لا جديد في الجزائر مع فوز عبدالمجيد تبون (78 عاما) بولاية رئاسيّة ثانية. كلّ ما في الأمر أنّه كانت هناك محاولة لدى المؤسسة العسكرية لإظهار الجزائر بأنّها دولة ديمقراطية مسموح فيها التنافس على الرئاسة. جاء حصول تبون على نسبة 94.65 في المئة من أصوات الناخبين، في ظلّ مقاطعة شعبية واسعة للانتخابات، لتفشل المحاولة، أو على الأصح التمثيليّة، الهادفة إلى تجميل وجه النظام.
ظهر بوضوح من خلال انتخابات معروفة نتيجتها سلفا، لم يبد المواطن الجزائري أيّ حماسة لها، أنّ الذهنية التي تتحكّم بالنظام لم تتبدل قيد أنملة. قرّرت المؤسسة العسكريّة التجديد لتبون الذي أظهر في السنوات الأخيرة تعاونا كاملا معها. لم تعد لدى الرئيس الجزائري القديم – الجديد أيّ أسئلة يطرحها على المؤسسة العسكرية التي يديرها في الوقت الراهن رئيس الأركان الجنرال السعيد شنقريحة الذي يبلغ الـ79من العمر.
بموجب هذه التمثيليّة، جرى تقديم موعد الانتخابات الرئاسيّة إلى السابع من أيلول – سبتمبر بعدما كان مفترضا أن تكون في الشهر الأخير من السنة. اطمأنت المؤسسة العسكرية إلى أنّها تمسك بكلّ مفاتيح السلطة واطمأن عبدالمجيد تبون إلى أنّه باق في قصر المرادية (القصر الرئاسي) يهاجم منه “العصابة” التي تشكلت في عهد سلفه عبدالعزيز بوتفليقة وأدارت البلد طوال عشرين عاما. يستطيع أن يفتخر بأن رؤوس تلك العصابة، التي كان يتزعمها سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الراحل باتوا خلف القضبان.
في ضوء انتخاب تبون رئيسا، يتبيّن أن الأمر الذي لا وجود لشكّ فيه، يتمثل في أن النظام الجزائري عاجز عن تغيير جلده على صعيدين. الأوّل شراء السلم الاجتماعي عن طريق أموال النفط والغاز والآخر الهرب من أزمته الداخلية إلى خارج الحدود الجزائرية. هذا ما يفسّر وجود العقدة المغربيّة التي تتحّكم بالنظام وتصرفاته من جهة والأزمات التي بدأت تظهر مع مالي وعلى الحدود مع ليبيا من جهة أخرى.
يستحيل الكلام عن تغيير جدّي في الجزائر قبل بدء الاعتماد على تطوير الإنسان الجزائري عبر رفع مستوى التعليم وتنويع الاقتصاد في بلد يمتلك ثروات كبيرة يرفض استغلالها باستثناء ثروة النفط والغاز. يوجد نظام يرفض أن يعتمد المواطن على قدراته الذاتية وعلى استغلال الفرص التي تتوفر له. مطلوب من المواطن أن يكون رهينة لدى ما تقدمه له الدولة التي تعتمد بدورها على ثروة النفط والغاز بدل تحويل الجزائر إلى قوة اقتصادية فاعلة في خدمة شعبها والمنطقة المحيطة بها.
يستحيل الفصل بين الأزمة الداخلية الجزائرية التي يعبّر عنها الانسداد السياسي على كلّ المستويات والخروج من أسر الشعارات التي تتحدث مثلا عن حق تقرير المصير للشعوب، على سبيل المثال وليس الحصر. لو كان النظام في الجزائر يؤمن حقيقة بحق تقرير المصير للشعوب، لكان أعطى حق تقرير المصير للشعب الجزائري نفسه بدل أن يفرض عليه رئيسا… ولكان أفرج عن الصحراويين الموجودين في منطقة تندوف التي تشرف عليه أداة اسمها “بوليساريو”.
في ضوء ما تشهده المنطقة كلها من تطورات، إن في شمال أفريقيا أو في منطقة الساحل، ثمة حاجة حقيقية إلى عودة النظام الجزائري إلى أرض الواقع، أي إلى استيعاب أن العالم تغيّر وأن ليس في استطاعته البقاء حيث هو معتمدا لغة خشبية تجاوزها الزمن. المؤسف أنّه عاجز عن ذلك. هذا ما يؤكده الإصرار على إعادة عبدالمجيد تبون إلى الرئاسة. يشير حصول تبون على ولاية ثانية، من دون معرفة مَن مِن الجزائريين صوّت له إلى أنّ لا أمل في تغيير قريب نحو الأفضل في الجزائر، علما أن مثل هذا التغيير يفرض نفسه. حتّى العلاقات مع روسيا تغيّرت في ضوء النشاطات التي تمارسها مجموعة “فاغنر” في منطقة الساحل، في مالي، البلد المهمّ بالنسبة إلى الجزائر… وفي غير مالي من بلدان أفريقية.
ليس سرّا أنّ علاقات عميقة تربط الجزائر بروسيا وهي تتمة لتلك التي كانت بينها وبين الاتحاد السوفياتي الذي يزود الجزائر بالسلاح مقابل مبالغ كبيرة معروف إلى أين تذهب العمولات الناتجة عنها. ليس سرّا أيضا أن الجزائر بدأت تشكو علنا من نشاط “فاغنر”. ما مستقبل العلاقات الروسيّة – الجزائرية في وقت تستفيد فيه الجزائر أيضا من السعي الأوروبي إلى الاستغناء عن الغاز الروسي؟
تبدو لافتة في هذا الإطار، رسالة التهنئة التي وجهها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تبون. ذهبت الرسالة بعيدا في الإشادة بالجزائر والعلاقات التي تربط بينها وبين فرنسا. صدرت الرسالة عن قصر الإليزيه في وقت سحبت الجزائر سفيرها في باريس في ضوء الرسالة التي وجهها ماكرون إلى الملك محمّد السادس وتضمنت اعترافا بمغربيّة الصحراء. اعتبر النظام الجزائري الصحراء المغربيّة أولوية الأولويات بالنسبة إليه منذ العام 1975، تاريخ استعادة المغرب أقاليمه الصحراوية التي كانت مستعمرة إسبانيّة.
كان في استطاعة النظام الجزائري الاستفادة من الموقف الفرنسي من قضية الصحراء ليحذو حذو الرئيس ماكرون ويتصالح مع الواقع والحقيقة والحقّ. لم يفعل ذلك. اختار الذهاب في اتجاه إبقاء عبدالمجيد تبون في الرئاسة ليعبّر عن الخيار الواضح الذي اعتمده. يتمثل هذا الخيار في اعتماد سياسة الجمود في منطقة تتغيّر وعالم يتغيّر.
كيف لمجموعة عسكرية أن تخرج من الجمود عندما تختار رجلا في الـ78 في الرئاسة متجاهلة أن تبون لا يدرك معنى الكلام الذي يقوله. قال أخيرا، مثلا، “إن الجزائر صارت ثالث أكبر اقتصاد في العالم”. لم يكن ممكنا صدور مثل هذا الكلام عن الرئيس الجزائري لو لم يكن في عالم خاص به لا علاقة له بالعالم… مثله مثل المجموعة العسكرية التي مددت له في الرئاسة.
خيرالله خيرالله
إعلامي لبناني