الدولة الاجتماعية … لا نؤمن بالشجاعة اللفظية نريد رؤية الدماء .
سعيد سونا – باحث في الفكر المعاصر
نعم لانريد لغوا بدون محصول ، لانريد جعجعة الحكومة حول مشروع ” الدولة الاجتماعية ” دون نراها تمشي في الأسواق وتأكل معنا الطعام … وقبل الخوض نظريا في مفهوم ” الدولة الاجتماعية ” من عدة زوايا أسفله ، لابد أن نستحضر معطيات علمية صارمة ، ستؤطر خوضنا في موضوع واسع ومترامي الأطراف.
لابد أن نشير على الارتباط المكانيكي التلقائي بين مايسمى ، بين ” الدولة الاجتماعية ” والديموقراطية ، لكن قبل كل هذا وذاك نشير بأسف إلى ترويج النقاش العمومي ، لخطابا شعبويا من جهة وتافها من جهة أخرى على أساس أن :
– الشعبوية : كل خطاب أو ممارسة موجهة للآخر خاليان من الحمولة العلمية
– التفاهة : كل خطاب أو ممارسة موجهة للاخر خاليان من الحمولة الأخلاقية
ثم أن فقهاء القانون الدستوري يعتبرون مفهوم ” الدولة الاجتماعية ” مفهوما هجينا ، لأن لا أثر له في أدبيات القانون الدستوري، الذي حصر توجه الدولة في مفهومين :
– الدولة المدنية : دولة المؤسسات والديموقراطية
– الدولة التيوقراطية : الدولة التي تقوم على أساس ديني ” كإسرائيل ” أو الدول العسكرية.
لذلك فغايتنا السرمدية في مقارعة النقاش العمومي ، هو إزالة التشويش على بعض المفاهيم ، التي تعاني من الشطط في استعمالها ، لابشهية الميتافزقية ولا بجاذبية التجرد ، ولكن من أجل تفكيك الواقع والانتصار للعلم ، بدل الهرولة نحوى الإثارة المجانية ، فمن يهوى الفكر والحقيقة ستنفرج أساريره معنا ، ومن يبحث عن الخطاب النشاز والمثير ، نقول له ابحث لنفسك على مكان آخر، فالجفاف عندنا أحسن من محصول كاسد ، فرب مخمصة خير من الدسم .
فالبحث الحصيف كشف لنا كثرة البهارات ، حيث يتم اغتيال المفاهيم، بطريقة يومية بل بكل طريقة وحين ، عبر أفواه السياسيين، والحكومات المتعاقبة ، دون وضع المفهوم في سياقه الفكري ، لأن الفكر صامد والسياسة عاهرة لا اخلاق لها ، ولأن المفكر ابن التاريخ والسياسي ابن اللحظة ، كما قال المفكر محمد عابد الجابري رحمة الله عليه .
إن ظرفية الخطاب السياسي ومحدوديته ، تكرس الهوة البنيوية بين ماهو علمي وواقعي واستراتجي، وبين ماهو سياسي خير أخلاقي موجه للاستهلاك وخال من المصداقية .
ولهذا اخترنا مكاشفة، مفهوم ” الدولة الاجتماعية ” كمفهوم يتم تداوله بقوة في النقاش العمومي المغربي في السنوات الفارطة ، من خلال إدخاله لحلبة التمحيص العلمي ، حتى يفصح عن حقيقته ، بدل اتباع هذا الضجيج الذي يتبضع من الخطاب السياسي المتهافت.
