته، وبين هذه المواقف المتضاربة تصاعدت حدة غضب الشوارع في كبريات العواصم الغربية، منددة “بالتواطؤ” والسكوت المخزي للضمير العالمي وهو يشاهد أطفال ونساء غزة يتوافدون زرافات ووحدانا على مناطق “آمنة” لتنفرد بهم آلة القتل الصهيونية، في مذابح وإبادة جماعية غير مسبوقة.
الإعلام الأمريكي وسياسة الحرباء
من المعلوم أن الإعلام غدا في الألفية الثالثة أخطر سلاح على الإطلاق، لتدجين الرأي العام حينا أو تحريضه أو لتهدئة غضبه، أو بالأحرى امتصاصه لحين آخر. وتتوفر لدى الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مراكز دراسات وأبحاث لقياس الرأي العام والولوج إلى هويته وتوجهاته، ومدى درجة غضبه وسبل تهدئته أو إثارته أمام القضايا الراهنة، وفي ركاب وزخم وقائع غزة وويلاتها ومآسيها، وما واكبها من سخط وغضب واستنكار وتنديد، اضطرت الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن إلى استخدام سلاح “التصريحات المهادنة”، في شكل “حقن مهدئة، كانت ترمي من ورائها إلى الحد من هيجان الرأي العالمي، لا سيما العربي والإسلامي منه خاصة، وفي ما يلي عينة من هذه التصريحات المهدئة:
– “الرئيس الأمريكي غاضب من سياسة بنيامين نتنياهو”؛
– “الرئيس الأمريكي أقفل خط الهاتف في وجه رئيس الحكومة الإسرائيلية”؛
– “البيت الأبيض يفكر في فرض عقوبات على بعض المستوطنين”؛
– “البيت الأبيض يدرس إمكانية حضر الأسلحة على إسرائيل”.
وعلى الرغم من شحنة التفاؤل التي لقيتها لدى جماهير عريضة، وتفاعلها معها وانتظاره “لهزيمة” وشيكة أن تلحق بإسرائيل، ما دام حليفها الرئيسي غاضب منها لهذه الدرجة، فإن الواقع الميداني كان يشهد بخطاب آخر؛ خط جوي مباشر لإمداد إسرائيل بأحدث الأسلحة تطورا، ورفع أمريكا لورقة الفيتو داخل مقر الأمم المتحدة، ثلاث مرات ضد “وقف الحرب”، ودخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مما يعنى في المقام الأول أن التصريحات أو بالأحرى الأكاذيب التي تطلقها الإدارة الأمريكية ما هي إلا “مسكنات ومهدئات” لإطفاء نيران الغضب والاستنكار التي تعتمل في نفوس عشرات الملايين وهي تعيش يوميا “على القنوات الفضائية” الصور التراجيدية التي تلف قطاع غزة من شماله إلى جنوبه، ليس هناك بالقطع لدى إسرائيل أي اكتراث ولا حتى إعارة اهتمام وبال لكل التصريحات والمواقف والضغوطات والقرارات، سواء على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو محكمة العدل، بل وكأنها زادت من تغذية الحقد الصهيوني ووحشيته لديها، وزادتها إمعانا في تجريب كل وسائل القتل والتدمير والإبادة الجماعية، آخرها سلاح التجويع “Starvation” وحظر كل وسائل الحياة عن شعب أعزل، بل امتدت بها عنجهيتها وغطرستها السياسية إلى مصادرة “معبر رفح” من دولة مصر، وأوكلت إلى هذه الأخيرة مهمة مراقبته وعدم السماح بعبور المواد الإغاثية إلى داخل القطاع إلا باستشارة السلطات الإسرائيلية وانتظار صدور أمر منها!