فؤاد بوعلي
في الوقت الذي مازالت العربية تعاني من عراقيل وهجمات في عقر دارها لتحجيم دورها وعدم تمكينها من أداء أدوارها الطبيعية والدستورية، تأتي ملامح بشرى سارة من شرق آسيا. وبالضبط من باكستان. حيث صادق البرلمان الباكستاني، على قانون التعليم الإجباري للغة العربية، الذي يجعل تدريس اللغة العربية إلزاميًا في المدارس الابتدائية والثانوية في كل مؤسسات الدولة بعد أن كان منحصرا في التعليم الديني.
“هذا يوم مبارك في تاريخ باكستان. جعل اللغة العربية إلزامية في المؤسسات التعليمية هو أعظم مشروع قانون أقره مجلس الشيوخ. سيمكن المسلمين من فهم القرآن مباشرة دون ترجمة”. هكذا غرد أحد الأساتذة معبرا عن قيمة الحدث الذي انتظره مسلمو البلد منذ مدة طويلة.
فمنذ نشوء الدولة في 1947 والنقاش حول مكانة العربية باعتبارها لغة القرآن والدين الإسلامي مستمر وفق حركية متموجة مدا وجزرا. فالدولة التي نشأت باسم الإسلام وجعلته محور استقلالها استطاعت أخيرا أن “تجعل ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻘﺮآﻥ، ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺇﺟﺒﺎﺭﻳﺔ، ﻭﺗﺸﺠﻊ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻠﻢ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وتوفير ﺍﻟﺘﺴﻬﻴﻼﺕ ﻷﺟﻞ ﺫﻟﻚ” كما نص على ذلك دستور 1973.
وكما يبدو فإن الحاسم في الأمر هو الانتماء العقدي للعربية باعتبارها الجسر الحقيقي للشرع ومعرفة الدين، وبدونها لا يمكن الوصول إلى كنه العقيدة الإسلامية. “فهي بعد الإسلام لغة الأمة لا لغة القبيلة، وحري بها أن تسمى لغة القرآن أو لغة العالم الإسلامي من أن تسمى لغة العرب” كما قال الدكتور الودغيري. لذا استطاعت الفعاليات المدنية والسياسية أن تتوافق في إسلام أباد على إعطاء العربية دورا رئيسا في النظام التعليمي في رسالة دالة داخليا وخارجيا. وليست باكستان الوحيدة التي بدأت تمنح لغة الضاد الأهمية اللائقة، بل العديد من الدول الإسلامية بدأت تتجه نحو توسيع مساحة الاهتمام بها.
ويكفي أن نتابع فعاليات الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية لنستوعب الأمر. وما يسترعي الانتباه في هذا الإقبال هو تنامي الاقتناع بأن الاهتمام ينبغي أن يتجاوز دائرة المؤسسات الإسلامية والدينية إلى المؤسسات المجتمعية والثقافية المختلفة. وهكذا نشطت العديد من الدول العربية في استغلال هذه الفرصة لترسيخ وجودها في العديد من الدول الآسيوية والإفريقية. فالعربية لم تعد لغة دين وهوية وتحصين الذات بل أصبحت قوة ناعمة لربط الجسور مع المسلمين في كل البقاع وتوسيع مجالات النفوذ الاستراتيجية المختلفة.
لذا نشهد حضورا قويا لمؤسسات عربية، وحتى غربية، مختلفة في مجالات تعليم العربية للناطقين بغيرها، وتمويل المؤسسات اللغوية والدينية، وتنظيم الأنشطة الإشعاعية، بشكل يجعل التلاقي مع شعوب هذه الدول ميسرا ومتاحا.
وبالطبع هذا ليس عيبا، بل هو ضرورة استراتيجية وإحساس جماعي لدى مسلمي الدول غير العربية، وكما عبر أحدهم قائلا: “نحن في باكستان نتمنى كثيرا أن تكون هناك جهود عربية لنشر اللغة العربية وثقافتها بشكل منهجي عبر الجامعات التعليمية والفعاليات الثقافية والإعلام، خصوصا أن الواقع مهيأ لقبول هذه اللغة، والأرض خصبة لزرع بذورها ومن ثم حصاد ثمارها”. فالحاجة إلى العرب ملحة للنهوض بلغة الضاد. فهل يستوعب أصحاب القرار عندنا الرسالة أم يستمرون في تجاهل الحقيقة الآتية من الشرق الأقصى؟