إن الدول التي تتمتع بعقل استراتيجي ، وبعقيدة ديموقراطية ، والتي أدركها ، مايسمى فكريا ” العياء الديموقراطي ” ، تدبر امورها بفلسفة الملفات ، وليس بمنطق التدبير اليومي القاصر ، ولهذا تراها تتجنب اللغو الإعلامي، بالفعالية والإنجاز….الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مصير التقارير الاستراتجية التي اشتغلت عليها الدولة ، بداية بتقرير الخمسينية ، ومرورا بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ، وتقرير الجهوية الموسعة، ودستور 2011 ، وصولا لتقرير النموذج التنموي؟؟؟
اذا كانت هاته الحكومة الهجينة ، التي يقودها أكبر ملياردير في المغرب ، تريد تبني هذا المشروع المولوي السامي ، كان عليها الا تسحب مشروع قانون محاربة الاثراء الغير مشروع ؟؟؟ أمر عجيب فعلا !!! لذلك نطالب هاته الحكومة ، بتنزيل الدستور ، وبعدها بسط مضامين النموذج التنموي الجديد ، في مفاصيل الدولة ، الأمر الذي سيفضي لدولة اجتماعية ، يعقبها توزيع عادل للثروة ، لتكتمل بعرس دولة ديموقراطية متكاملة الأركان ، وهذا أمر لن تقبله الحكومة الحالية المتحالفة مع الدولة التقليدية ، ولوبي المصالح ، الذي لايتماهى مع رغبة ملكية صادقة في التحديث والتنمية …
برز مفهوم الدولة الاجتماعية في القاموس السياسي خلال القرن التاسع عشر في سياق خاص جدا. إذ يعود إلى مؤسس الوحدة الألمانية بسمارك “Bismarck”، حينما أقبل على إقامة نظام الحماية الاجتماعية من أجل تضييق الخناق على البروز السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي المحظور، وبالتالي دمج الحركة العمالية الألمانية. وشهد هذا التعريف المقتصر في البداية على الحماية الاجتماعية، انتشارا متزايدا ليشمل أربعة ركائز أساسية للدولة الاجتماعية، وهي على الشكل الآتي؛ الحماية الاجتماعية، وتقنين علاقات الشغل (الحق في الشغل والمفاوضة الجماعية)، والخدمات العمومية، والسياسات الاقتصادية (ميزانياتية، نقدية، تجارية، دخلية…) المدعمة للنشاط الاقتصادي والتشغيل.
كما أن الدولة الاجتماعية مرتبطة بشكل قوي بالديمقراطية. فعبر الديمقراطية، يتم التعبير عن المواطنة الفاعلة، وتحقيق التماثل الاجتماعي، وهناك ثلاث أطروحات تؤكد هذه الأطروحة: أن الديمقراطية تؤدي إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية حسب نظر المفكر البنغالي أمارتياسن، والأطروحة الثانية تؤكد أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تؤدي إلى الديمقراطية والدليل على ذلك نموذج دول المينا والخليج العربي، أما الأطروحة الثالثة فتتعلق بأن التنمية الإنسانية تؤدي إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبار أن التنمية الإنسانية تتعلق بإعطاء الناس الفرص والقدرات وتنمية الإنسان لأجل الإنسان.
وباعتبارها تتعلق بمؤشرات ترتبط بالأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والبيئي.
كما أن الدولة الاجتماعية تنبني على العدالة المجالية وإعطاء التراب أحقيته وأهميته باعتباره يشكل إحدى أهم مرتكزات المواطنة الفاعلة وهو عنصر الانتماء، دون أن ننسى أن معالمها ترتكز على محاربة الاحتكار العمومي وتنبني على توزيع الموارد والخدمات وتكافؤ الفرص وفعالية وضبط القانون وتنظيم الحوار العمومي وتفعيل الديمقراطية التشاركية.
يتبين لنا أن دعامات الدولة أصبحت حاضرة بشكل قوي لدينا سواء من خلال دستور سنة 2011، أو البرامج الحكومية للحكومات التي أعقبت هذا الدستور، حيث أن نص الدستور في تصديره ذكر بالعديد من دعائم الدولة الاجتماعية.
إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.
وإدراكا منها بضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا.
كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلام والأمن في العالم، وتأسيسا على هذه القيم والمبادئ الثابتة، وعلى إرادتها القوية في ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك، فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير.
كما نص في الفصل الأول على ما يلي:
– نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية.
– يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة
– الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
– تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.
– التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة.
كما نص في الفصل 31 على ما يلي:
تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
– العلاج والعناية الصحية؛
– الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛
– الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛
التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛
– التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية؛
– السكن اللائق؛
– الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي؛
– ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق؛
– الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة؛
– التنمية المستدامة.
ونلاحظ من خلال ما سبق أن دستور 2011، أبرز لنا دعائم وركائز الدولة الاجتماعية التي تنبني على التضامن والمساواة والإنصاف والحكامة الجيدة وتوزيع الخدمات العمومية بشكل متساو والاندماج الوطني والحماية الاجتماعية …