عبد اللطيف مجدوب
بعد مضي قرابة الشهرين على شروع القوات الإسرائيلية في دك أبنية قطاع غزة، بما فيها المستشفيات والمدارس والمساجد، مع تشديد حصارها على كل وسائل العيش والحياة، تكشّف للعالم أجمع؛ وبذهول حتى من بعض الحلفاء والشركاء؛ وجه أمريكا البشع وازدواجية معاييرها في مواقفها تجاه حرب غزة، فبعد أن دفعت إسرائيل بقبول هدنة تبادل الأسرى والمحتجزين، طمعا في الإفراج عن رهائن أمريكيين لدى المقاومة حماس، عاد وزيرها في الخارجية بلينكن خاوي الوفاض في آخر زيارة له لدولة قطر وحضوره لجانب خفي من المفاوضات الدائرة بين وسطاء تبادل الأسرى والمحتجزين، فترسخ للإدارة الأمريكية حينها أن رهائنها؛ في مقاييس حماس؛ ورقة ضغط كبيرة في رتبة جنود إسرائيليين، وأمام خيبة رجائها هذه، منحت الضوء الأخضر مجددا للآلة الجهنمية الإسرائيلية لتكثيف نيرانها على القطاع، مع التشدد عنوة في تقتيل أهله، مستعملة في ذلك ولأول مرة؛ أسلحة جد فتاكة، إذ تكفي قنبلة واحدة لإبادة العشرات، كما عاين العالم، بدقائق قليلة من انتهاء الهدنة الأخيرة؛ لا سيما في مخيم جباليا ومنطقة خان يونس، التي شهدت مجزرة؛ ذهب ضحيتها قرابة 110 من المدنيين العزل!
فشل إبادة حماس هل يساوي إبادة سكان غزة؟!
المنطق العسكري الإسرائيلي، وتبعا لسردية حكومة بنيامين نتنياهو ومجلس حربه؛ يهدف في المقام الأول إلى القضاء أو بالأحرى اجتثاث حركة حماس وتدميرها.. إلا أن هذا الهدف، وبعد تذوق القوات الإسرائيلية مرارة الألم، وهي تشيع يوميا ضحاياها وقتلاها على أيدي حماس؛ وجدت في المدنيين الغزّاويين متنفسا لها بإقدامها على ارتكاب مجازر مروعة لأمد شهرين، ستة عشر ألفا من القتلى، معظمهم من الأطفال والنساء، هذا عدى القتلى والضحايا الذين مازالوا تحت الأنقاض، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب في مساعي انتشالهم، لوحشية القصف المكثف الذي بات يغطي سماء القطاع.
كل يوم تقذف القوات الإسرائيلية الجوية بمناشير تخير أهالي غزة بين الهجرة إلى الجنوب أو القتل، وحتى إذا نزحوا إلى جنوب القطاع وجدوا في انتظارهم كل ألوان التقتيل والتجويع والإبادة.. وقد أظهرت الأرقام المهولة الأخيرة أن ما يقرب من %90 من ساكنة غزة قضوا؛ إما تحت القصف مباشرة أو باتوا تحت الأنقاض، ومازالت الآلة العسكرية الجهنمية تتصيد الباقين منهم.
مؤشرات مروعة يعيشها المجتمع الإسرائيلي
كشفت الإحصائيات شبه اليومية أن المجتمع الإسرائيلي؛ وبفعل أجواء الحرب؛ أصبح يعيش أجواء متوترة ومتأزمة، يمكن الإتيان على أبرزها في المؤشرات التالية:
– 85% من المجتمع الإسرائيلي أصبح يتعاطى للأقراص المهدئة والمضادة للقلق وشدة الأرق؛ كلما دوت صافرات الإنذار؛ في بعض المدن الإسرائيلية؛ عاود الرعب أهلها وهم يهرعون إلى الملاجئ تحت أرضية؛
– سكان المستوطنات، قاطبة عزفوا مطلقا عن العودة إلى ديارهم بفعل الخوف من صواريخ القسام؛
– يلاحظ وجود نسب متسارعة في هجرة مواطني بعض البلدات الإسرائيلية إلى خارج إسرائيل، هربا من بيئة الحرب المرعبة؛
– تعاظم الأصوات الشعبية، ومناشدة حكومة نتنياهو بالإفراج عن أهاليها، أحياء أو ميتين.
هذه مؤشرات داخل إسرائيل، وحدها تشكل ضغوطات سياسية على الحكومة بوقف الحرب، بيد أن مجلسها الحربي يرى في إيقافها إعلانا مباشرا عن إفلاسها وإنهاء لدورهم أمام المحاكم الإسرائيلية، ولما كانت هذه الحكومة واعية بهذا المآل، عادت؛ بعد الهدنة الأخيرة؛ لتضرب بيد من حديد، بهدف إخلاء غزة من سكانها والعمل على تطويق القطاع، والشروع آنئذ في البحث عن الرهائن أحياء وقتلى، سواء في العراء أو بداخل الأنفاق.